الإيمان بالله
+5
Ramy Osman
MoSaB jOo
2MtLkNy 7ObK
سعد
Password
9 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الإيمان بالله
الإيمان بوجود الله تعالى:
المسلم يؤمن بأن وجود الله حقيقة لا ريب فيها، دلت عليها أدلة كثيرة منها: الفطرة، والعقل، والشرع، والحس والمشاهدة.
الفطرة تنطق بوجود الله:
كانت
الأمواج هادئة عندما ركب بعض الكفار في سفينة، وانطلقوا في البحر، وفي أول
الرحلة سخَّر الله لهم ريحًا طيبة جعلتهم يسيرون في البحر بسرعة، ففرحوا
بها، وفجأة هاجت الأمواج، واشتدت الرياح والعواصف فأصبحوا في مأزق عصيب،
عندئذ صاح هؤلاء الكفار بأعلى أصواتهم يدعون الله -عز وجل- ويلجئون إليه،
ويطلبون منه النجاة، قال تعالى: {هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا
كنتم في الفلك وجرينا بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم
الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن
أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين} [يونس:22] .
وهكذا فطرة البشر تلجأ
إلى الله -عز وجل-، وتظهر حقيقتها في وقت الشدة والكرب حتى وإن وجد عليها
الصدأ، وطُمِست شفافيتها في أوقات الغفلة واللهو والرخاء، ذلك لأن الله
-عز وجل- خلق الإنسان مفطورًا على الإسلام والإحساس بوجود الله، قال
تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل
لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الروم: 30]. قال
(: (ما من مولود إلا يولدُ على الفِطْرةِ فأبواه يُهوِّدانه (يجعلانه
يهوديًا)، أو ينصِّرانه (يجعلانه نصرانيًا)، أو يمجِّسَانه (يجعلانه
مجوسيًّا) [البخاري].
والمسلم يؤمن بوجود الله -عز وجل-، فهو يدرك ذلك
بفطرته التي وضعها الله فيه. وهناك أقوام لا يؤمنون بوحدانيَّة الله ولا
باليوم الآخر، ويرون أن الطبيعة خلقت نفسها، وقد جاء سبعة عشر رجلاً من
هؤلاء الزنادقة إلى الإمام
الشافعي -رحمه الله- وسألوه: ما الدليل على
وجود الله؟ فقال: ورق التوت طعمه واحد، تأكله الدودة فيخرج منها الإبريسم
(الحرير)، ويأكله النحل فيخرج منه العسل، وتأكله الشاة والبقر والأنعام
فتلقيه بعرًا وروثًا، فمن جعل هذه الأشياء مع أن الطعم واحد. فاستحسنوا
كلام الإمام وأسلموا على يديه.
ويروى أن بعض الزنادقة -أيضًا- جاءوا
إلى جعفر الصادق، فقال جعفر لأحدهم: هل ركبت البحر؟ قال: نعم. قال جعفر:
حدثني عن أغرب شيء حدث لك؟ قال الرجل: هاجت يومًا رياح هائلة، فكسرت
السفينة، وأغرقت الملاحين، فتعلقت أنا ببعض ألواحها، فإذا أنا مدفوع في
تلاطم الأمواج، وفُقد اللوح، ودُفعتُ إلى الساحل. فقال جعفر: قد كان
اعتمادك على السفينة والملاح ثم على اللوح حتى ينجيك. فلما ذهبت عنك هذه
الأشياء، هل أسلمت نفسك للهلاك أم كنت ترجو السلامة بعد؟
قال: بل رجوت
السلامة. قال جعفر: ممن كنت ترجوها؟ فسكت الرجل، فقال جعفر: إن الصانع
الذي كنت ترجوه في ذلك الوقت، هو الذي نجاك من الغرق. فاعترف الرجل بوجود
الله وأسلم على يديه.
دلالة العقل على وجود الله:
سأل بعض القدرية-
الذين ينفون قدرة الله، ويغالون في قدرة الإنسان- أبا حنيفة عن وجود الله
-عز وجل- فقال لهم: دعوني فإني مفكر في أمر أُخبرت عنه، ذكروا لي أن سفينة
في البحر مملوءة بالبضائع، وليس فيها أحد يحرسها أو يسوقها، ومع ذلك فإنها
تسير بنفسها، وتخترق الأمواج، وتسير حيث شاءت فماذا تقولون؟ قالوا: هذا
شيء لا يقبله العقل. فقال أبو حنيفة: يا سبحان الله، إذا لم يجر في العقل
سفينة تجري في البحر مستوية من غير متعهد ولا مجر، فكيف يجوز قيام هذه
الدنيا على اختلاف أحوالها، وسعة أطرافها، وتباين أكنافها من غير صانع
وحافظ؟! فبكوا جميعًا، وقالوا: صدقت وتابوا إلى الله، وحسن إسلامهم.
وقد
سُئِل أعرابي عن الدليل على وجود الله؟ فقال: البعرة تدل على البعير،
والروثة تدل على الحمير، وآثار الأقدام تدل على المسير، فسماء ذات أبراج،
وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟!
والمسلم
يدرك أن هذا الكون قد أبدعه خالق مبدع قدير. وقد سمع أحد الصحابة بعض آيات
من القرآن، فقال: كاد قلبي أن يطير، إنها قول الله تعالى: {أم خلقوا من
غير شيء أم هم الخالقون . أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون . أم
عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون} [الطور: 35-37].
دلالة الشرع على وجود الله:
والمسلم
يؤمن بأن جميع الكتب السماوية نطقت بأن الله موجود، والأحكام التي فيها
دلت على أنها من عند إله حكيم عليم. قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من
رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25].
وقال
تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله} [النحل: 36]. وقال:
{وإلى عاد أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا الله} [الأعراف: 65]. وقال:
{وإلى مدين أخاهم شعيبًا قال يا قوم اعبدوا الله} [الأعراف: 85] وقال:
{ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله} [المؤمنون: 23].
وقال: {وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه} [العنكبوت: 16].
دلالة المشاهدة على وجود الله:
والمسلم
يؤمن بكل ما يشاهده من نصر الله للمستغيثين والمكروبين، فالمؤمنون في غزوة
بدر عندما دعوا الله -عز وجل- وطلبوا منه النصر، استجاب الله دعاءهم،
وأيدهم بجنود من عنده يقاتلون معهم، قال تعالى: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب
لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} [الأنفال: 9].
وزكريا -عليه
السلام- دعا الله -عز وجل- أن يرزقه الذرية الصالحة، فاستجاب الله دعاءه
ووهب له يحيي -عليه السلام-، فبعد أن كانت زوجته عاقرًا لا تلد أصبحت
لديها القدرة على الحمل والولادة بإذن الله، قال تعالى: {وزكريا إذ نادي
ربه رب لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين . فاستجبنا له ووهبنا له يحيى
وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهبًا
وكانوا لنا خاشعين} [الأنبياء: 89-90] .
وفي عهد الرسول ( أصاب المدينة
جفاف وقحط، فقام أعرابي والرسول ( يخطب الجمعة، فقال: يا رسول الله، هلك
المال، وجاع العيال، فادع الله لنا.
فأخذ الرسول ( يدعو وهو رافع يديه،
فتجمع السحاب، ونزل المطر قبل أن يُنزل ( يديه، حتى إن المطر كان ينزل على
رسول الله (، ورأى الصحابة قطرات الماء تنزل من كفيه، وظلت السماء تمطر
طوال الأسبوع، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، تهدم البناء، وغرق المال،
فادع الله لنا، فرفع الرسول ( يديه يدعو الله، ويقول: (اللهم حوالينا، لا
علينا) فتوقف المطر. [متفق عليه].
معجزات الأنبياء دليل على وجود الله:
اجتمع
المشركون في مكة، وطلبوا من الرسول ( أن يشق لهم القمر نصفين، فقال لهم:
(إن فعلت تؤمنوا؟) قالوا: نعم. فأشار الرسول ( إلى القمر -وكان بدرًا-
فانفلق فلقتين، ورآه الناس. ولكن المشركين المعاندين رفضوا أن يستجيبوا
لنداء الحق، وأبوا أن يذعنوا لمعجزة الله، قال تعالى: {اقتربت الساعة
وانشق القمر} [القمر: 1].
والمعجزة تدل على وجود الله تعالى، لأنها أمر
خارج عن مقدرة البشر، يؤيد الله بها رسله وأنبياءه، ومن هذه المعجزات ما
أيَّد الله به نبيه موسى -عليه السلام- من معجزة العصا، فكان يضرب بها
الحجر فيخرج منه الماء، ويضرب بها الماء فيتجمد، ويتحول إلى أرض يابسة،
بإذن الله تعالى، قال تعالى: {فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا
عشرة عينًا} [البقرة: 60].
وبينما يوجد في كل شيء في هذا الكون دليل
على وجود الله تعالى، نجد الملحدين المنكرين لوجود الله ولا دليل من أي
نوع معهم ولا حجة في أيديهم. وفطرة الإنسان وعقله يدلان على وجود الله -عز
وجل- ويأتي الشرع ليؤكد هذه الدلالة، ويرشد الإنسان إلى أن خيره وسعادته
في توحيد الله.
الإيمان بوحدانية الله:
قسم العلماء توحيد الله إلى توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
1- توحيد الألوهية:
أحد..
أحد، إنها كلمات بلال التي يوحد بها ربه، عندما أرقده المشركون، وألقوا
على صدره حجرًا كبيرًا يكتم أنفاسه في صحراء مكة، على الرمال الملتهبة في
وقت الظهيرة. وهذا هو حال المسلم الحق، يوحد الله بأداء العبادة له وحده،
فهو سبحانه المعبود بحق، ولا معبود غيره، فنصلى له، ونزكي له، ولا نعبد
إلا إياه ولا نستعين إلا به، ولا نتوكل إلا عليه، فهو سبحانه المتصرف في
الكون المستحق للعبادة.
والمسلم يعلم أن ألوهية شيء آخر غير الله
باطلة، قال تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل
وأن الله هو العلي الكبير} [الحج: 62].
والنصارى ما عبدوا الله -عز
وجل-، ولكن عبدوا ثلاثة أقانيم (أي: الإله الأب، والإله الابن، وروح
القدس)، فقال عنهم الله تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة
وما من إله إلا إله واحد} [المائدة: 73].
والعرب وغيرهم اعترفوا لله
بالخلق، ولكنهم أشركوا مع الله غيره في العبادة، فقال عنهم الله -عز وجل-:
{وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}
[يوسف: 106].
بل إن البشرية
في أول ضلالها لم تمتنع عن عبادة الله، ولكنها عبدت الله، وعبدت معه آلهة
أخرى، وكانت حجتهم أنهم قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}
[الزمر:3]. فكان الردُّ: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون
مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من
ظهير . ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزغ عن قلوبهم قالوا
ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير} [سبأ: 22-23].
وتوحيد
الألوهية هو أول أمر دعا الرسل أقوامهم إليه. فكان أول ما يدعو النبي قومه
يقول لهم: {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} [هود: 84].
ولما بعث
الرسولُ ( معاذًا قاضيا على اليمن، قال له: (إِنَّكَ تَقْدُمُ على قومٍ من
أهل الكتاب، فليكن أوَّلَ ما تدعوهم إليه أن يوحِّدوا
اللهَ -تعالى-
فَإذا عَرَفُوا ذلك، فأخبِرْهُم أن الله فرض عليهم خمسَ صلوات في يومهم
وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن اللهَ افترضَ عليهم زكاةً تُؤْخَذُ منْ
غَنِيِّهم فتردُّ على فَقيرِهم، فإذا أقرُّوا ذلك، فخذْ منهم، وتوقَّ
-تجنب- كرائِمَ أموالِ النَّاس) [البخاري].
وتوحيد الله -عز وجل- حقيقة
يدركها العقل السليم، فالله -عز وجل- إله واحد ليس معه إله آخر، وهو رب كل
شيء ومليكه، ولا رب سواه، فماذا يحدث لو كان معه آلهة أخرى؟ هذه الآلهة لن
تخرج عن شيئين؛ إما أنها ستتفق في تصريف الكون وإما ستختلف، فإن اتفقت
فإما أن تتفق أن تعمل برأي إله منها، فلا معنى إذن لوجود الباقين، وإما أن
يعمل كل إله بما يريد، وهذا يستلزم أن يختلفوا
ويتنازعوا، وتكون النتيجة أن تفسد السماوات والأرض، وقد قدم لنا
الله -عز وجل- هذه الحقيقة فقال: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون} [الأنبياء: 22].
وقال: {قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوًا أحد} [سورة الإخلاص: 1-4].
وإن كان توحيد الألوهية جوهر الإيمان فإن لا إله إلا الله، هي جوهر التوحيد.
كلمة التوحيد:
هي
كلمة التقوى، أرسل الله الرسل من أجلها، وأنزل الكتب للدعوة إليها، وقام
سوق الجنة والنار من أجلها، وانقسم الناس في الآخرة من أجلها فريقين؛
فريقًا في الجنة وفريقًا في السعير، قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من
رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25].
وقال تعالى: {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون} [النحل: 2].
لا إله إلا الله:
هي
مفتاح الجنة، وتوجب المغفرة؛ لأن الرسول ( قال يومًا لأصحابه: (ارفعوا
أيديكم بالدعاء، وقولوا: لا إله إلا الله)، فرفعوا أيديهم ساعة، فوضع رسول
الله ( يده، وقال: (الحمد لله، اللهم بعثتني بهذه الكلمة، وأمرتني بها،
ووعدتني عليها الجنة، وأنت لا تخلف الميعاد)، ثم قال: (أبشروا فإن الله قد
غفر لكم) [أحمد].
وهي أفضل ما قاله النبيون، قال (: (أفضل ما قلته أنا
والنبيون من قبلي، لا إله إلا الله وحده لا شريك له) [مالك]. ومعنى (لا
إله إلا الله) أنه لا معبود بحق إلا الله، ولا مقصود إلا هو، ولا مشرع
سواه، وهي تتضمن نفي الألوهية عن كل الآلهة الباطلة وإثباتها لله- عز وجل-.
وهي
سبب شفاعة الرسول ( للمؤمنين، قال (: (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، من
قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه ونفسه) [البخاري]. وهي (القول
الثابت) الذي يثبت الله به المؤمنين في الدنيا والآخرة. قال تعالى: {يثبت
الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} [إبراهيم:
27]. وهي (العروة الوثقى) التي أمر الله عباده أن يتمسكوا بها. قال تعالى:
{فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها
والله سميع عليم} [البقرة: 256].
وهي سبب النجاة في الآخرة، قال (: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ؛حرّم الله عليه النار) [مسلم].
ولا إله إلا الله ليست كلمة تُنطق باللسان فحسب، بل لها شروط لقبولها من صاحبها، وهي:
*
العلم بحقيقتها المنافي للجهل بها، فالمسلم يعلم معنى لا إله إلا الله،
وحقيقتها، قال تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} [محمد: 19].
* الصدق المنافي للكذب، وهو أن يقولها صادقًا من قلبه، قال (: (منْ قال: لا إله إلا الله. مُصدِّقًا بها قلبه؛ دخل الجنة) [مسلم].
* الإخلاص المنافي للرياء، وهو أن يقولها خالصًا من قلبه قال (: (من قال لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه، دخل الجنة) [البزار].
*
القبول لها والانقياد لمدلولاتها، فلا يكفي مجرد النطق بها، ولكن لابد من
القيام بمقتضياتها حتى يقبلها الله من المسلم. فقد خاطب الرسول ( أبا
هريرة فقال له: (من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله
مستيقنًا بها قلبه، بشِّرْهُ بالجنة) [مسلم].
* المحبة لها ولأهلها،
والمعاداة من أجلها، فالمسلم يحب كل من يعبد الله -عز وجل- ويطيعه، ويبغض
أهل الشرك وكل من يعصي الله -عز وجل-، قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات
بعضهم أولياء بعض} [التوبة: 71].
والمسلم يعلم أن (لا إله إلا الله)
لها مقتضيات تدل عليها، ومن مقتضياتها أن يمتنع صاحبها عن فعل المعاصي،
ويتقرب إلى الله تعالى بالعبادة الخالصة، ومن مقتضياتها أن يمتثل العبد
أوامر الله، وينتهي عن نواهيه.
والمسلم يعلم أن (لا إله إلا الله) هي
اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى، فقد سمع الرسول
( رجلا يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا
أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، فقال (:
(والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا
سئل به أعطى) [الترمذي].
وقال (: (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين:
{وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم}. وفاتحة آل عمران: {ألم .
الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [رواه الترمذي وابن ماجه].
2- توحيد الربوبـية:
قال الله -عز وجل- على لسان موسى -عليه السلام -: {كلا إن معي ربي سيهدين} [الشعراء: 62].
والإيمان بربوبية الله -عز وجل- هو أن يعتقد المسلم أن الله رب كل شيء
وخالقه
ولا رب سواه، وأنه -سبحانه- بيده الرزق والخلق والإحياء والإماتة، وهو
-سبحانه- الخافض الرافع المعز المذل المحيي القادر على كل شيء. قال تعالى:
{ألا له الخلق والأمر} [الأعراف: 54].
والخلق والإحياء والإماتة...إلخ،
هي أفعال الله -عز وجل-، فيمكن أن نعرف الإيمان بربوبية الله -عز وجل-
بأنه توحيد الله بأفعاله هو، وكان المشركون في الجاهلية يعترفون بأن الله
هو الخالق، وهو الرازق، وهو النافع، وهو الضار، ولكنهم لم يطيعوه، ولم
يؤمنوا به، فلم ينفعهم ذلك الاعتراف بربوبيته دون ألوهيته، قال تعالى:
{ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله}
[العنكبوت: 61].
وقال: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون
لله قل أفلا تذكرون. قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم. سيقولون
لله قل أفلا تتقون. قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن
كنتم تعلمون. سيقولون لله قل فأنى تسحرون} [المؤمنون: 84-89].
وهنا
سؤال؟! هل الإيمان بربوبية الله، أو الاعتراف لله بالخلق والإعادة ينقل
الإنسان من الكفر إلى الإيمان؟ والإجابة أن ذلك وحده لا يكفي، فمن آمن
بوجود الله، وقدرته على الخلق، ثم لم يعبد الله ولم يوحده في ألوهيته،
فليس مؤمنًا، ودليل ذلك أن مشركي مكة كانوا يعترفون لله بالربوبية، ومع
ذلك كانوا مشركين، وقد أنكر توحيد الربوبية طائفتان الأولى تسمى بـ
(الدهرية)، كما حكى الله قولهم: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت
ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} [الجاثية: 24].
فهم بذلك قد نسبوا الموت
والحياة إلى الدهر، ولم ينسبوها إلى الله -عز وجل-. والأخرى ظهرت في العصر
الحديث وتسمى بـ (الشيوعية): والشيوعيون هم الذين ينكرون وجود الله،
ويقولون: لا إله، والكون مادة. (أي: لا إله موجود والكون جاء وحده بدون
خالق). ولكن المسلم يتعجب من تفكير هؤلاء الضالين ويحمد الله -عز وجل- على
نعمة الإيمان والإسلام. والمسلم عندما يؤمن بأن الله هو النافع وهو الضار،
فهذا يطمئنه لأنه يؤمن بمن في يديه النفع والضر، فيطمئن قلبه، وتسكن نفسه،
ويرضى بقضائه وقدره، ويوحده في ألوهيته.
3- توحيد الأسماء والصفات:
والمسلم
يؤمن بأن لله صفات عليا وأسماء حسنى، ذكر البعض منها في القرآن، وبعضها في
الحديث، ولم نُخبر ببعضها، واستأثر الله بها في علمه، كما كان ( يقول في
دعائه: (اللهمَّ إنِّي أسألكَ بكلِّ اسمٍ هو لكَ، سمَّيْتَ به نَفْسَكَ،
أو أنزلتَهُ في كتابك، أو علَّمْتَهُ أحدًا من خَلْقِكَ، أو استأثرْتَ بهِ
في علمِ الغيبِ عِنْدَكَ) [أحمد].
والمسلم يتعرف على أسماء الله ويدعوه
بها، قال تعالى: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيًا ما تدعوا فله الأسماء
الحسنى} [الإسراء: 110]. وقال: {ولله الأسماء الحسنى فادعوها بها}
[الأعراف: 180].
وهذه الأسماء عددها تسعة وتسعون اسمًا، قال (: (إن لله
تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة) [متفق عليه].
وأسماء الله خاصة به فلا يسمى -سبحانه- إلا بما سمى به نفسه، ولا يوصف إلا
بما وصف نفسه، أو وصفه رسول الله ( به، وهذه الأسماء هي: الرحمن، الرحيم،
الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر،
الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم،
القابض، الباسط، الخافض، الرافع، الجامع، المعز، المذل، السميع، البصير،
الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي،
الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع،
الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين،
الولي، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم،
الواحد، الماجد، الواجد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول،
الآخر، الظاهر، الباطن، الولي، المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفو،
الرءوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني،
المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد،
الصبور.
ولقد وردت آيات وأحاديث تضيف أسماء لله تعالى غير المذكورة من هذه الأسماء:
* عالم الغيب والشهادة، قال تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا} [الجن: 26].
وقال: {عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير} [الأنعام: 73].
* سريع الحساب، قال تعالى: {إن الله سريع الحساب} [إبراهيم:51].
*
المسلم يؤمن بأن وجود الله حقيقة لا ريب فيها، دلت عليها أدلة كثيرة منها: الفطرة، والعقل، والشرع، والحس والمشاهدة.
الفطرة تنطق بوجود الله:
كانت
الأمواج هادئة عندما ركب بعض الكفار في سفينة، وانطلقوا في البحر، وفي أول
الرحلة سخَّر الله لهم ريحًا طيبة جعلتهم يسيرون في البحر بسرعة، ففرحوا
بها، وفجأة هاجت الأمواج، واشتدت الرياح والعواصف فأصبحوا في مأزق عصيب،
عندئذ صاح هؤلاء الكفار بأعلى أصواتهم يدعون الله -عز وجل- ويلجئون إليه،
ويطلبون منه النجاة، قال تعالى: {هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا
كنتم في الفلك وجرينا بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم
الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن
أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين} [يونس:22] .
وهكذا فطرة البشر تلجأ
إلى الله -عز وجل-، وتظهر حقيقتها في وقت الشدة والكرب حتى وإن وجد عليها
الصدأ، وطُمِست شفافيتها في أوقات الغفلة واللهو والرخاء، ذلك لأن الله
-عز وجل- خلق الإنسان مفطورًا على الإسلام والإحساس بوجود الله، قال
تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل
لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الروم: 30]. قال
(: (ما من مولود إلا يولدُ على الفِطْرةِ فأبواه يُهوِّدانه (يجعلانه
يهوديًا)، أو ينصِّرانه (يجعلانه نصرانيًا)، أو يمجِّسَانه (يجعلانه
مجوسيًّا) [البخاري].
والمسلم يؤمن بوجود الله -عز وجل-، فهو يدرك ذلك
بفطرته التي وضعها الله فيه. وهناك أقوام لا يؤمنون بوحدانيَّة الله ولا
باليوم الآخر، ويرون أن الطبيعة خلقت نفسها، وقد جاء سبعة عشر رجلاً من
هؤلاء الزنادقة إلى الإمام
الشافعي -رحمه الله- وسألوه: ما الدليل على
وجود الله؟ فقال: ورق التوت طعمه واحد، تأكله الدودة فيخرج منها الإبريسم
(الحرير)، ويأكله النحل فيخرج منه العسل، وتأكله الشاة والبقر والأنعام
فتلقيه بعرًا وروثًا، فمن جعل هذه الأشياء مع أن الطعم واحد. فاستحسنوا
كلام الإمام وأسلموا على يديه.
ويروى أن بعض الزنادقة -أيضًا- جاءوا
إلى جعفر الصادق، فقال جعفر لأحدهم: هل ركبت البحر؟ قال: نعم. قال جعفر:
حدثني عن أغرب شيء حدث لك؟ قال الرجل: هاجت يومًا رياح هائلة، فكسرت
السفينة، وأغرقت الملاحين، فتعلقت أنا ببعض ألواحها، فإذا أنا مدفوع في
تلاطم الأمواج، وفُقد اللوح، ودُفعتُ إلى الساحل. فقال جعفر: قد كان
اعتمادك على السفينة والملاح ثم على اللوح حتى ينجيك. فلما ذهبت عنك هذه
الأشياء، هل أسلمت نفسك للهلاك أم كنت ترجو السلامة بعد؟
قال: بل رجوت
السلامة. قال جعفر: ممن كنت ترجوها؟ فسكت الرجل، فقال جعفر: إن الصانع
الذي كنت ترجوه في ذلك الوقت، هو الذي نجاك من الغرق. فاعترف الرجل بوجود
الله وأسلم على يديه.
دلالة العقل على وجود الله:
سأل بعض القدرية-
الذين ينفون قدرة الله، ويغالون في قدرة الإنسان- أبا حنيفة عن وجود الله
-عز وجل- فقال لهم: دعوني فإني مفكر في أمر أُخبرت عنه، ذكروا لي أن سفينة
في البحر مملوءة بالبضائع، وليس فيها أحد يحرسها أو يسوقها، ومع ذلك فإنها
تسير بنفسها، وتخترق الأمواج، وتسير حيث شاءت فماذا تقولون؟ قالوا: هذا
شيء لا يقبله العقل. فقال أبو حنيفة: يا سبحان الله، إذا لم يجر في العقل
سفينة تجري في البحر مستوية من غير متعهد ولا مجر، فكيف يجوز قيام هذه
الدنيا على اختلاف أحوالها، وسعة أطرافها، وتباين أكنافها من غير صانع
وحافظ؟! فبكوا جميعًا، وقالوا: صدقت وتابوا إلى الله، وحسن إسلامهم.
وقد
سُئِل أعرابي عن الدليل على وجود الله؟ فقال: البعرة تدل على البعير،
والروثة تدل على الحمير، وآثار الأقدام تدل على المسير، فسماء ذات أبراج،
وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟!
والمسلم
يدرك أن هذا الكون قد أبدعه خالق مبدع قدير. وقد سمع أحد الصحابة بعض آيات
من القرآن، فقال: كاد قلبي أن يطير، إنها قول الله تعالى: {أم خلقوا من
غير شيء أم هم الخالقون . أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون . أم
عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون} [الطور: 35-37].
دلالة الشرع على وجود الله:
والمسلم
يؤمن بأن جميع الكتب السماوية نطقت بأن الله موجود، والأحكام التي فيها
دلت على أنها من عند إله حكيم عليم. قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من
رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25].
وقال
تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله} [النحل: 36]. وقال:
{وإلى عاد أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا الله} [الأعراف: 65]. وقال:
{وإلى مدين أخاهم شعيبًا قال يا قوم اعبدوا الله} [الأعراف: 85] وقال:
{ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله} [المؤمنون: 23].
وقال: {وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه} [العنكبوت: 16].
دلالة المشاهدة على وجود الله:
والمسلم
يؤمن بكل ما يشاهده من نصر الله للمستغيثين والمكروبين، فالمؤمنون في غزوة
بدر عندما دعوا الله -عز وجل- وطلبوا منه النصر، استجاب الله دعاءهم،
وأيدهم بجنود من عنده يقاتلون معهم، قال تعالى: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب
لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} [الأنفال: 9].
وزكريا -عليه
السلام- دعا الله -عز وجل- أن يرزقه الذرية الصالحة، فاستجاب الله دعاءه
ووهب له يحيي -عليه السلام-، فبعد أن كانت زوجته عاقرًا لا تلد أصبحت
لديها القدرة على الحمل والولادة بإذن الله، قال تعالى: {وزكريا إذ نادي
ربه رب لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين . فاستجبنا له ووهبنا له يحيى
وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهبًا
وكانوا لنا خاشعين} [الأنبياء: 89-90] .
وفي عهد الرسول ( أصاب المدينة
جفاف وقحط، فقام أعرابي والرسول ( يخطب الجمعة، فقال: يا رسول الله، هلك
المال، وجاع العيال، فادع الله لنا.
فأخذ الرسول ( يدعو وهو رافع يديه،
فتجمع السحاب، ونزل المطر قبل أن يُنزل ( يديه، حتى إن المطر كان ينزل على
رسول الله (، ورأى الصحابة قطرات الماء تنزل من كفيه، وظلت السماء تمطر
طوال الأسبوع، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، تهدم البناء، وغرق المال،
فادع الله لنا، فرفع الرسول ( يديه يدعو الله، ويقول: (اللهم حوالينا، لا
علينا) فتوقف المطر. [متفق عليه].
معجزات الأنبياء دليل على وجود الله:
اجتمع
المشركون في مكة، وطلبوا من الرسول ( أن يشق لهم القمر نصفين، فقال لهم:
(إن فعلت تؤمنوا؟) قالوا: نعم. فأشار الرسول ( إلى القمر -وكان بدرًا-
فانفلق فلقتين، ورآه الناس. ولكن المشركين المعاندين رفضوا أن يستجيبوا
لنداء الحق، وأبوا أن يذعنوا لمعجزة الله، قال تعالى: {اقتربت الساعة
وانشق القمر} [القمر: 1].
والمعجزة تدل على وجود الله تعالى، لأنها أمر
خارج عن مقدرة البشر، يؤيد الله بها رسله وأنبياءه، ومن هذه المعجزات ما
أيَّد الله به نبيه موسى -عليه السلام- من معجزة العصا، فكان يضرب بها
الحجر فيخرج منه الماء، ويضرب بها الماء فيتجمد، ويتحول إلى أرض يابسة،
بإذن الله تعالى، قال تعالى: {فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا
عشرة عينًا} [البقرة: 60].
وبينما يوجد في كل شيء في هذا الكون دليل
على وجود الله تعالى، نجد الملحدين المنكرين لوجود الله ولا دليل من أي
نوع معهم ولا حجة في أيديهم. وفطرة الإنسان وعقله يدلان على وجود الله -عز
وجل- ويأتي الشرع ليؤكد هذه الدلالة، ويرشد الإنسان إلى أن خيره وسعادته
في توحيد الله.
الإيمان بوحدانية الله:
قسم العلماء توحيد الله إلى توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
1- توحيد الألوهية:
أحد..
أحد، إنها كلمات بلال التي يوحد بها ربه، عندما أرقده المشركون، وألقوا
على صدره حجرًا كبيرًا يكتم أنفاسه في صحراء مكة، على الرمال الملتهبة في
وقت الظهيرة. وهذا هو حال المسلم الحق، يوحد الله بأداء العبادة له وحده،
فهو سبحانه المعبود بحق، ولا معبود غيره، فنصلى له، ونزكي له، ولا نعبد
إلا إياه ولا نستعين إلا به، ولا نتوكل إلا عليه، فهو سبحانه المتصرف في
الكون المستحق للعبادة.
والمسلم يعلم أن ألوهية شيء آخر غير الله
باطلة، قال تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل
وأن الله هو العلي الكبير} [الحج: 62].
والنصارى ما عبدوا الله -عز
وجل-، ولكن عبدوا ثلاثة أقانيم (أي: الإله الأب، والإله الابن، وروح
القدس)، فقال عنهم الله تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة
وما من إله إلا إله واحد} [المائدة: 73].
والعرب وغيرهم اعترفوا لله
بالخلق، ولكنهم أشركوا مع الله غيره في العبادة، فقال عنهم الله -عز وجل-:
{وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}
[يوسف: 106].
بل إن البشرية
في أول ضلالها لم تمتنع عن عبادة الله، ولكنها عبدت الله، وعبدت معه آلهة
أخرى، وكانت حجتهم أنهم قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}
[الزمر:3]. فكان الردُّ: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون
مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من
ظهير . ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزغ عن قلوبهم قالوا
ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير} [سبأ: 22-23].
وتوحيد
الألوهية هو أول أمر دعا الرسل أقوامهم إليه. فكان أول ما يدعو النبي قومه
يقول لهم: {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} [هود: 84].
ولما بعث
الرسولُ ( معاذًا قاضيا على اليمن، قال له: (إِنَّكَ تَقْدُمُ على قومٍ من
أهل الكتاب، فليكن أوَّلَ ما تدعوهم إليه أن يوحِّدوا
اللهَ -تعالى-
فَإذا عَرَفُوا ذلك، فأخبِرْهُم أن الله فرض عليهم خمسَ صلوات في يومهم
وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن اللهَ افترضَ عليهم زكاةً تُؤْخَذُ منْ
غَنِيِّهم فتردُّ على فَقيرِهم، فإذا أقرُّوا ذلك، فخذْ منهم، وتوقَّ
-تجنب- كرائِمَ أموالِ النَّاس) [البخاري].
وتوحيد الله -عز وجل- حقيقة
يدركها العقل السليم، فالله -عز وجل- إله واحد ليس معه إله آخر، وهو رب كل
شيء ومليكه، ولا رب سواه، فماذا يحدث لو كان معه آلهة أخرى؟ هذه الآلهة لن
تخرج عن شيئين؛ إما أنها ستتفق في تصريف الكون وإما ستختلف، فإن اتفقت
فإما أن تتفق أن تعمل برأي إله منها، فلا معنى إذن لوجود الباقين، وإما أن
يعمل كل إله بما يريد، وهذا يستلزم أن يختلفوا
ويتنازعوا، وتكون النتيجة أن تفسد السماوات والأرض، وقد قدم لنا
الله -عز وجل- هذه الحقيقة فقال: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون} [الأنبياء: 22].
وقال: {قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوًا أحد} [سورة الإخلاص: 1-4].
وإن كان توحيد الألوهية جوهر الإيمان فإن لا إله إلا الله، هي جوهر التوحيد.
كلمة التوحيد:
هي
كلمة التقوى، أرسل الله الرسل من أجلها، وأنزل الكتب للدعوة إليها، وقام
سوق الجنة والنار من أجلها، وانقسم الناس في الآخرة من أجلها فريقين؛
فريقًا في الجنة وفريقًا في السعير، قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من
رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25].
وقال تعالى: {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون} [النحل: 2].
لا إله إلا الله:
هي
مفتاح الجنة، وتوجب المغفرة؛ لأن الرسول ( قال يومًا لأصحابه: (ارفعوا
أيديكم بالدعاء، وقولوا: لا إله إلا الله)، فرفعوا أيديهم ساعة، فوضع رسول
الله ( يده، وقال: (الحمد لله، اللهم بعثتني بهذه الكلمة، وأمرتني بها،
ووعدتني عليها الجنة، وأنت لا تخلف الميعاد)، ثم قال: (أبشروا فإن الله قد
غفر لكم) [أحمد].
وهي أفضل ما قاله النبيون، قال (: (أفضل ما قلته أنا
والنبيون من قبلي، لا إله إلا الله وحده لا شريك له) [مالك]. ومعنى (لا
إله إلا الله) أنه لا معبود بحق إلا الله، ولا مقصود إلا هو، ولا مشرع
سواه، وهي تتضمن نفي الألوهية عن كل الآلهة الباطلة وإثباتها لله- عز وجل-.
وهي
سبب شفاعة الرسول ( للمؤمنين، قال (: (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، من
قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه ونفسه) [البخاري]. وهي (القول
الثابت) الذي يثبت الله به المؤمنين في الدنيا والآخرة. قال تعالى: {يثبت
الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} [إبراهيم:
27]. وهي (العروة الوثقى) التي أمر الله عباده أن يتمسكوا بها. قال تعالى:
{فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها
والله سميع عليم} [البقرة: 256].
وهي سبب النجاة في الآخرة، قال (: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ؛حرّم الله عليه النار) [مسلم].
ولا إله إلا الله ليست كلمة تُنطق باللسان فحسب، بل لها شروط لقبولها من صاحبها، وهي:
*
العلم بحقيقتها المنافي للجهل بها، فالمسلم يعلم معنى لا إله إلا الله،
وحقيقتها، قال تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} [محمد: 19].
* الصدق المنافي للكذب، وهو أن يقولها صادقًا من قلبه، قال (: (منْ قال: لا إله إلا الله. مُصدِّقًا بها قلبه؛ دخل الجنة) [مسلم].
* الإخلاص المنافي للرياء، وهو أن يقولها خالصًا من قلبه قال (: (من قال لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه، دخل الجنة) [البزار].
*
القبول لها والانقياد لمدلولاتها، فلا يكفي مجرد النطق بها، ولكن لابد من
القيام بمقتضياتها حتى يقبلها الله من المسلم. فقد خاطب الرسول ( أبا
هريرة فقال له: (من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله
مستيقنًا بها قلبه، بشِّرْهُ بالجنة) [مسلم].
* المحبة لها ولأهلها،
والمعاداة من أجلها، فالمسلم يحب كل من يعبد الله -عز وجل- ويطيعه، ويبغض
أهل الشرك وكل من يعصي الله -عز وجل-، قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات
بعضهم أولياء بعض} [التوبة: 71].
والمسلم يعلم أن (لا إله إلا الله)
لها مقتضيات تدل عليها، ومن مقتضياتها أن يمتنع صاحبها عن فعل المعاصي،
ويتقرب إلى الله تعالى بالعبادة الخالصة، ومن مقتضياتها أن يمتثل العبد
أوامر الله، وينتهي عن نواهيه.
والمسلم يعلم أن (لا إله إلا الله) هي
اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى، فقد سمع الرسول
( رجلا يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا
أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، فقال (:
(والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا
سئل به أعطى) [الترمذي].
وقال (: (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين:
{وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم}. وفاتحة آل عمران: {ألم .
الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [رواه الترمذي وابن ماجه].
2- توحيد الربوبـية:
قال الله -عز وجل- على لسان موسى -عليه السلام -: {كلا إن معي ربي سيهدين} [الشعراء: 62].
والإيمان بربوبية الله -عز وجل- هو أن يعتقد المسلم أن الله رب كل شيء
وخالقه
ولا رب سواه، وأنه -سبحانه- بيده الرزق والخلق والإحياء والإماتة، وهو
-سبحانه- الخافض الرافع المعز المذل المحيي القادر على كل شيء. قال تعالى:
{ألا له الخلق والأمر} [الأعراف: 54].
والخلق والإحياء والإماتة...إلخ،
هي أفعال الله -عز وجل-، فيمكن أن نعرف الإيمان بربوبية الله -عز وجل-
بأنه توحيد الله بأفعاله هو، وكان المشركون في الجاهلية يعترفون بأن الله
هو الخالق، وهو الرازق، وهو النافع، وهو الضار، ولكنهم لم يطيعوه، ولم
يؤمنوا به، فلم ينفعهم ذلك الاعتراف بربوبيته دون ألوهيته، قال تعالى:
{ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله}
[العنكبوت: 61].
وقال: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون
لله قل أفلا تذكرون. قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم. سيقولون
لله قل أفلا تتقون. قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن
كنتم تعلمون. سيقولون لله قل فأنى تسحرون} [المؤمنون: 84-89].
وهنا
سؤال؟! هل الإيمان بربوبية الله، أو الاعتراف لله بالخلق والإعادة ينقل
الإنسان من الكفر إلى الإيمان؟ والإجابة أن ذلك وحده لا يكفي، فمن آمن
بوجود الله، وقدرته على الخلق، ثم لم يعبد الله ولم يوحده في ألوهيته،
فليس مؤمنًا، ودليل ذلك أن مشركي مكة كانوا يعترفون لله بالربوبية، ومع
ذلك كانوا مشركين، وقد أنكر توحيد الربوبية طائفتان الأولى تسمى بـ
(الدهرية)، كما حكى الله قولهم: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت
ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} [الجاثية: 24].
فهم بذلك قد نسبوا الموت
والحياة إلى الدهر، ولم ينسبوها إلى الله -عز وجل-. والأخرى ظهرت في العصر
الحديث وتسمى بـ (الشيوعية): والشيوعيون هم الذين ينكرون وجود الله،
ويقولون: لا إله، والكون مادة. (أي: لا إله موجود والكون جاء وحده بدون
خالق). ولكن المسلم يتعجب من تفكير هؤلاء الضالين ويحمد الله -عز وجل- على
نعمة الإيمان والإسلام. والمسلم عندما يؤمن بأن الله هو النافع وهو الضار،
فهذا يطمئنه لأنه يؤمن بمن في يديه النفع والضر، فيطمئن قلبه، وتسكن نفسه،
ويرضى بقضائه وقدره، ويوحده في ألوهيته.
3- توحيد الأسماء والصفات:
والمسلم
يؤمن بأن لله صفات عليا وأسماء حسنى، ذكر البعض منها في القرآن، وبعضها في
الحديث، ولم نُخبر ببعضها، واستأثر الله بها في علمه، كما كان ( يقول في
دعائه: (اللهمَّ إنِّي أسألكَ بكلِّ اسمٍ هو لكَ، سمَّيْتَ به نَفْسَكَ،
أو أنزلتَهُ في كتابك، أو علَّمْتَهُ أحدًا من خَلْقِكَ، أو استأثرْتَ بهِ
في علمِ الغيبِ عِنْدَكَ) [أحمد].
والمسلم يتعرف على أسماء الله ويدعوه
بها، قال تعالى: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيًا ما تدعوا فله الأسماء
الحسنى} [الإسراء: 110]. وقال: {ولله الأسماء الحسنى فادعوها بها}
[الأعراف: 180].
وهذه الأسماء عددها تسعة وتسعون اسمًا، قال (: (إن لله
تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة) [متفق عليه].
وأسماء الله خاصة به فلا يسمى -سبحانه- إلا بما سمى به نفسه، ولا يوصف إلا
بما وصف نفسه، أو وصفه رسول الله ( به، وهذه الأسماء هي: الرحمن، الرحيم،
الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر،
الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم،
القابض، الباسط، الخافض، الرافع، الجامع، المعز، المذل، السميع، البصير،
الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي،
الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع،
الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين،
الولي، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم،
الواحد، الماجد، الواجد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول،
الآخر، الظاهر، الباطن، الولي، المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفو،
الرءوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني،
المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد،
الصبور.
ولقد وردت آيات وأحاديث تضيف أسماء لله تعالى غير المذكورة من هذه الأسماء:
* عالم الغيب والشهادة، قال تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا} [الجن: 26].
وقال: {عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير} [الأنعام: 73].
* سريع الحساب، قال تعالى: {إن الله سريع الحساب} [إبراهيم:51].
*
Password- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 7606
التقييم : 9
احترام قوانين المنتدى :
رد: الإيمان بالله
شكرا لك على الموضوع الجميل و المفيذ ♥
جزاك الله الف خير على كل ما تقدمه لهذا المنتدى ♥
ننتظر ابداعاتك الجميلة بفارغ الصبر
جزاك الله الف خير على كل ما تقدمه لهذا المنتدى ♥
ننتظر ابداعاتك الجميلة بفارغ الصبر
تحياتى
رد: الإيمان بالله
تسلم ي غالي جعله في ميزان حسناتك دمت لنا اخي العزيز دمت بخير
Mr.Mohammed- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 3073
التقييم : 1
احترام قوانين المنتدى :
رد: الإيمان بالله
جزاك الله كل خير
وجعله فِي ميزان حسناتك
وجعله فِي ميزان حسناتك
nadija- عضو سوبر
- عدد المساهمات : 2579
التقييم : 6
احترام قوانين المنتدى :
رد: الإيمان بالله
جزاك الله خيرا على الموضوع القيم
أنرت القسم بموضوعك، بانتظار جديدك
أنرت القسم بموضوعك، بانتظار جديدك
miss ran- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 1487
التقييم : 0
العمر : 27
احترام قوانين المنتدى :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى