ايهما أصح التاريخ الهجري أم الميلادي ؟
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
ايهما أصح التاريخ الهجري أم الميلادي ؟
. . . . . . . .
نشأة التأريخ الميلادي:
كان التأريخ معروفاً عند الرومان منذ (750) قبل ميلاد المسيح عليه السلام(12) ، وكان هذا التقويم قمرياً تتألف السنة فيه من عشرة شهور فقط حتى جاء ملك روما (توما الثاني 716-673ق.م) الذي أضاف شهري يناير وفبراير وأصبحت السنة تتألف من 355 يوماً. ومع مرور الأيام تغيرت الفصول المناخية عن مكانها تغيراً كبيراً، وفي سنة (46) قبل الميلاد استدعى الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر الفلكي المنجم المصري سوريجين من الإسكندرية طالباً منه وضع تأريخ حسابي، يعتمد عليه، ويؤرخ به، فاستجاب الفلكي المصري ووضع تأريخاً مستنداً إلى السنة الشمسية.
وبالتالي تحول الرومانيون من العمل بالتقويم القمري إلى التقويم الشمسي وسمي هذا التأريخ بالتأريخ اليولياني نسبة إلى الإمبراطور يوليوس قيصر، وبقي هذا التأريخ معمولاً به في أوروبا وبعض الأمم الأخرى قبل وبعد ميلاد المسيح عيسى – عليه السلام-.
واستمر النصارى على العمل بالتقويم الشمسي دون ربطه بالتأريخ الميلادي حتى القرن السادس أو القرن الثامن من ميلاد المسيح – عليه السلام – حيث تم الحساب ورجع بالتقويم الشمسي لتكون بدايته التأريخ النصراني من أول السنة الميلادية، نسبة إلى ميلاد المسيح عيسى – عليه السلام – وأن تكون بداية هذا التأريخ 1-يناير-1 ميلادي وهو يوم ختان المسيح – عليه السلام – كما يقولون؛ حيث إن ميلاده – عليه السلام – كما يقال كان في 25 ديسمبر (كانون الأول) وعندها عرف هذا التأريخ بالتأريخ الميلادي.
ونخلص من هذا بأن الميلاد الحقيقي للمسيح – عليه السلام – سابق لبدء التأريخ الميلادي بقرون عديدة؛ لذا ينبغي التمييز بين التأريخ الميلادي، وميلاد المسيح – عليه السلام – لأن اصطلاح قبل الميلاد أو بعده تأريخياً لا يشير بدقة إلى ميلاد المسيح – عليه السلام – فعلياً(13).
وقد استمر العمل بهذا التأريخ إلى عهد بابا النصارى (جوريجوري الثالث عشر) الذي قام بإجراء تعديلات على التأريخ اليولياني لتلافي الخطأ الواقع فيه وهو عدم مطابقة السنة الحسابية على السنة الفعلية للشمس مما أدى إلى وجود فرق سنوي قدره إحدى عشرة دقيقة بين الحساب والواقع الفعلي فقام البابا بإصلاح هذا الفرق وسمي هذا التعديل بالتأريخ الجوريجوري وانتشر العمل به في غالب الدول النصرانية(14).
ومن الملاحظ أن الكنيسة كانت تتحكم بالتأريخ الميلادي في أرجاء الإمبراطورية الرومانية مما يعني انطباعاً بالاهتمام الديني النصراني بموضوع التأريخ. والتأريخ الميلادي حالياً هو التأريخ الجوريجوري غير أن بعض الفلكيين يرون أنه سيحتاج قطعاً يوماً من الأيام إلى تعديل، إذا كان الهدف هو المحافظة على انطباق السنة الشمسية على الفصول الأربعة(15).
وبناءً على ما تقدم فإن التاريخ الميلادي في الأصل كان رومانياً، عدله بعض الملوك والرهبان النصارى ونسبوه لميلاد المسيح عليه السلام نسبة جزافية بعد ميلاده عليه السلام بستة أو ثمانية قرون تقريباً،وقد أقر بعض الباحثين النصارى بخطأ هذه النسبة(16).
وبالنسبة للأشهر الميلادية التي تتكون منها هذه السنة فإنها في الأصل تعود لتمجيد التأريخ الشمسي الميلادي لاثني عشر إلهاً مزعوماً من آلهة الرومان الأسطورية، كما تعود أيضاً إلى تمجيد قائدين من قواد الرومان وهما يوليوس قيصر الذي أطلق اسمه على الشهر السابع باسم “يوليو” وأغسطس الذي أطلق اسمه على الشهر الثامن (أغسطس)، ولقد قام مجلس الشيوخ في عهده بتعديل أيام الشهر إلى واحد وثلاثين يوماً بدلاً من ثلاثين يوماً؛ لأنه أحرز في هذا الشهر أعظم انتصاراته وكذا يوليو.
بعد هذا يتضح لنا أن التأريخ الميلادي نتاج عمل بشري خالص مولود في بيئة رومانية، وحضانة نصرانية، ونشأ برعاية القياصرة وتعديلات البابوات والرهبان ولم يعرف إلا بعد ميلاد المسيح – عليه السلام – بقرون متعددة ولم يُبْن على مولده بيقين.
نشأة التأريخ الهجري:
كان العرب قبل الإسلام يستخدمون التقويم القمري ويتعاملون مع الأشهر القمرية ويؤرخون بأبرز الأحداث. ولما هاجر المسلمون إلى المدينة وأصبح لهم كيانهم المستقل أصبحوا يطلقون على كل سنة من السنوات اسماً خاصاً بها فكانت السنة الأولى تسمى بسنة الإذن والسنة الثانية كانت تسمى سنة الأمر والسنة الثالثة سنة التمحيص، والسنة الرابعة تسمى سنة الترفئة والسنة الخامسة تسمى سنة الزلزال والسنة السادسة تسمى سنة الاستئناس والسنة السابعة تسمى سنة الاستغلاب، والسنة الثامنة تسمى سنة الاستواء والسنة التاسعة تسمى سنة البراءة والسنة العاشرة تسمى سنة الوداع(17).
وأخرج ابن عساكر بسنده عن أبي سلمة عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخ التاريخ حين قدم المدينة في شهر ربيع الأول قال ابن عساكر: كذا في هذه الرواية وهي مرسلة وأخرج أيضاً: (عن أبي سلمة عن ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتاريخ يوم قدم المدينة في شهر ربيع(18).
قال ابن حجر: وهذا معضل والمشهور خلافه وأن ذلك في خلافة عمر رضي الله عنه(19)
ولا أعلم إسناداً صحيحاً في هذا الباب واستنبط بعض العلماء من قول الله تعالى: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) (التوبة: من الآية108)، وأنه ليس أول الأيام كلها ولا إضافة إلى شيء في اللفظ الظاهر فتعين أنه أضيف إلى شيء مضمر. وفيه من فقه صحة ما اتفق عليه الصحابة مع عمر حين شاورهم في التأريخ فاتفق رأيهم أن يكون التأريخ من عام الهجرة.. فوافق رأيهم هذا ظاهر التنزيل وفهمنا الآن بفعلهم أن قوله سبحانه: (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) أن ذلك اليوم هو أول أيام التأريخ الذي يؤرخ به الآن.
أما كيف توصلوا إلى هذا التاريخ فقد وردت روايات عديدة تدل على أن التأريخ الهجري بدئ العمل به في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بمشورة، ثم اتفاق من الصحابة – رضي الله عنهم -.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: “اتفق الصحابة رضي الله عنهم في سنة ست عشرة وقيل سبع عشرة أو ثماني عشرة في الدول العمرية على جعل ابتداء التأريخ الإسلامي من سنة الهجرة وذلك أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه رفع إليه صك، أي حجة، لرجل آخر، وفيه أنه يحل عليه في شعبان.
فقال عمر: أي شعبان؟ أشعبان هذه السنة التي نحن فيها، أو السنة الماضية أو الآتية؟ ثم جمع الصحابة، فاستشارهم في وضع تأريخ يتعرفون به حلول الديون وغير ذلك، فقال قائل: أرِّخُوا كتأريخ الفرس فكره ذلك، وكانت الفرس يؤرخون بملوكهم واحداً بعد واحد. وقال قائل: أرخوا بتأريخ الروم، وكانوا يؤرخون بملك إسكندر بن فيلبس المقدوني، فكره ذلك. وقال آخرون: أرخوا بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال آخرون: بل بمبعثه. وقال آخرون: بل بهجرته. وقال آخرون: بل بوفاته – عليه الصلاة والسلام – فمال عمر رضي الله تعالى عنه إلى التأريخ بالهجرة، لظهوره واشتهاره واتفقوا معه على ذلك… إلى أن قال: وقال الواقدي: حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه قال: استشار عمر في التأريخ فأجمعوا على الهجرة.
وقال أبو داود الطيالسي عن قرة بن خالد السدوسي عن محمد بن سيرين قال: قام رجل إلى عمر – رضي الله عنه – فقال: أرخوا. فقال: وما أرخوا؟ فقال: شيء تفعله الأعاجم يكتبون في شهر كذا من سنة كذا. فقال عمر: حسن فأرخوا، فقالوا: من أي السنين نبدأ؟ فقالوا: من مبعثه. وقالوا: من وفاته. ثم أجمعوا على الهجرة. ثم قالوا: وأي الشهور نبدأ؟ فقالوا: رمضان. ثم قالوا: المحرم؛ فهو منصرف الناس من حجهم وهو شهر حرام فاجتمعوا على المحرم… ثم قال بعد ذلك ابن كثير – رحمه الله تعالى -: والمقصود أنهم جعلوا ابتداء التاريخ الإسلامي من سنة الهجرة وجعلوا أولها من المحرم فيما اشتهر عنهم وهذا هو قول جمهور العلماء(20).
ونخلص من ذلك أن اختيار التاريخ الهجري تم بإجماع منهم رضوان الله تعالى عنهم، والإجماع حجة قاطعة وأيضاً هذا يدل على أنهم كانوا يستخدمون التقويم القمري بدليل أنهم يتحدثون عن شهر شعبان وأيضاً هذا التاريخ لم يكن لعباداتهم فقط بل لجميع أمور دنياهم ويجعلونه رمزاً إسلامياً ولا يمكن الفصل بين التقويم القمري والتاريخ الهجري المرتبط به، والفصل بينهما مخالف لما أجمع عليه الصحابة كما أنه يوقع في المحاذير المخلة بالعبادات والمعاملات وبناء على ما تقدم نعرف نشأة التأريخ الهجري وكيف تم الاتفاق عليه وكونه شعاراً للأمة الإسلامية في مقابل شعارات الأمم المخالفة وأن الإعراض عنه إعراض عما أجمع عليه الصحابة.
حكم استخدام التأريخ الهجري والميلادي:
أولا: الحديث عن التأريخ الهجري يقتضي تأصيل الحكم الشرعي للتقويم القمري فنقول: دلت النصوص الشرعية على وجوب الأخذ بالتقويم القمري المتمثل بالتأريخ الهجري ومن ذلك قوله تعالى:
1 – (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) (البقرة: من الآية189).
وجه الدلالة:
أن الله جعل الهلال علامة على بداية الشهر ونهايته، فبطلوع الهلال يبدأ شهر وينتهي آخر فتكون الأهلة بمعنى المواقيت وهذا يدل على أن الشهر قمري لارتباطه بالأهلة وهي منازل القمر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
“فأخبر أنها مواقيت للناس وهذا عام في جميع أمورهم، فجعل الله الأهلة مواقيت للناس في الأحكام الثابتة بالشرع، ابتداء أو سبباً من العبادة وللأحكام التي ثبتت بشروط العبد، فما ثبت من الموقتات بشرع أو شرط فالهلال ميقات له، وهذا يدخل فيه، الصيام، والحج، ومدة الإيلاء والعدة…
2 – قوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) (التوبة: من الآية36).
وجه الدلالة:
أن الله وصف التوقيت بالهلال وأن الشهور القمرية إذا بلغت هذا الرقم سميت سنة وهذا معنى عدة الشهور.
وقال الفخر الرازي:
قال أهل العلم: الواجب على المسلمين بحكم هذه الآية أن يعتبروا في بيوعهم ومدد ديونهم وأحوال زكاتهم وسائر أحكامهم بالأهلة، لا يجوز لهم اعتبار السنة العجمية والرومية(21).
وذكر رحمه الله أن الشهور المعتبرة في الشريعة مبناها على رؤية الهلال، والسنة المعتبرة في الشريعة هي السنة القمرية(22).
3 – قال صلى الله عليه وسلم: “إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له”(23).
وجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل انتهاء شهر شعبان ودخول رمضان برؤية الهلال ويقاس عليها بقية الأشهر.
ومؤدى هذه النصوص الشرعية صريح أن المعول عليه والمعتبر هو التقويم القمري مما يؤكد وجوب التمسك به دون غيره من التقاويم وهو يتفق مع أحوال الناس لكونه صالحاً للجميع ليسره وسهولة مخاطبته لجميع الأطراف، ولقد اتفق عليه السلف الأول من الصحابة والتابعين كما مر معنا وأصبح العمل عليه.
. . . . . . . .
نشأة التأريخ الميلادي:
كان التأريخ معروفاً عند الرومان منذ (750) قبل ميلاد المسيح عليه السلام(12) ، وكان هذا التقويم قمرياً تتألف السنة فيه من عشرة شهور فقط حتى جاء ملك روما (توما الثاني 716-673ق.م) الذي أضاف شهري يناير وفبراير وأصبحت السنة تتألف من 355 يوماً. ومع مرور الأيام تغيرت الفصول المناخية عن مكانها تغيراً كبيراً، وفي سنة (46) قبل الميلاد استدعى الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر الفلكي المنجم المصري سوريجين من الإسكندرية طالباً منه وضع تأريخ حسابي، يعتمد عليه، ويؤرخ به، فاستجاب الفلكي المصري ووضع تأريخاً مستنداً إلى السنة الشمسية.
وبالتالي تحول الرومانيون من العمل بالتقويم القمري إلى التقويم الشمسي وسمي هذا التأريخ بالتأريخ اليولياني نسبة إلى الإمبراطور يوليوس قيصر، وبقي هذا التأريخ معمولاً به في أوروبا وبعض الأمم الأخرى قبل وبعد ميلاد المسيح عيسى – عليه السلام-.
واستمر النصارى على العمل بالتقويم الشمسي دون ربطه بالتأريخ الميلادي حتى القرن السادس أو القرن الثامن من ميلاد المسيح – عليه السلام – حيث تم الحساب ورجع بالتقويم الشمسي لتكون بدايته التأريخ النصراني من أول السنة الميلادية، نسبة إلى ميلاد المسيح عيسى – عليه السلام – وأن تكون بداية هذا التأريخ 1-يناير-1 ميلادي وهو يوم ختان المسيح – عليه السلام – كما يقولون؛ حيث إن ميلاده – عليه السلام – كما يقال كان في 25 ديسمبر (كانون الأول) وعندها عرف هذا التأريخ بالتأريخ الميلادي.
ونخلص من هذا بأن الميلاد الحقيقي للمسيح – عليه السلام – سابق لبدء التأريخ الميلادي بقرون عديدة؛ لذا ينبغي التمييز بين التأريخ الميلادي، وميلاد المسيح – عليه السلام – لأن اصطلاح قبل الميلاد أو بعده تأريخياً لا يشير بدقة إلى ميلاد المسيح – عليه السلام – فعلياً(13).
وقد استمر العمل بهذا التأريخ إلى عهد بابا النصارى (جوريجوري الثالث عشر) الذي قام بإجراء تعديلات على التأريخ اليولياني لتلافي الخطأ الواقع فيه وهو عدم مطابقة السنة الحسابية على السنة الفعلية للشمس مما أدى إلى وجود فرق سنوي قدره إحدى عشرة دقيقة بين الحساب والواقع الفعلي فقام البابا بإصلاح هذا الفرق وسمي هذا التعديل بالتأريخ الجوريجوري وانتشر العمل به في غالب الدول النصرانية(14).
ومن الملاحظ أن الكنيسة كانت تتحكم بالتأريخ الميلادي في أرجاء الإمبراطورية الرومانية مما يعني انطباعاً بالاهتمام الديني النصراني بموضوع التأريخ. والتأريخ الميلادي حالياً هو التأريخ الجوريجوري غير أن بعض الفلكيين يرون أنه سيحتاج قطعاً يوماً من الأيام إلى تعديل، إذا كان الهدف هو المحافظة على انطباق السنة الشمسية على الفصول الأربعة(15).
وبناءً على ما تقدم فإن التاريخ الميلادي في الأصل كان رومانياً، عدله بعض الملوك والرهبان النصارى ونسبوه لميلاد المسيح عليه السلام نسبة جزافية بعد ميلاده عليه السلام بستة أو ثمانية قرون تقريباً،وقد أقر بعض الباحثين النصارى بخطأ هذه النسبة(16).
وبالنسبة للأشهر الميلادية التي تتكون منها هذه السنة فإنها في الأصل تعود لتمجيد التأريخ الشمسي الميلادي لاثني عشر إلهاً مزعوماً من آلهة الرومان الأسطورية، كما تعود أيضاً إلى تمجيد قائدين من قواد الرومان وهما يوليوس قيصر الذي أطلق اسمه على الشهر السابع باسم “يوليو” وأغسطس الذي أطلق اسمه على الشهر الثامن (أغسطس)، ولقد قام مجلس الشيوخ في عهده بتعديل أيام الشهر إلى واحد وثلاثين يوماً بدلاً من ثلاثين يوماً؛ لأنه أحرز في هذا الشهر أعظم انتصاراته وكذا يوليو.
بعد هذا يتضح لنا أن التأريخ الميلادي نتاج عمل بشري خالص مولود في بيئة رومانية، وحضانة نصرانية، ونشأ برعاية القياصرة وتعديلات البابوات والرهبان ولم يعرف إلا بعد ميلاد المسيح – عليه السلام – بقرون متعددة ولم يُبْن على مولده بيقين.
نشأة التأريخ الهجري:
كان العرب قبل الإسلام يستخدمون التقويم القمري ويتعاملون مع الأشهر القمرية ويؤرخون بأبرز الأحداث. ولما هاجر المسلمون إلى المدينة وأصبح لهم كيانهم المستقل أصبحوا يطلقون على كل سنة من السنوات اسماً خاصاً بها فكانت السنة الأولى تسمى بسنة الإذن والسنة الثانية كانت تسمى سنة الأمر والسنة الثالثة سنة التمحيص، والسنة الرابعة تسمى سنة الترفئة والسنة الخامسة تسمى سنة الزلزال والسنة السادسة تسمى سنة الاستئناس والسنة السابعة تسمى سنة الاستغلاب، والسنة الثامنة تسمى سنة الاستواء والسنة التاسعة تسمى سنة البراءة والسنة العاشرة تسمى سنة الوداع(17).
وأخرج ابن عساكر بسنده عن أبي سلمة عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخ التاريخ حين قدم المدينة في شهر ربيع الأول قال ابن عساكر: كذا في هذه الرواية وهي مرسلة وأخرج أيضاً: (عن أبي سلمة عن ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتاريخ يوم قدم المدينة في شهر ربيع(18).
قال ابن حجر: وهذا معضل والمشهور خلافه وأن ذلك في خلافة عمر رضي الله عنه(19)
ولا أعلم إسناداً صحيحاً في هذا الباب واستنبط بعض العلماء من قول الله تعالى: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) (التوبة: من الآية108)، وأنه ليس أول الأيام كلها ولا إضافة إلى شيء في اللفظ الظاهر فتعين أنه أضيف إلى شيء مضمر. وفيه من فقه صحة ما اتفق عليه الصحابة مع عمر حين شاورهم في التأريخ فاتفق رأيهم أن يكون التأريخ من عام الهجرة.. فوافق رأيهم هذا ظاهر التنزيل وفهمنا الآن بفعلهم أن قوله سبحانه: (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) أن ذلك اليوم هو أول أيام التأريخ الذي يؤرخ به الآن.
أما كيف توصلوا إلى هذا التاريخ فقد وردت روايات عديدة تدل على أن التأريخ الهجري بدئ العمل به في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بمشورة، ثم اتفاق من الصحابة – رضي الله عنهم -.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: “اتفق الصحابة رضي الله عنهم في سنة ست عشرة وقيل سبع عشرة أو ثماني عشرة في الدول العمرية على جعل ابتداء التأريخ الإسلامي من سنة الهجرة وذلك أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه رفع إليه صك، أي حجة، لرجل آخر، وفيه أنه يحل عليه في شعبان.
فقال عمر: أي شعبان؟ أشعبان هذه السنة التي نحن فيها، أو السنة الماضية أو الآتية؟ ثم جمع الصحابة، فاستشارهم في وضع تأريخ يتعرفون به حلول الديون وغير ذلك، فقال قائل: أرِّخُوا كتأريخ الفرس فكره ذلك، وكانت الفرس يؤرخون بملوكهم واحداً بعد واحد. وقال قائل: أرخوا بتأريخ الروم، وكانوا يؤرخون بملك إسكندر بن فيلبس المقدوني، فكره ذلك. وقال آخرون: أرخوا بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال آخرون: بل بمبعثه. وقال آخرون: بل بهجرته. وقال آخرون: بل بوفاته – عليه الصلاة والسلام – فمال عمر رضي الله تعالى عنه إلى التأريخ بالهجرة، لظهوره واشتهاره واتفقوا معه على ذلك… إلى أن قال: وقال الواقدي: حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه قال: استشار عمر في التأريخ فأجمعوا على الهجرة.
وقال أبو داود الطيالسي عن قرة بن خالد السدوسي عن محمد بن سيرين قال: قام رجل إلى عمر – رضي الله عنه – فقال: أرخوا. فقال: وما أرخوا؟ فقال: شيء تفعله الأعاجم يكتبون في شهر كذا من سنة كذا. فقال عمر: حسن فأرخوا، فقالوا: من أي السنين نبدأ؟ فقالوا: من مبعثه. وقالوا: من وفاته. ثم أجمعوا على الهجرة. ثم قالوا: وأي الشهور نبدأ؟ فقالوا: رمضان. ثم قالوا: المحرم؛ فهو منصرف الناس من حجهم وهو شهر حرام فاجتمعوا على المحرم… ثم قال بعد ذلك ابن كثير – رحمه الله تعالى -: والمقصود أنهم جعلوا ابتداء التاريخ الإسلامي من سنة الهجرة وجعلوا أولها من المحرم فيما اشتهر عنهم وهذا هو قول جمهور العلماء(20).
ونخلص من ذلك أن اختيار التاريخ الهجري تم بإجماع منهم رضوان الله تعالى عنهم، والإجماع حجة قاطعة وأيضاً هذا يدل على أنهم كانوا يستخدمون التقويم القمري بدليل أنهم يتحدثون عن شهر شعبان وأيضاً هذا التاريخ لم يكن لعباداتهم فقط بل لجميع أمور دنياهم ويجعلونه رمزاً إسلامياً ولا يمكن الفصل بين التقويم القمري والتاريخ الهجري المرتبط به، والفصل بينهما مخالف لما أجمع عليه الصحابة كما أنه يوقع في المحاذير المخلة بالعبادات والمعاملات وبناء على ما تقدم نعرف نشأة التأريخ الهجري وكيف تم الاتفاق عليه وكونه شعاراً للأمة الإسلامية في مقابل شعارات الأمم المخالفة وأن الإعراض عنه إعراض عما أجمع عليه الصحابة.
حكم استخدام التأريخ الهجري والميلادي:
أولا: الحديث عن التأريخ الهجري يقتضي تأصيل الحكم الشرعي للتقويم القمري فنقول: دلت النصوص الشرعية على وجوب الأخذ بالتقويم القمري المتمثل بالتأريخ الهجري ومن ذلك قوله تعالى:
1 – (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) (البقرة: من الآية189).
وجه الدلالة:
أن الله جعل الهلال علامة على بداية الشهر ونهايته، فبطلوع الهلال يبدأ شهر وينتهي آخر فتكون الأهلة بمعنى المواقيت وهذا يدل على أن الشهر قمري لارتباطه بالأهلة وهي منازل القمر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
“فأخبر أنها مواقيت للناس وهذا عام في جميع أمورهم، فجعل الله الأهلة مواقيت للناس في الأحكام الثابتة بالشرع، ابتداء أو سبباً من العبادة وللأحكام التي ثبتت بشروط العبد، فما ثبت من الموقتات بشرع أو شرط فالهلال ميقات له، وهذا يدخل فيه، الصيام، والحج، ومدة الإيلاء والعدة…
2 – قوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) (التوبة: من الآية36).
وجه الدلالة:
أن الله وصف التوقيت بالهلال وأن الشهور القمرية إذا بلغت هذا الرقم سميت سنة وهذا معنى عدة الشهور.
وقال الفخر الرازي:
قال أهل العلم: الواجب على المسلمين بحكم هذه الآية أن يعتبروا في بيوعهم ومدد ديونهم وأحوال زكاتهم وسائر أحكامهم بالأهلة، لا يجوز لهم اعتبار السنة العجمية والرومية(21).
وذكر رحمه الله أن الشهور المعتبرة في الشريعة مبناها على رؤية الهلال، والسنة المعتبرة في الشريعة هي السنة القمرية(22).
3 – قال صلى الله عليه وسلم: “إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له”(23).
وجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل انتهاء شهر شعبان ودخول رمضان برؤية الهلال ويقاس عليها بقية الأشهر.
ومؤدى هذه النصوص الشرعية صريح أن المعول عليه والمعتبر هو التقويم القمري مما يؤكد وجوب التمسك به دون غيره من التقاويم وهو يتفق مع أحوال الناس لكونه صالحاً للجميع ليسره وسهولة مخاطبته لجميع الأطراف، ولقد اتفق عليه السلف الأول من الصحابة والتابعين كما مر معنا وأصبح العمل عليه.
. . . . . . . .
رد: ايهما أصح التاريخ الهجري أم الميلادي ؟
- الكود:
[color=olive]شكرا لك على الموضوع
جعله الله في ميزان حسن
وفقك الله[/color]
abd allh- عضو نشيط
- عدد المساهمات : 464
التقييم : 0
احترام قوانين المنتدى :
مواضيع مماثلة
» ما ينبغي أن يستقبل به المسلمون عامهم الهجري
» الدعوة الإسلامية بين التاريخ والمنهج
» التاريخ الاسلامي
» نساء لم ينسهن التاريخ
» أشهر صفعة في التاريخ
» الدعوة الإسلامية بين التاريخ والمنهج
» التاريخ الاسلامي
» نساء لم ينسهن التاريخ
» أشهر صفعة في التاريخ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى