وبشر الصابرين للشيخ نبيل العوضي
+2
عينيا دوت كوم
baza2
6 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
وبشر الصابرين للشيخ نبيل العوضي
وبشر الصابرين :
إن العبد المؤمن يبتلى بالمصائب والمحن ؛ فتكون إما سبباً في تكفير سيئاته وذنوبه أو سبباً في ارتفاع درجته في الجنة ، أو أنه ينال بصبره على البلاء محبة الله ورضاه عنه ، ولذلك إذا أراد المسلم أن يكون من الصابرين والحامدين الله فلينظر إلى الأنبياء وكيف كانوا يبتلون ، ويقتدي بالصحابة والصالحين ، فإن هذا كله يذهب عن قلبه الألم والحزن ، ويبعث مكانه الرضا بأقدار الله ، والصبر والثبات على دين الله .
الصبر عند أول صدمة :
الحمد لله رب العالمين . والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين .
أما بعد :
فهذا الحديث أوجهه إلى كل مبتلى، إلى كل مَن أصيب بمصيبة ، ونزلت عليه بلية، إلى كل مهمومٍ مغموم ، إلى كل مكروبٍ منكوب ، إلى كل مَن تعرضت له كارثة ، وسَمِع بفاجعة ، أوجه هذا الحديث : ( وبشر الصابرين ) . وهل منا إلا مكروبٌ ، أو مهمومٌ ، أو مغموم ! التفت إلى مَن حولك مِن الناس جميعاً ؛ هل تجد فيهم إلا منكوباً ، أو مكروباً ، أو مهموماً ، أو مغموماً ؛ إما بفقد حبيب ، أو بحصول مكروه ، أو بنزول مرض ، أو بسماع فاجعة ، أو بغيرها من البلايا ،
أوجه هذا الحديث إلى كل مَن أوذي ، إلى كل مَن ظُلم ، إلى كل من قُهر ، إلى كل من أصيب بمصيبة ، أقول لهم : قال الله جل وعلا : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:155-156]
( إنما الصبر عند الصدمة الأولى ) أي : أول ما تأتيه المصيبة ؛ سَمِع بوفاة القريب ، أو بفقد الحبيب ، أخبره الطبيب بالمرض ، يا لها من فاجعة ! سوف تموت ولابد ، إن المرض قد استشرى في الجسد ، سمع بالخبر ، فأتته المصيبة ، ماذا يقول ؟ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156] .
إلى هؤلاء جميعاً أوجه حديثي ، وأرسل هذه الكلمات ؛ من الروح إلى الروح ، ومن القلب إلى القلب ، أقول لكل واحد منهم : عظَّم الله أجرك ، ورفع درجتك ، وجبر كسرك ، واسمع ! فإنها الدنيا ، ألم تعرفها إلى الآن ؟! ألم تدر أنها كما قيل :
طبعت على كدرٍ وأنت تريدها ** صفواً من الأقذار والأكدار
إنها الدنيا ! ابن عباس كان في سفر ، فجاءه خبر مفزع، ما الخبر؟ مات ابنه، ابن ابن عباس مات ، ويأتيه الخبر وهو بعيد عنه ، وهو ليس بجنبه، هو في السفر ، ماذا فعل ابن عباس ؟ هل شق جيباً ؟ هل لطم خداً ؟ هل نفش شعراً ؟ هل صاح بأعلى صوته ؟ تنحى عن الطريق ، ثم كبر ؟ ثم صلى ركعتين ، ثم قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فعلنا كما أمرنا ربنا : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:153] صَبَر وصَلَّى ركعتين ، ثم قال : إنا لله وإنا إليه راجعون . هل عندما تأتيك المصيبة تكون هذه حالك ؟! أحد الشعراء يسمى : أبا الحسن التهامي ، مات ابنه الصغير ، والابن ليس كغيره ، موت الابن يعرفه مَن مات له ابن ، يعرف كيف الابن غالٍ ! قطعة من الكبد قد ذهبت ، يتمنى الأب أن لو مات ولم يرَ وفاة ابنه ، عندما مات ابنه أنشد شعراً فقال :
حكم المنية في البرية جار ** ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يرى الإنسان فيها مخبراً حتى يرى خبراً من الأخبار
جاورت أعدائي وجاور ربه ** شتان بين جواره وجواري
وما هي إلا فترة من الزمن فيموت الشاعر ، فيُرى في المنام ، فيقال له : ماذا صنع بك ربك ؟ قال : أدخلني الجنة ، قالوا : وبم أدخلك الجنة ؟ قال : بهذا البيت :
جاورت أعدائي وجاور ربه ** شتان بين جواره وجواري
لو كل من مات له حبيب ، أو صاحب ، أو ابن ، أو قريب فكر بهذا ، فنحن الآن في سجن ، فإذا مات كأنه أطلق من هذا السجن ، وكأنه خرج منها ، أليست الدنيا سجن المؤمن ؟ فكر ! فكر يا من مات قريبه ! يا من مات حبيبه ! يا من مات صاحبه ! أليست الدنيا سجن المؤمن ؟ فإذا مات خرج من هذا السجن للحديث الصحيح : ( ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلاَّ الجنة ) لو احتسب هذا الحبيب ، واحتسب ذلك القريب .
وفي الحديث الآخر : ( إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته : قبضتم ولد عبدي ؟ قالوا : نعم . وهو أعلم ، قال : ماذا قال ؟ وهو أعلم ، يقولون : يا رب حمدك واسترجع - مات ابنه فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، الحمد لله على كل حال - قالوا : حمدك واسترجع ، فقال الله جل وعلا : ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة ، وسموه بيت الحمد ) إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10] .
مات ابن المصطفى صل الله عليه وسلم إبراهيم ، فدَمَعَت عيناه ، ثم قال : ( إن العين تدمع ، وإن القلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا : إنا لله وإنا إليه راجعون ) .
تقول : ماتت زوجتي وهي غالية ، ماتت أمي لا أملك أغلى منها في الدنيا ، ماذا أصنع ؟ أقول لك : كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [ الرحمن:26] يا مَن دَفَنْت أمك وأباك ، وشيَّعْت ابنك وابنتك ، وودَّعْت زوجتك ، هل سوف تبقى في هذه الدنيا ؟ لا والله كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:26-27] . وقالوا في الشعر :
اصبر لكل مصيبة وتجلد ** واعلم بأن المرء غير مخلد
واصبر كما صبر الكرام فإنها ** نوب تنوب اليوم تكشف في غد
وإذا أتتك مصيبة تشجى لها فاذكر مصابك بالنبي محمد صل الله عليه وسلم
مات ابنٌ لـزينب بنت محمد عليه الصلاة والسلام ، انظر ماذا قال يعزيها ، وأنا أعزي كل مصاب ، قال : ( لله ما أعطى ، وله ما أخذ ، وكل شيء عنده بمقدار ، مروها فلتصبر ولتحتسب ) نعم : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [ البقرة:156] .
أنت وأبناؤك وأحبابك وأقرباؤك كلنا لله عز وجل ، إنما هي عارية أعطانا الله إياها ، ثم أخذها منا ، فهل تصبر ؟ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [ البقرة:155] .......
أشد الناس بلاء الأنبياء :
اسمع يا أخي الكريم ! يا من أصيب بالمرض ! يا من فجعه المرض ! يا من سقط على فراش المرض طريحاً لا يستطيع أن يتقلب يمنة أو يسرة ! يا من أصابته الحمى فأنهكته وأهلكته وجلس على الفراش لا يدري هل هو حيٌ أم ميت ؟ أوجه إليك هذا الحديث ، فاسمع وانبته !
إن أيوب عليه السلام كان يملك مالاً عظيماً ، وجاهاً، وأهلاً ، وأولاداً ، وأنعاماً ، وصحةً ، وبدناً قوياً ، خسر كل هذا ، ما الذي بقي له ؟ بقي له لسانٌ يذكر الله به ، وقلبٌ يعقل ، هذا الرجل العظيم جلس على الفراش سبع عشرة سنة يقاوم المرض ، ليس عنده إلا زوجته تطببه وتداويه ، سبع عشرة سنة على فراش المرض ، ماذا قال ؟ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83]* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ [الأنبياء:84]
مَن الذي مَرِض ؟ مَن الذي ابتُلِي ؟ ( أشد الناس بلاءً الأنبياء ) أبشر ! إذا أحب الله عبداً ابتلاه ، بل إن دليل الإيمان البلية وشدتها ، مَن أشد الناس بلاءً ؟ ( ... الأنبياء ، ثم الأمثل ، فالأمثل ) ماذا سَمَّى الله عز وجل أيوباً ؟ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:44]
( إن الله عز وجل يُذْهِب عن العبد خطاياه كلها بحُمَّى ليلة واحدة ) حمى وحرارة ليلة واحدة يُذْهِب الله ويكفر جميع الخطايا . يا من أصيب بالمرض فجزع ، ويا من أتاه خبر المرض فلم يصبر !
اسمع إلى الحديث الصحيح : ( إذا مرض العبد بعث الله إليه ملكين ، فقال : انظرا ماذا يقول لعواده فإن هم إذ جاءوه حمد الله ، وأثنى عليه ... ) هل رأيت مريضاً لما يُسأل كيف حالك ؟ يقول : الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله على كل حال ، الحمد لله أخذ مني شيئاً وأعطاني أشياءً ، الحمد لله الذي لم يجعلني مثل فلان وفلان ، الحمد لله إن كان قد ابتلى فقد أنعم : ( ... فإذا هو قد حمد الله ، وأثنى عليه يخبران الله عز وجل وهو أعلم ، فيقول الله جل وعلا : لِعَبْدي - اسمع وعُد إلى الله - لِعَبْدي إن توفيته أن أدخله الجنة - إن مات بهذا المرض أدخله الجنة ، يحمد الله على هذا المرض ، ويصبر ، ويحتسب الأجر ، لو مات في هذا المرض يدخل الجنة - قال : وإن شفيته له علي أن أبدله لحماً خيراً من لحمه ، ودماً خيراً من دمه ، وأن أكفر عنه سيئاته ) هل لك بعد هذا الأجر من أجر ؟! مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ[ الحديد:22] .......
كل شيء بقضاء الله وقدره :
مما يسلي المبتلى والمصاب ، أن يعلم أن كل شيء بقدر الله عز وجل : ( واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رُفِعت الأقلام وجفت الصحف ) قال الشافعي :
دع الأيام تفعل ما تشاء ** وطب نفساً إذا حكم القضاء
انظر القوة في الإيمان ! يعرفون حقيقة الدنيا ، إنها دار بلاء ، دار محن ، دار مصائب ، دار كرب .
دع الأيام تفعل ما تشاء ** وطب نفساً إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي ** فما لحوادث الدنيا بقاء
ومن نزلت بساحته المنايا ** فلا أرضٌ تقيه ولا سماء
وأرض الله واسعة ولكن ** إذا نزل القضا ضاق الفضاء
نعم ، علموا حقيقة الدنيا .......
أقوال وقصص في فضل البلاء :
يبتلي الله العبد وهو يحبه ليسمع تضرعه :
اسمع يا عبد الله إلى بعض الأقوال المأثورة في فضل البلاء ، تقول : لم يبتليني الرب جل وعلا ؟ ولم يُنزل علي هذه المصيبة ؟ ولم يعاقبني الرب جل وعلا ؟ اسمع ماذا يقول بعض العلماء !
يقولون : إن الله يبتلي العبد وهو يحبه - أتعرف لِمَا ؟- ليسمع تضرعه ، يحب الله جل وعلا أن يسمع تضرع العبد إليه سبحانه وتعالى .
هل فكرت قبل أن تطرق الأبواب ، وقبل أن تستغيث بالناس ، وقبل أن تلجأ إليهم أن تفر إلى الرب الغفور الرحيم ، أن تلجأ إلى ذي الجلال والإكرام ، قيل : البلاء يَسْتَخْرِج الدعاء ، تجد الرجل لا يذكر ربه ، لا يدعو الله، لا يقوم الليل ، لا يقرأ القرآن ، لا يتصدق ، لا يفعل شيئاً ، فإذا نزل البلاء اسْتُخْرِجَ هذا كله ، فدمعت عينه ، ورفع يديه ، خشع قلبه ، سكنت نفسه ، وتاب إلى الله .
قصة رجل شل جسمه :
قيل لأحد العُبَّاد : كيف كانت توبتك ؟ - وهو لبيد العابد - قيل له : كيف كانت توبتك ؟ -اسمع كيف تاب إلى الله جل وعلا هذا الرجل ! - يقول : لدغتني حية - ثعبان - فلم أحس بالألم وبعد فترة لم أشعر بيدي - شُلَّت يده اليمنى - يقول : وبعد أيام شُلَّت يدي الأخرى ، وأنا ما أدري ما الذي أصنع وما الذي أفعل ، يقول : ومرت الأيام فشُلَّت إحدى رجلَي ثم الأخرى ، فطُرِحْت على الفراش ، لا أستطيع أن أحرك جسمي كله ، يقول : ومرت الأيام فعمي بصري ، وطال علي الأمر ، فتوقف لساني عن الكلام - هل بقي فيه شيء ؟ - يقول : لم يبقِ الله عز وجل إلا سمعي ، أسمع ما يسوءني وأنا على الفراش ، عندي زوجة ، يسقوني وأنا غير عطشان ، وأعطش فلا أرتوي ، وآكل وأنا شبعان ، وأجوع فلا أُطْعَم ، وأُكْسَى وأنا كذا ،
يقول : وهكذا ، أذوق الويل والمر والألم ، يقول : حتى جاء يومٌ من الأيام فجاءت جارة لنا -يسمع كل كلام حوله ، ولا يرى ، ولا يستطيع أن ينطق ولا يتحرك - يقول : جاءت جارة لنا ، فسألت زوجتي : كيف حال زوجك ؟ فقالت الزوجة قالت : لا حيٌ فيُرجى ، ولا ميتٌ فيُنسى ،
يقول : فتألمت من هذه الكلمات حتى انهمرت دموعي وأنا أبكي على الفراش ، يقول : فلما جاء آخر الليل دعوت الله جل وعلا ، واجتهدت بالدعاء وأنا أبكي وأستغيث بالله ، وأتوسل إلى الله ، فجاءني ألم شديد في جسمي فأنهكني الألم ، حتى أغمي علي ، يقول : وبعد ساعات استيقظت من النوم فوجدت يدي على صدري ، يقول : فحركتها ، فإذا هي تتحرك ، ويدي الأخرى تتحرك ، ورجلاي يقول : فقمت على جسدي ، وأنا أتكلم ، ففتحت الباب فنظرت إلى النجوم ، وأنا أقول : يا قديم الإحسان لك الحمد ، يا قديم الإحسان لك الحمد ، وأنا ألتفت إلى مَن حولي وأقول : لربي الحمد ، لربي الحمد : أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:
62] الكافر إذا اضطر استجاب الله له ، الكافر إذا ضاقت عليه الأمور ، وأخلص الدعاء ، استجاب الله له ، كيف بالمؤمن ! أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62] .
يقول لي المسكين : قال لي الطبيب : مرضك لا شفاء له ، قلت له : كذب الطبيب ، فما من داء إلا أنزل الله له دواء ، عَلِمَه مَن عَلِمَه ، وجَهِلَه مَن جَهِلَه ، ولكن هل طرقْتَ باب الله ؟ وهل استغثت بالله ؟ وهل جربت الدعاء من القلب ؟
قصة المرأة التي كانت تصرع وتتكشف :
امرأة أصيبت بالصرع، فتأتي إلى الرسول فتقول له : ( يا رسول الله ! ادعُ الله لي ، قال : إن شئتِ دعوتُ الله لك ، وإن شئتِ صبرتِ ولك الجنة ، قالت : بل أصبر ) إذا كان الأمر فيه جنة سأصبر : وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [ البقرة:155-156] .
النبي صلى الله عليه وسلم وهجرته إلى الطائف :
أوجه هذا الحديث إلى كل من خسر ماله ، إلى كل من فقد الدنيا ، إلى كل من أصيب بمصيبة ، إلى الدعاة إلى الله ، إلى الصالحين المصلحين ، إلى من أوذي في الله ، إلى من أوذي لأنه متمسكٌ بسنة رسول الله ، إلى كل محجبة يُستهزأ بها ، ولأنها ملتزمة يُفتَرى عليها ، أوجه هذا الحديث .
أقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام هو أشد من أوذي ، وأكثر من أصيب . يَخْرج من مكة إلى الطائف . ولِمَ خرج من مكة مهاجراً إلى الطائف ؟ لأنه في مكة ضُرب ، وشتم ، واتُّهم بعقله حتى قيل : سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [الذاريات:52] .
في مكة كان يسجد فيُؤتى بسلى الجزور فيوضع على ظهره . في مكة خُنِق حتى كاد يُقتل عليه الصلاة والسلام . في مكة أصيب بالجوع حتى تمر عليه الثلاثون ليلة لا يجد ما يأكل إلا ما يواريه بلال تحت إبطه . هكذا أصيب عليه الصلاة والسلام .
خرج إلى الطائف ما الذي حصل له ؟ رمي بالحجارة ، وتُبِع بالعبيد ، والصبيان ، والأطفال ، والسفهاء ، يركضون خلف خير مَن وطئت قدمُه الثرى ، خلف خير إنسانٍ على وجه الأرض ، يرمونه بالحجارة ، دَمَعَت عينه ، انطلق وهو مهمومٌ على وجهه ، رفع يديه إلى الله وهو يقول ولسان حال كل داعية إلى الله مهموم ، كل داعية إلى الله مكلوم ، كل داعية إلى الله مبتلى ، لسان حاله يقول : ( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الرحمين ، يا رب المستضعفين ، إلى مَن تكلني ؟ إلى قريبٍ يتجهمني ؟ أم إلى عدوٍ ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي ؛ لكن عافيتك أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن ينزل بي غضبك ، أو يحل عليَّ سَخَطُك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك ) .
يا أخي الكريم ! يا أخي العزيز ! يا من ابتُلي ! يا من ظُلم ! يا من قُهر ! يا من استهزئ به ! اسمع يا أخي الكريم إلى هذا الشاعر ماذا يقول وهو يرى حال المسلمين ! وكأنه يصف حالنا ، المسلمون في الدنيا إما حروبٌ قاتلة ، أو جوعٌ طاحن ، أو مرضٌ متفشٍ ، أو جهلٌ قابع ، هذه حال المسلمين إلا مَن رحم الله ، اسمع ماذا يقول !
لكل شيء إذا ما تم نقصان ** فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأيام كما شاهدتها دولاً ** من سره زمن ساءته أزمان
وتلك دار لا تبقي على أحد ** ولا يدوم على حال لها شان
أما سمعت أن زكريا قُتِل ، ويحيى ذُبِح ، ويوسف سُجِن ، وسار على هذا الطريق الأولون ، فهل أنت بعيدٌ عنهم ؟!
لقد حفت الجنة بالمكاره . سُب الرسول حتى قيل له : ساحرٌ مجنون ، عليه الصلاة والسلام ، قال الله جل وعلا : كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [الذاريات:52]
أخْرِجْ لي رسولاً ما قيل له : ساحرٌ أو مجنون ، وهم أعقل الناس ، وأفضلهم ، وأشرفهم مكانة ، قال الله : أَتَوَاصَوْا بِهِ [الذاريات:53] هل يوصي بعضهم بعضاً؟ بل السب والشتم والطعن ، حتى الطعن في العرض وصل إلى النبي صل الله عليه وسلم ، تُكِلِّم في عرضه ، والإفك العظيم والإفك الكبير يفنده الله في القرآن إلى قيام الساعة ، وكأنها سنة كونية أن يرسلوا الكذب حول المصلحين ، فإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام يقف صامداً ثابتاً وكأن الله عز وجل يقول له : وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النحل:127] بل موعد هؤلاء وهؤلاء يوم اللقاء ، يوم يجمعهم الله جميعاً ، المؤمنون الصالحون الدعاة مع المنافقين ، يجمعهم الله جل وعلا يوم القيامة ، فإذا بالرب جل وعلا يقول لهم : إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً [المؤمنون:109-110]
أتذكرون لما كنتم تسخرون منهم ، ومن أعمالهم ، ودعوتهم ، وسنة نبيهم ، بل من مصحفهم ؟! أتذكرون ؟! فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا [المؤمنون:110-111] .
الصبر .. الصبر .. أيها الداعية : لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ [الروم:60]
اصبر .. كن حكيماً ، كن حليماً ، فإن هذا الطريق لا يَثْبُت عليه إلا الصابرون .
إن العبد المؤمن يبتلى بالمصائب والمحن ؛ فتكون إما سبباً في تكفير سيئاته وذنوبه أو سبباً في ارتفاع درجته في الجنة ، أو أنه ينال بصبره على البلاء محبة الله ورضاه عنه ، ولذلك إذا أراد المسلم أن يكون من الصابرين والحامدين الله فلينظر إلى الأنبياء وكيف كانوا يبتلون ، ويقتدي بالصحابة والصالحين ، فإن هذا كله يذهب عن قلبه الألم والحزن ، ويبعث مكانه الرضا بأقدار الله ، والصبر والثبات على دين الله .
الصبر عند أول صدمة :
الحمد لله رب العالمين . والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين .
أما بعد :
فهذا الحديث أوجهه إلى كل مبتلى، إلى كل مَن أصيب بمصيبة ، ونزلت عليه بلية، إلى كل مهمومٍ مغموم ، إلى كل مكروبٍ منكوب ، إلى كل مَن تعرضت له كارثة ، وسَمِع بفاجعة ، أوجه هذا الحديث : ( وبشر الصابرين ) . وهل منا إلا مكروبٌ ، أو مهمومٌ ، أو مغموم ! التفت إلى مَن حولك مِن الناس جميعاً ؛ هل تجد فيهم إلا منكوباً ، أو مكروباً ، أو مهموماً ، أو مغموماً ؛ إما بفقد حبيب ، أو بحصول مكروه ، أو بنزول مرض ، أو بسماع فاجعة ، أو بغيرها من البلايا ،
أوجه هذا الحديث إلى كل مَن أوذي ، إلى كل مَن ظُلم ، إلى كل من قُهر ، إلى كل من أصيب بمصيبة ، أقول لهم : قال الله جل وعلا : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:155-156]
( إنما الصبر عند الصدمة الأولى ) أي : أول ما تأتيه المصيبة ؛ سَمِع بوفاة القريب ، أو بفقد الحبيب ، أخبره الطبيب بالمرض ، يا لها من فاجعة ! سوف تموت ولابد ، إن المرض قد استشرى في الجسد ، سمع بالخبر ، فأتته المصيبة ، ماذا يقول ؟ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156] .
إلى هؤلاء جميعاً أوجه حديثي ، وأرسل هذه الكلمات ؛ من الروح إلى الروح ، ومن القلب إلى القلب ، أقول لكل واحد منهم : عظَّم الله أجرك ، ورفع درجتك ، وجبر كسرك ، واسمع ! فإنها الدنيا ، ألم تعرفها إلى الآن ؟! ألم تدر أنها كما قيل :
طبعت على كدرٍ وأنت تريدها ** صفواً من الأقذار والأكدار
إنها الدنيا ! ابن عباس كان في سفر ، فجاءه خبر مفزع، ما الخبر؟ مات ابنه، ابن ابن عباس مات ، ويأتيه الخبر وهو بعيد عنه ، وهو ليس بجنبه، هو في السفر ، ماذا فعل ابن عباس ؟ هل شق جيباً ؟ هل لطم خداً ؟ هل نفش شعراً ؟ هل صاح بأعلى صوته ؟ تنحى عن الطريق ، ثم كبر ؟ ثم صلى ركعتين ، ثم قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فعلنا كما أمرنا ربنا : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:153] صَبَر وصَلَّى ركعتين ، ثم قال : إنا لله وإنا إليه راجعون . هل عندما تأتيك المصيبة تكون هذه حالك ؟! أحد الشعراء يسمى : أبا الحسن التهامي ، مات ابنه الصغير ، والابن ليس كغيره ، موت الابن يعرفه مَن مات له ابن ، يعرف كيف الابن غالٍ ! قطعة من الكبد قد ذهبت ، يتمنى الأب أن لو مات ولم يرَ وفاة ابنه ، عندما مات ابنه أنشد شعراً فقال :
حكم المنية في البرية جار ** ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يرى الإنسان فيها مخبراً حتى يرى خبراً من الأخبار
جاورت أعدائي وجاور ربه ** شتان بين جواره وجواري
وما هي إلا فترة من الزمن فيموت الشاعر ، فيُرى في المنام ، فيقال له : ماذا صنع بك ربك ؟ قال : أدخلني الجنة ، قالوا : وبم أدخلك الجنة ؟ قال : بهذا البيت :
جاورت أعدائي وجاور ربه ** شتان بين جواره وجواري
لو كل من مات له حبيب ، أو صاحب ، أو ابن ، أو قريب فكر بهذا ، فنحن الآن في سجن ، فإذا مات كأنه أطلق من هذا السجن ، وكأنه خرج منها ، أليست الدنيا سجن المؤمن ؟ فكر ! فكر يا من مات قريبه ! يا من مات حبيبه ! يا من مات صاحبه ! أليست الدنيا سجن المؤمن ؟ فإذا مات خرج من هذا السجن للحديث الصحيح : ( ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلاَّ الجنة ) لو احتسب هذا الحبيب ، واحتسب ذلك القريب .
وفي الحديث الآخر : ( إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته : قبضتم ولد عبدي ؟ قالوا : نعم . وهو أعلم ، قال : ماذا قال ؟ وهو أعلم ، يقولون : يا رب حمدك واسترجع - مات ابنه فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، الحمد لله على كل حال - قالوا : حمدك واسترجع ، فقال الله جل وعلا : ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة ، وسموه بيت الحمد ) إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10] .
مات ابن المصطفى صل الله عليه وسلم إبراهيم ، فدَمَعَت عيناه ، ثم قال : ( إن العين تدمع ، وإن القلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا : إنا لله وإنا إليه راجعون ) .
تقول : ماتت زوجتي وهي غالية ، ماتت أمي لا أملك أغلى منها في الدنيا ، ماذا أصنع ؟ أقول لك : كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [ الرحمن:26] يا مَن دَفَنْت أمك وأباك ، وشيَّعْت ابنك وابنتك ، وودَّعْت زوجتك ، هل سوف تبقى في هذه الدنيا ؟ لا والله كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:26-27] . وقالوا في الشعر :
اصبر لكل مصيبة وتجلد ** واعلم بأن المرء غير مخلد
واصبر كما صبر الكرام فإنها ** نوب تنوب اليوم تكشف في غد
وإذا أتتك مصيبة تشجى لها فاذكر مصابك بالنبي محمد صل الله عليه وسلم
مات ابنٌ لـزينب بنت محمد عليه الصلاة والسلام ، انظر ماذا قال يعزيها ، وأنا أعزي كل مصاب ، قال : ( لله ما أعطى ، وله ما أخذ ، وكل شيء عنده بمقدار ، مروها فلتصبر ولتحتسب ) نعم : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [ البقرة:156] .
أنت وأبناؤك وأحبابك وأقرباؤك كلنا لله عز وجل ، إنما هي عارية أعطانا الله إياها ، ثم أخذها منا ، فهل تصبر ؟ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [ البقرة:155] .......
أشد الناس بلاء الأنبياء :
اسمع يا أخي الكريم ! يا من أصيب بالمرض ! يا من فجعه المرض ! يا من سقط على فراش المرض طريحاً لا يستطيع أن يتقلب يمنة أو يسرة ! يا من أصابته الحمى فأنهكته وأهلكته وجلس على الفراش لا يدري هل هو حيٌ أم ميت ؟ أوجه إليك هذا الحديث ، فاسمع وانبته !
إن أيوب عليه السلام كان يملك مالاً عظيماً ، وجاهاً، وأهلاً ، وأولاداً ، وأنعاماً ، وصحةً ، وبدناً قوياً ، خسر كل هذا ، ما الذي بقي له ؟ بقي له لسانٌ يذكر الله به ، وقلبٌ يعقل ، هذا الرجل العظيم جلس على الفراش سبع عشرة سنة يقاوم المرض ، ليس عنده إلا زوجته تطببه وتداويه ، سبع عشرة سنة على فراش المرض ، ماذا قال ؟ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83]* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ [الأنبياء:84]
مَن الذي مَرِض ؟ مَن الذي ابتُلِي ؟ ( أشد الناس بلاءً الأنبياء ) أبشر ! إذا أحب الله عبداً ابتلاه ، بل إن دليل الإيمان البلية وشدتها ، مَن أشد الناس بلاءً ؟ ( ... الأنبياء ، ثم الأمثل ، فالأمثل ) ماذا سَمَّى الله عز وجل أيوباً ؟ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:44]
( إن الله عز وجل يُذْهِب عن العبد خطاياه كلها بحُمَّى ليلة واحدة ) حمى وحرارة ليلة واحدة يُذْهِب الله ويكفر جميع الخطايا . يا من أصيب بالمرض فجزع ، ويا من أتاه خبر المرض فلم يصبر !
اسمع إلى الحديث الصحيح : ( إذا مرض العبد بعث الله إليه ملكين ، فقال : انظرا ماذا يقول لعواده فإن هم إذ جاءوه حمد الله ، وأثنى عليه ... ) هل رأيت مريضاً لما يُسأل كيف حالك ؟ يقول : الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله على كل حال ، الحمد لله أخذ مني شيئاً وأعطاني أشياءً ، الحمد لله الذي لم يجعلني مثل فلان وفلان ، الحمد لله إن كان قد ابتلى فقد أنعم : ( ... فإذا هو قد حمد الله ، وأثنى عليه يخبران الله عز وجل وهو أعلم ، فيقول الله جل وعلا : لِعَبْدي - اسمع وعُد إلى الله - لِعَبْدي إن توفيته أن أدخله الجنة - إن مات بهذا المرض أدخله الجنة ، يحمد الله على هذا المرض ، ويصبر ، ويحتسب الأجر ، لو مات في هذا المرض يدخل الجنة - قال : وإن شفيته له علي أن أبدله لحماً خيراً من لحمه ، ودماً خيراً من دمه ، وأن أكفر عنه سيئاته ) هل لك بعد هذا الأجر من أجر ؟! مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ[ الحديد:22] .......
كل شيء بقضاء الله وقدره :
مما يسلي المبتلى والمصاب ، أن يعلم أن كل شيء بقدر الله عز وجل : ( واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رُفِعت الأقلام وجفت الصحف ) قال الشافعي :
دع الأيام تفعل ما تشاء ** وطب نفساً إذا حكم القضاء
انظر القوة في الإيمان ! يعرفون حقيقة الدنيا ، إنها دار بلاء ، دار محن ، دار مصائب ، دار كرب .
دع الأيام تفعل ما تشاء ** وطب نفساً إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي ** فما لحوادث الدنيا بقاء
ومن نزلت بساحته المنايا ** فلا أرضٌ تقيه ولا سماء
وأرض الله واسعة ولكن ** إذا نزل القضا ضاق الفضاء
نعم ، علموا حقيقة الدنيا .......
أقوال وقصص في فضل البلاء :
يبتلي الله العبد وهو يحبه ليسمع تضرعه :
اسمع يا عبد الله إلى بعض الأقوال المأثورة في فضل البلاء ، تقول : لم يبتليني الرب جل وعلا ؟ ولم يُنزل علي هذه المصيبة ؟ ولم يعاقبني الرب جل وعلا ؟ اسمع ماذا يقول بعض العلماء !
يقولون : إن الله يبتلي العبد وهو يحبه - أتعرف لِمَا ؟- ليسمع تضرعه ، يحب الله جل وعلا أن يسمع تضرع العبد إليه سبحانه وتعالى .
هل فكرت قبل أن تطرق الأبواب ، وقبل أن تستغيث بالناس ، وقبل أن تلجأ إليهم أن تفر إلى الرب الغفور الرحيم ، أن تلجأ إلى ذي الجلال والإكرام ، قيل : البلاء يَسْتَخْرِج الدعاء ، تجد الرجل لا يذكر ربه ، لا يدعو الله، لا يقوم الليل ، لا يقرأ القرآن ، لا يتصدق ، لا يفعل شيئاً ، فإذا نزل البلاء اسْتُخْرِجَ هذا كله ، فدمعت عينه ، ورفع يديه ، خشع قلبه ، سكنت نفسه ، وتاب إلى الله .
قصة رجل شل جسمه :
قيل لأحد العُبَّاد : كيف كانت توبتك ؟ - وهو لبيد العابد - قيل له : كيف كانت توبتك ؟ -اسمع كيف تاب إلى الله جل وعلا هذا الرجل ! - يقول : لدغتني حية - ثعبان - فلم أحس بالألم وبعد فترة لم أشعر بيدي - شُلَّت يده اليمنى - يقول : وبعد أيام شُلَّت يدي الأخرى ، وأنا ما أدري ما الذي أصنع وما الذي أفعل ، يقول : ومرت الأيام فشُلَّت إحدى رجلَي ثم الأخرى ، فطُرِحْت على الفراش ، لا أستطيع أن أحرك جسمي كله ، يقول : ومرت الأيام فعمي بصري ، وطال علي الأمر ، فتوقف لساني عن الكلام - هل بقي فيه شيء ؟ - يقول : لم يبقِ الله عز وجل إلا سمعي ، أسمع ما يسوءني وأنا على الفراش ، عندي زوجة ، يسقوني وأنا غير عطشان ، وأعطش فلا أرتوي ، وآكل وأنا شبعان ، وأجوع فلا أُطْعَم ، وأُكْسَى وأنا كذا ،
يقول : وهكذا ، أذوق الويل والمر والألم ، يقول : حتى جاء يومٌ من الأيام فجاءت جارة لنا -يسمع كل كلام حوله ، ولا يرى ، ولا يستطيع أن ينطق ولا يتحرك - يقول : جاءت جارة لنا ، فسألت زوجتي : كيف حال زوجك ؟ فقالت الزوجة قالت : لا حيٌ فيُرجى ، ولا ميتٌ فيُنسى ،
يقول : فتألمت من هذه الكلمات حتى انهمرت دموعي وأنا أبكي على الفراش ، يقول : فلما جاء آخر الليل دعوت الله جل وعلا ، واجتهدت بالدعاء وأنا أبكي وأستغيث بالله ، وأتوسل إلى الله ، فجاءني ألم شديد في جسمي فأنهكني الألم ، حتى أغمي علي ، يقول : وبعد ساعات استيقظت من النوم فوجدت يدي على صدري ، يقول : فحركتها ، فإذا هي تتحرك ، ويدي الأخرى تتحرك ، ورجلاي يقول : فقمت على جسدي ، وأنا أتكلم ، ففتحت الباب فنظرت إلى النجوم ، وأنا أقول : يا قديم الإحسان لك الحمد ، يا قديم الإحسان لك الحمد ، وأنا ألتفت إلى مَن حولي وأقول : لربي الحمد ، لربي الحمد : أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:
62] الكافر إذا اضطر استجاب الله له ، الكافر إذا ضاقت عليه الأمور ، وأخلص الدعاء ، استجاب الله له ، كيف بالمؤمن ! أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62] .
يقول لي المسكين : قال لي الطبيب : مرضك لا شفاء له ، قلت له : كذب الطبيب ، فما من داء إلا أنزل الله له دواء ، عَلِمَه مَن عَلِمَه ، وجَهِلَه مَن جَهِلَه ، ولكن هل طرقْتَ باب الله ؟ وهل استغثت بالله ؟ وهل جربت الدعاء من القلب ؟
قصة المرأة التي كانت تصرع وتتكشف :
امرأة أصيبت بالصرع، فتأتي إلى الرسول فتقول له : ( يا رسول الله ! ادعُ الله لي ، قال : إن شئتِ دعوتُ الله لك ، وإن شئتِ صبرتِ ولك الجنة ، قالت : بل أصبر ) إذا كان الأمر فيه جنة سأصبر : وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [ البقرة:155-156] .
النبي صلى الله عليه وسلم وهجرته إلى الطائف :
أوجه هذا الحديث إلى كل من خسر ماله ، إلى كل من فقد الدنيا ، إلى كل من أصيب بمصيبة ، إلى الدعاة إلى الله ، إلى الصالحين المصلحين ، إلى من أوذي في الله ، إلى من أوذي لأنه متمسكٌ بسنة رسول الله ، إلى كل محجبة يُستهزأ بها ، ولأنها ملتزمة يُفتَرى عليها ، أوجه هذا الحديث .
أقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام هو أشد من أوذي ، وأكثر من أصيب . يَخْرج من مكة إلى الطائف . ولِمَ خرج من مكة مهاجراً إلى الطائف ؟ لأنه في مكة ضُرب ، وشتم ، واتُّهم بعقله حتى قيل : سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [الذاريات:52] .
في مكة كان يسجد فيُؤتى بسلى الجزور فيوضع على ظهره . في مكة خُنِق حتى كاد يُقتل عليه الصلاة والسلام . في مكة أصيب بالجوع حتى تمر عليه الثلاثون ليلة لا يجد ما يأكل إلا ما يواريه بلال تحت إبطه . هكذا أصيب عليه الصلاة والسلام .
خرج إلى الطائف ما الذي حصل له ؟ رمي بالحجارة ، وتُبِع بالعبيد ، والصبيان ، والأطفال ، والسفهاء ، يركضون خلف خير مَن وطئت قدمُه الثرى ، خلف خير إنسانٍ على وجه الأرض ، يرمونه بالحجارة ، دَمَعَت عينه ، انطلق وهو مهمومٌ على وجهه ، رفع يديه إلى الله وهو يقول ولسان حال كل داعية إلى الله مهموم ، كل داعية إلى الله مكلوم ، كل داعية إلى الله مبتلى ، لسان حاله يقول : ( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الرحمين ، يا رب المستضعفين ، إلى مَن تكلني ؟ إلى قريبٍ يتجهمني ؟ أم إلى عدوٍ ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي ؛ لكن عافيتك أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن ينزل بي غضبك ، أو يحل عليَّ سَخَطُك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك ) .
يا أخي الكريم ! يا أخي العزيز ! يا من ابتُلي ! يا من ظُلم ! يا من قُهر ! يا من استهزئ به ! اسمع يا أخي الكريم إلى هذا الشاعر ماذا يقول وهو يرى حال المسلمين ! وكأنه يصف حالنا ، المسلمون في الدنيا إما حروبٌ قاتلة ، أو جوعٌ طاحن ، أو مرضٌ متفشٍ ، أو جهلٌ قابع ، هذه حال المسلمين إلا مَن رحم الله ، اسمع ماذا يقول !
لكل شيء إذا ما تم نقصان ** فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأيام كما شاهدتها دولاً ** من سره زمن ساءته أزمان
وتلك دار لا تبقي على أحد ** ولا يدوم على حال لها شان
أما سمعت أن زكريا قُتِل ، ويحيى ذُبِح ، ويوسف سُجِن ، وسار على هذا الطريق الأولون ، فهل أنت بعيدٌ عنهم ؟!
لقد حفت الجنة بالمكاره . سُب الرسول حتى قيل له : ساحرٌ مجنون ، عليه الصلاة والسلام ، قال الله جل وعلا : كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [الذاريات:52]
أخْرِجْ لي رسولاً ما قيل له : ساحرٌ أو مجنون ، وهم أعقل الناس ، وأفضلهم ، وأشرفهم مكانة ، قال الله : أَتَوَاصَوْا بِهِ [الذاريات:53] هل يوصي بعضهم بعضاً؟ بل السب والشتم والطعن ، حتى الطعن في العرض وصل إلى النبي صل الله عليه وسلم ، تُكِلِّم في عرضه ، والإفك العظيم والإفك الكبير يفنده الله في القرآن إلى قيام الساعة ، وكأنها سنة كونية أن يرسلوا الكذب حول المصلحين ، فإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام يقف صامداً ثابتاً وكأن الله عز وجل يقول له : وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النحل:127] بل موعد هؤلاء وهؤلاء يوم اللقاء ، يوم يجمعهم الله جميعاً ، المؤمنون الصالحون الدعاة مع المنافقين ، يجمعهم الله جل وعلا يوم القيامة ، فإذا بالرب جل وعلا يقول لهم : إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً [المؤمنون:109-110]
أتذكرون لما كنتم تسخرون منهم ، ومن أعمالهم ، ودعوتهم ، وسنة نبيهم ، بل من مصحفهم ؟! أتذكرون ؟! فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا [المؤمنون:110-111] .
الصبر .. الصبر .. أيها الداعية : لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ [الروم:60]
اصبر .. كن حكيماً ، كن حليماً ، فإن هذا الطريق لا يَثْبُت عليه إلا الصابرون .
baza2- عضو نشيط
-
عدد المساهمات : 216
التقييم : 0
احترام قوانين المنتدى :
رد: وبشر الصابرين للشيخ نبيل العوضي
تسلم الايادي يا غالي على الموضوع الهام والمفيد
وفي انتضار كل جديدك
تحياتي لقلمك
عينيا دوت كوم- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 17395
التقييم : 2
احترام قوانين المنتدى :
رد: وبشر الصابرين للشيخ نبيل العوضي
بارك الله فيك
Pro Gaming Network- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 1080
التقييم : 0
العمر : 20
احترام قوانين المنتدى :
رد: وبشر الصابرين للشيخ نبيل العوضي
تسسسسسلم ما قصرت جععله في ميزان حسناتك تقبل مروري البسيط
دمت لنا ودامت مواضيعك
دمت لنا ودامت مواضيعك
Mr.Mohammed- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 3073
التقييم : 1
احترام قوانين المنتدى :
مواضيع مماثلة
» فضل قيام الليل - نبيل العوضي
» نبيل العوضي- معاناة المسلمين في بورما (يقطّع القلوب)
» موعظه نبيل العوضي بين القبور
» 3 قصة ادريس و نوح عليهما السلام نبيل العوضي
» عمر بن عبدالعزيز نبيل العوضي قصة أكثر من رائعة
» نبيل العوضي- معاناة المسلمين في بورما (يقطّع القلوب)
» موعظه نبيل العوضي بين القبور
» 3 قصة ادريس و نوح عليهما السلام نبيل العوضي
» عمر بن عبدالعزيز نبيل العوضي قصة أكثر من رائعة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى