نسيم الجنه
+4
nnn2
G.Mohamed
علي الرسام
وسام للكومبيوتر
8 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
نسيم الجنه
هل للجنة نسيم؟
نعم وردت عدة أحاديث صحيحة وصريحة أن للجنة ريح تشم حقيقة يوم القيامة من مسافة بعيدة، والناس فيها على درجات بحسب ما علموا، وأما الجنة فهي أميرة الجمال، ويكفي في وصفها ما أخرجه الإمام ابن ماجة وابن حبان عن أسامة بْنُ زَيْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ لأَصْحَابِهِ ذَاتَ يَوْمٍ: ((أَلا هَلْ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ؛ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لا خَطَرَ لَهَا، هِي وَرَبِّ الْكَعْبَةَ نُورٌ يَتَلأْلأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مَقَامٍ أَبَدًا، فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ، فِي دَارٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا، قَالَ: ((قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ)).
وفي الجنة أربعة نداءات تلغي مشاكل الدنيا؛ لأن الدنيا خلقها الله ناقصة، بل طبعت على كدر فما عيبت الدنيا بألغ من ذكر فنائها وتقلب أحوالها وسرعة زوالها فتتبدل صحتها بالسقم ووجودها بالعدم وشبيبتها بالهرم ونعيمها بالبؤس وحياتها بالموت وغنا ولذلك ورد في الحديث إذا دخل أهل الجنة الجنة: ((ينادي المنادي أن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وأن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وأن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وأن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا))[رواه مسلم].
أما طريق الجنة
يقول ابن الجوزي عليه رحمةُ الله: "طهر قلبك من الشوائب؛ فالمحبة لا تلقى إلا في قلب طاهر، أما رأيت الزارع يتخيرُ الأرض الطيبة، ويسقيها ويرويها، ثم يثيرها ويقلبها، وكلما رأى حجراً ألقاه، وكلما شاهد ما يُؤذي نحّاه، ثم يلقي فيها البذر، ويتعاهدها من طوارق الأذى؟
وكذلك الحق -عز وجل- إذا أراد عبداً لوداده حصد من قلبه شوك الشرك، وطهره من أوساخ الرياء والشك ثم يسقيه ماء التوبة والإنابة، ويرزقه الخوف والإخلاص، فيستوي ظاهره وباطنه في التقى، ثم يلقي فيه بذر الهدى، فيثمر المحبة (قلت وفي الحديث القدسي عند البخاري: ((...فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَقَدَمَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا)).
فيسكن لُب القلب، فيسري من بركاتها إلى العين ما يفُضها عن سوى المحبوب، وإلى الكف ما يكُفها عن المطلوب، وإلى اللسان ما يحبسه عن فضول الكلام، وإلى القدم ما يمنعه من سرعة الإقدام.
"قلت أنا كاتب الأسطر وصف أحد فرسان الأدب بقوله: شباب والله مكتهلون بشبابهم، غضيضة عن الشرّ أعينهم، ثقيلةٌ عن الباطل أرجلهم، أنضاءُ عبادةٍ وأطلاحُ سَهَر، نظر اللَّه إليهم في جوف الليل منحنيةً أصلابهم على أجزاء القرآن الكريم، كلَّما مر أحدُهم بآيةٍ من ذكر الجنّة بكى شوقاً إليها، وإذا مَرّ بآية من ذكر النار شَهِقَ شَهقة كأنّ زفير جهنّم بين أذنيه، موصولٌ كَلاَلهم بكلالهم [أي تعب النهار بتعب الليل] كَلالُ الليل بكلال النهار، قد أكلت الأرضُ رُكَبَهم وأيديَهم، وأنوفَهم وجباهَهم، واستقلّوا ذلك في جنْب اللَّه، هؤلاء هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذه صلتهم بالقرآن الكريم، تعظيم له، واتباع صادق واخرج ابن أبي الدنيا في قيام الليل وابن عساكر عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - أنه صلى صلاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَلَّمَ انْفَتَلَ عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ مَكَثَ كَأَنَّ عَلَيْهِ كَآبَةً، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ عَلَى حَائِطِ الْمَسْجِدِ قِيدَ رُمْحٍ، قَلَبَ يَدَهُ، وَقَالَ: " وَاللَّهِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَا أَرَى الْيَوْمَ شَيْئًا يُشْبِهُهُمْ، وَلَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعْثًا صُفْرًا غُبْرًا، بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ أَمْثَالُ رُكَبِ الْمِعْزَى، قَدْ بَاتُوا لِلَّهِ سُجَّدًا وَقِيَامًا، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ -عز وجل-، يُرَاوِحُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وَأَقْدَامِهِمْ، فَإِذَا أَصْبَحُوا فَذَكَرُوا اللَّهَ -عز وجل-، مَادُوا كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ فِي يَوْمِ الرِّيحِ، وَهَمِلَتْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى تُبَلَّ ثِيَابُهُمْ، وَاللَّهِ لَكَأَنَّ الْقَوْمَ بَاتُوا غَافِلِينَ".
فما زالت تلك النفس الطاهرة رائضُها العلم، ونديمها الحلم، وسجنها الخوف، وميدانها الرجاء، وبُستانها الخلوة، وكنزها القناعة، وبضاعتها اليقين، ومركبها الزهد، وطعامها الفكر، وحُلواها الأنس، وهي مشغولة بتوطئة رحلها لرحيلها، وعينُ أملها ناظرة إلى سبيلها.
فإن صعد حافظها فالصحيفة نقية، وإن جاء البلاء فالنفس صابرة تقية، وإن أقبل الموت وجدها من الغش خلية؛ فيا طوبى لها إذا نُوديت يوم القيامة: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي)[الفجر: 27-28].
فخلاصة وصية ابن الجوزي طهر قلبك من الشوائب فالمحبة لا تلقى إلا في قلب طاهر (أما سمعت (أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم) شكى رجل من الفتور في الطاعات فقال الشيخ: القلب إذا مرض وفتن بلي بالكسل والفتور، فلا يضعف في طاعة إلا من عظمت غفلته، وأصيب بالفتنة ونسيان عظمة الرب.
إذا حلت الهدايةُ قلباً *** نشطتْ للعبادةِ الأعضاءُ
ولذلك الجنة متوقفة على الإيمان والإيمان متوقف على المحبة والمحبة متوقفة على السلام وإفشاء السلام كرم نفس، ولا يكون الإنسان كريم النفس إلا حينما يكون سليم الصدر للمسلمين طليق الوجه لهم، والذي يفشي السلام لا يسب ولا يشتم ولا يؤذي أحدا، ولذلك صح عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - كما أخرجه الإمام أحمد وابن خزيمه وحسنة الألباني في الجامع عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: قَالَ: ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَتَابَعَ الصَّلاةَ وَالصِّيَامَ، وَقَامَ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ)) فجمعوا بين كرم النفس بالسلام وكرم اليد بالإطعام، وهذا في حق الخلق وحسن المعاملة مع الخالق بقيام الليل. وكل ذلك متوقف على التوفيق والتوفيق كله بيد الله، والسؤال: ما هو أعظم شيء يجلب التوفيق؟ أسباب كثير أبرزها ثلاث:
1- الإخلاص، فكل مخلص موفق ومسدد ومعان، فما نزل من السماء شيء أعظم من التوفيق، وما رفع إلى السماء عمل أعظم من الإخلاص.
2- الخوف من الله، فأعظم ما يجلب التوفيق الخوف من الله: (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا). أسأل الله أن يكرمني وإياكم بتمام تقواه وتقوى الله ما جاورت قلب امرئٍ إلا وصل! وقد قيل: كن تقياً تكن قوياً وقد يتساءل متساءل ما سبيل كبح جماح النفس عن هواها واستشعار مراقبة الله.
والجواب: لا أعلم شيئا أعظم من الدعاء أن يقسم الله لك من خشيته ما يحول بينك وبين معصيته واستدامة ذلك.
3- بر الوالدين من أعظم أسباب التوفيق، ولذلك لما سال رجل قاتل ابن عباس: هل له من توبة فسأله عن أمة هل هي حية؟ فقال: ماتت فقيل لابن عباس لماذا سألته عن أمه؟ فقال: لا أعلم عملا يتقرب به إلى الله أعظم من بر الأم.
وختاما: أوصيكم بثلاث هي ملاك الأمر كله.
أولا: الاهتمام بحق الله، فلا تمسي وتصبح وأنت تحمل هما أعظم من هم كيف تؤدي حق الله؟ وكيف يرضى الله عليك؟ فإن من فرغ قلبه لله كفاه الله كل هم وتولى أمره، فإن بيد الله حياتك وموتك وصحتك وسقمك وغناك وفقرك، فالأمر كله لله وحده، فبيده ملكوت كل شي فاستح من الله أن يرى منك مالا يحب فإن فعلت ذلك فتح في وجهك أبواب رحمته..
ثانيا: الاهتمام بحق نفسك، فهي أمانة عندك أسعى في فكاكها من النار ولا يكون إلا بتوفيق الله، فالله فرض فرائض فلا تضيعها وحد حدودا فلا تنتهكها، ارحم نفسك لا تعذبها بالمعاصي هذا من ناحية الدين، أما من ناحية الدنيا اتق الله وأجمل في الطلب، فلا تكلف نفسك مالا طاقة لك به، فترحم هذه النفس فلا تتسبب لها بالأمراض فصحتك ثروتك، عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى شيخا يهادى بين ابنيه، قال: ((ما بال هذا؟)) قالوا: نذر أن يمشي، قال: ((إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني وأمره أن يركب))[رواه البخاري].
وعن أبن عباس - رضي الله عنهما - قال: بينما النبي يخطب إذا هو برجل قائم، فسال عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد، ولا يستظل ولا يتكلم، ولا يصوم، فقال النبي: ((مروه فليتكلم وليستظل وليقعد، وليتم صومه))[رواه البخاري].
ثالثا: الاهتمام بحقوق العباد من بر الوالدين والأقارب والأصحاب ليحقق: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)).
إياك والغل والحسد وغض الطرف عن زلات المسلمين، ففي الحديث عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا فَبَدَرْتُهُ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، أَوْ بَدَأَنِي فَأَخَذَ بِيَدِي، فَقَالَ: ((يَا عُقْبَةُ، أَلا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ أَخْلاقِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَأَهْلِ الآخِرَةِ؟ تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ))[رواه الحاكم وابن أبي الدنيا حب الخير للمسلمين].
احرص كل الحرص على رفقة أهل الخير، قال الحكماء: مُصاحب رفقاء السوء، كراكب البحر، إن هو سلم من الغرق، لم يسلم من المخاوف الكثيرة.
نعم وردت عدة أحاديث صحيحة وصريحة أن للجنة ريح تشم حقيقة يوم القيامة من مسافة بعيدة، والناس فيها على درجات بحسب ما علموا، وأما الجنة فهي أميرة الجمال، ويكفي في وصفها ما أخرجه الإمام ابن ماجة وابن حبان عن أسامة بْنُ زَيْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ لأَصْحَابِهِ ذَاتَ يَوْمٍ: ((أَلا هَلْ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ؛ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لا خَطَرَ لَهَا، هِي وَرَبِّ الْكَعْبَةَ نُورٌ يَتَلأْلأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مَقَامٍ أَبَدًا، فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ، فِي دَارٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا، قَالَ: ((قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ)).
وفي الجنة أربعة نداءات تلغي مشاكل الدنيا؛ لأن الدنيا خلقها الله ناقصة، بل طبعت على كدر فما عيبت الدنيا بألغ من ذكر فنائها وتقلب أحوالها وسرعة زوالها فتتبدل صحتها بالسقم ووجودها بالعدم وشبيبتها بالهرم ونعيمها بالبؤس وحياتها بالموت وغنا ولذلك ورد في الحديث إذا دخل أهل الجنة الجنة: ((ينادي المنادي أن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وأن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وأن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وأن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا))[رواه مسلم].
أما طريق الجنة
يقول ابن الجوزي عليه رحمةُ الله: "طهر قلبك من الشوائب؛ فالمحبة لا تلقى إلا في قلب طاهر، أما رأيت الزارع يتخيرُ الأرض الطيبة، ويسقيها ويرويها، ثم يثيرها ويقلبها، وكلما رأى حجراً ألقاه، وكلما شاهد ما يُؤذي نحّاه، ثم يلقي فيها البذر، ويتعاهدها من طوارق الأذى؟
وكذلك الحق -عز وجل- إذا أراد عبداً لوداده حصد من قلبه شوك الشرك، وطهره من أوساخ الرياء والشك ثم يسقيه ماء التوبة والإنابة، ويرزقه الخوف والإخلاص، فيستوي ظاهره وباطنه في التقى، ثم يلقي فيه بذر الهدى، فيثمر المحبة (قلت وفي الحديث القدسي عند البخاري: ((...فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَقَدَمَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا)).
فيسكن لُب القلب، فيسري من بركاتها إلى العين ما يفُضها عن سوى المحبوب، وإلى الكف ما يكُفها عن المطلوب، وإلى اللسان ما يحبسه عن فضول الكلام، وإلى القدم ما يمنعه من سرعة الإقدام.
"قلت أنا كاتب الأسطر وصف أحد فرسان الأدب بقوله: شباب والله مكتهلون بشبابهم، غضيضة عن الشرّ أعينهم، ثقيلةٌ عن الباطل أرجلهم، أنضاءُ عبادةٍ وأطلاحُ سَهَر، نظر اللَّه إليهم في جوف الليل منحنيةً أصلابهم على أجزاء القرآن الكريم، كلَّما مر أحدُهم بآيةٍ من ذكر الجنّة بكى شوقاً إليها، وإذا مَرّ بآية من ذكر النار شَهِقَ شَهقة كأنّ زفير جهنّم بين أذنيه، موصولٌ كَلاَلهم بكلالهم [أي تعب النهار بتعب الليل] كَلالُ الليل بكلال النهار، قد أكلت الأرضُ رُكَبَهم وأيديَهم، وأنوفَهم وجباهَهم، واستقلّوا ذلك في جنْب اللَّه، هؤلاء هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذه صلتهم بالقرآن الكريم، تعظيم له، واتباع صادق واخرج ابن أبي الدنيا في قيام الليل وابن عساكر عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - أنه صلى صلاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَلَّمَ انْفَتَلَ عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ مَكَثَ كَأَنَّ عَلَيْهِ كَآبَةً، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ عَلَى حَائِطِ الْمَسْجِدِ قِيدَ رُمْحٍ، قَلَبَ يَدَهُ، وَقَالَ: " وَاللَّهِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَا أَرَى الْيَوْمَ شَيْئًا يُشْبِهُهُمْ، وَلَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعْثًا صُفْرًا غُبْرًا، بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ أَمْثَالُ رُكَبِ الْمِعْزَى، قَدْ بَاتُوا لِلَّهِ سُجَّدًا وَقِيَامًا، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ -عز وجل-، يُرَاوِحُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وَأَقْدَامِهِمْ، فَإِذَا أَصْبَحُوا فَذَكَرُوا اللَّهَ -عز وجل-، مَادُوا كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ فِي يَوْمِ الرِّيحِ، وَهَمِلَتْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى تُبَلَّ ثِيَابُهُمْ، وَاللَّهِ لَكَأَنَّ الْقَوْمَ بَاتُوا غَافِلِينَ".
فما زالت تلك النفس الطاهرة رائضُها العلم، ونديمها الحلم، وسجنها الخوف، وميدانها الرجاء، وبُستانها الخلوة، وكنزها القناعة، وبضاعتها اليقين، ومركبها الزهد، وطعامها الفكر، وحُلواها الأنس، وهي مشغولة بتوطئة رحلها لرحيلها، وعينُ أملها ناظرة إلى سبيلها.
فإن صعد حافظها فالصحيفة نقية، وإن جاء البلاء فالنفس صابرة تقية، وإن أقبل الموت وجدها من الغش خلية؛ فيا طوبى لها إذا نُوديت يوم القيامة: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي)[الفجر: 27-28].
فخلاصة وصية ابن الجوزي طهر قلبك من الشوائب فالمحبة لا تلقى إلا في قلب طاهر (أما سمعت (أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم) شكى رجل من الفتور في الطاعات فقال الشيخ: القلب إذا مرض وفتن بلي بالكسل والفتور، فلا يضعف في طاعة إلا من عظمت غفلته، وأصيب بالفتنة ونسيان عظمة الرب.
إذا حلت الهدايةُ قلباً *** نشطتْ للعبادةِ الأعضاءُ
ولذلك الجنة متوقفة على الإيمان والإيمان متوقف على المحبة والمحبة متوقفة على السلام وإفشاء السلام كرم نفس، ولا يكون الإنسان كريم النفس إلا حينما يكون سليم الصدر للمسلمين طليق الوجه لهم، والذي يفشي السلام لا يسب ولا يشتم ولا يؤذي أحدا، ولذلك صح عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - كما أخرجه الإمام أحمد وابن خزيمه وحسنة الألباني في الجامع عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: قَالَ: ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَتَابَعَ الصَّلاةَ وَالصِّيَامَ، وَقَامَ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ)) فجمعوا بين كرم النفس بالسلام وكرم اليد بالإطعام، وهذا في حق الخلق وحسن المعاملة مع الخالق بقيام الليل. وكل ذلك متوقف على التوفيق والتوفيق كله بيد الله، والسؤال: ما هو أعظم شيء يجلب التوفيق؟ أسباب كثير أبرزها ثلاث:
1- الإخلاص، فكل مخلص موفق ومسدد ومعان، فما نزل من السماء شيء أعظم من التوفيق، وما رفع إلى السماء عمل أعظم من الإخلاص.
2- الخوف من الله، فأعظم ما يجلب التوفيق الخوف من الله: (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا). أسأل الله أن يكرمني وإياكم بتمام تقواه وتقوى الله ما جاورت قلب امرئٍ إلا وصل! وقد قيل: كن تقياً تكن قوياً وقد يتساءل متساءل ما سبيل كبح جماح النفس عن هواها واستشعار مراقبة الله.
والجواب: لا أعلم شيئا أعظم من الدعاء أن يقسم الله لك من خشيته ما يحول بينك وبين معصيته واستدامة ذلك.
3- بر الوالدين من أعظم أسباب التوفيق، ولذلك لما سال رجل قاتل ابن عباس: هل له من توبة فسأله عن أمة هل هي حية؟ فقال: ماتت فقيل لابن عباس لماذا سألته عن أمه؟ فقال: لا أعلم عملا يتقرب به إلى الله أعظم من بر الأم.
وختاما: أوصيكم بثلاث هي ملاك الأمر كله.
أولا: الاهتمام بحق الله، فلا تمسي وتصبح وأنت تحمل هما أعظم من هم كيف تؤدي حق الله؟ وكيف يرضى الله عليك؟ فإن من فرغ قلبه لله كفاه الله كل هم وتولى أمره، فإن بيد الله حياتك وموتك وصحتك وسقمك وغناك وفقرك، فالأمر كله لله وحده، فبيده ملكوت كل شي فاستح من الله أن يرى منك مالا يحب فإن فعلت ذلك فتح في وجهك أبواب رحمته..
ثانيا: الاهتمام بحق نفسك، فهي أمانة عندك أسعى في فكاكها من النار ولا يكون إلا بتوفيق الله، فالله فرض فرائض فلا تضيعها وحد حدودا فلا تنتهكها، ارحم نفسك لا تعذبها بالمعاصي هذا من ناحية الدين، أما من ناحية الدنيا اتق الله وأجمل في الطلب، فلا تكلف نفسك مالا طاقة لك به، فترحم هذه النفس فلا تتسبب لها بالأمراض فصحتك ثروتك، عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى شيخا يهادى بين ابنيه، قال: ((ما بال هذا؟)) قالوا: نذر أن يمشي، قال: ((إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني وأمره أن يركب))[رواه البخاري].
وعن أبن عباس - رضي الله عنهما - قال: بينما النبي يخطب إذا هو برجل قائم، فسال عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد، ولا يستظل ولا يتكلم، ولا يصوم، فقال النبي: ((مروه فليتكلم وليستظل وليقعد، وليتم صومه))[رواه البخاري].
ثالثا: الاهتمام بحقوق العباد من بر الوالدين والأقارب والأصحاب ليحقق: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)).
إياك والغل والحسد وغض الطرف عن زلات المسلمين، ففي الحديث عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا فَبَدَرْتُهُ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، أَوْ بَدَأَنِي فَأَخَذَ بِيَدِي، فَقَالَ: ((يَا عُقْبَةُ، أَلا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ أَخْلاقِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَأَهْلِ الآخِرَةِ؟ تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ))[رواه الحاكم وابن أبي الدنيا حب الخير للمسلمين].
احرص كل الحرص على رفقة أهل الخير، قال الحكماء: مُصاحب رفقاء السوء، كراكب البحر، إن هو سلم من الغرق، لم يسلم من المخاوف الكثيرة.
رد: نسيم الجنه
شكرااااااااااا لك ع الموضوع
علي الرسام- عضو نشيط
-
عدد المساهمات : 349
التقييم : 6
العمر : 28
احترام قوانين المنتدى :
رد: نسيم الجنه
مشكور موضوع مميز اتمنى لك التميز
G.Mohamed- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 4329
التقييم : 5
العمر : 25
احترام قوانين المنتدى :
رد: نسيم الجنه
تسلم موضوع رائع
G.Mohamed- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 4329
التقييم : 5
العمر : 25
احترام قوانين المنتدى :
رد: نسيم الجنه
شكرا لك
مع كامل تحياتي
مع كامل تحياتي
marqise- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 1541
التقييم : 0
احترام قوانين المنتدى :
مواضيع مماثلة
» ( من نسيم المناجاة .. )
» أفضل شركة لتركيب مكيفات بدبي 0562712829 نسيم الحياة
» أرخص شركة لصيانة المكيفات بالعين 0562712829 نسيم الحياة
» رومنسية أهل الجنه
» هل رأيتي خريطة الجنه من قبل ؟
» أفضل شركة لتركيب مكيفات بدبي 0562712829 نسيم الحياة
» أرخص شركة لصيانة المكيفات بالعين 0562712829 نسيم الحياة
» رومنسية أهل الجنه
» هل رأيتي خريطة الجنه من قبل ؟
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى