الحرية (النشأة والغاية)
+4
رفعت عبد الكريم
maher
nnn2
Islam Ahmed
8 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الحرية (النشأة والغاية)
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
لا توجد كلمة لاكتها أفواه الشعوب ، وإستهوتها قلوبهم , وانشغلت بها عقولهم كهذه الكلمة تَنَادَوْا بها فى كل واد وناد ، ذكروها فى كل خطبة أو مقال أو كتاب ، رفعوها شعاراً ، وجعلوها غاية يَرْخُص فى سبيلها كل غال ونفيس! تنفق فى سبيلها الأموال ، وتهدر معها الأوقات ، وتزهق من أجلها الأرواح ، وتسفك فى طلبها الدماء ، قامت تحت شعارها الثورات ، ووقعت تحت لوائها الإنقلابات ، وحيكت من أجلها المؤمرات ...إنها الحرية !
وقد درج إستعمالها بين عامة الناس وخاصتهم ، وبين كبيرهم وصغيرهم ، وبين رجالهم ونسائهم ، يتردد صداها فى جميع جوانب الحياة وأوساطها ، السياسية والإجتماعية والإقتصادية والعسكرية والتربوية بل وداخل الأسر فيما بين أفرادها .
ومن هنا تلوح لنا أهمية تناول هذا الموضوع لنقف منه على:
1 – معناه وخصائصه .
2- نشأته وتطوره .
3- موقف الإسلام منه .
4- بشائر ونفحات .
الحرية ضد العبودية ، والحر ضد العبد
الحرية هى الإباحة التى يتمكن الإنسان من الفعل المعبر عن إرادته فى أى ميدان من ميادين الفعل ، وبأى لون من ألوان التعبير .
أو هى رفع اليد عن الشئ من كل وجه [1].
أو هى القدرة على التصرف بملء الإرادة والإختيار [2] .
ويتضح لنا من تلك التعريفات خصائص ثلاثة للحرية بهذا المعنى .
1 – إنها صادرة عن الإرادة الإنسانية ، إذن هى نسبية ، يفهمها كل شخص وفق إرادته , "لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ"[3]
2 – الحرية مطلقة لاقيود عليها ، فمحصلتها أن يترك للإنسان تمام الإختيار ، قال تعالى: "وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ"[4]
3- لا يترتب عليها أى قيود أو حدود ، فكل شخص يسلك ما يريده ولا جزاء عليه ، قال تعالى : " وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا " [5] .
وبالنظر فى القرآن الكريم ودواووين السنة ، فلن نجد لهذا المفهوم بنصه أو معناه أصلاً ، سوى إسم الفاعل منه فى قوله تعالى : " كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ " [6] ، بالإضافة إلى الأثر الذى ورد فى قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه لعمرو بن العاص : " متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " , وقد ورد هذا المفهوم فى المراجع الفقهية , ولكن يقصد بها تلك الحرية تعنى التحرر من الرق , فهى ضد العبودية , وهو غير موجود الآن .
إذن الحرية بهذه الخصائص لا تعرف القيود ولا الحدود , حرية بلا غاية , حرية من أجل الحرية , يصير مبتغيها كحيوان انطلق من عقاله يهيج فى كل الأودية ولا يعرف له وجة , يهيم بلا هدى وبلا دراية , ويستحسن بنا أن نسميها باسمها المناسب لهذا المفهوم فهى الفوضى التى لا تعرف حدوداً , ولكن لأنها فتنة فهى تسمى بغير اسمها , كما استحل الناس الحرير والخمر والمعازف .
ولا جرم أن أصل هذه الكلمة وإستخدامها بصورتها الحديثة يرجع إلى اليهود ، وإلى معتقدهم الباطل ، فهم يزعمون باطلاً أنهم شعب الله المختار ، وأن الله تعالى قد خلق الأمميين وهم حيوانات ولكنهم فى صورة بشر لخدمة اليهود ، وقد جاء فى التلمود : " إن الأمميين هم الحمير الذين خلقهم الله ليركبهم شعب الله المختار ، وكلما نفق منهم حماراً ركبوا حماراً أخر" ، ومن هنا فإنهم يستبيحون أعراض الأممين ودمائهم ، بل يعدون ذلك تقرباً إلى الرب .
وإذا كان الله تعالى قد قال : " وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ " [7] , فالخطاب موجه إلى يهود موسى فقط والمعاصرين له ، وأن الله تعالى رد على إبراهيم عليه السلام عندما سأله بعض الفضل لذريته ، رد عليه تعالى : " لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ " [8] .
أما وصفهم لغير اليهود بالحمير ، ففى حقيقة الأمر هذا الوصف يخصهم هم ، " رمتنى بدائها وإنسلت " ، فقد قال تعالى : " مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا " [9] .
وفى سبيل هذا المعتقد الفاسد ، كونوا جمعيات ومنظمات سرية عالمية تهدف إلى إفساد الأمميين ، عن طريق دس السم فى العسل , وتسمية الأشياء بغير مسمياتها ، وعلى رأس هذه المنظمات تأتى الصهيونية والماسونية [10].
وقد قرر الله تعالى هذه الحقيقة وأثبت هذا المعتقد وحذر منه ، قال تعالى : " وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ " [11] ، وقد جاء الفعل بصيغة المضارع ليفيد الإستمرار والديمومة ، وأكده بالنون للحذر والحيطة ، ولكن...
وقد إستخدمت هذه المنظمات مطلب الحرية ، كأداة لاغنى عنها لإفساد العالم ، إنطلاقاً من فكر شيطاني محض ، فقد أدركوا تماماً مثلما أدرك الشيطان أن الإنسان مجبول مفطور على الفضول ونيل ما منع منه ، فكل ممنوع منه فهو لديه مرغوب ، فقد أكل آدم وحواء من الشجرة التى منعا منها .... ، حذو النعل بالنعل مثل ما فعل الشيطان .
فقد تبنوا هذا المفهوم وقالوا فيه كما جاء فى بروتوكولاتهم ، : " إن كلمة الحرية تضع كل مجتمع فى صراع مع كل سلطة حتى لو كانت سلطة الله أو الطبيعة ، وحينما نغدوا سادة فسوف نمحوا هذه الكلمة من المعجم " .
وقد روجوا لهذا المطلب بمعناه المطلق من الإباحة واللامسئولية ، للقضاء على المعتقدات والأخلاق ، وفقد وضعوا فى المقابل مطلب الحرية .
وقد إستغلوا ما كانت عليه أوروبا فى عصورها الوسطى من جهل وظلام وقمع وتسلط من قبل رجال الدين آنذاك ، الذين سلبوا من الشعب الأوروبى كل مقومات حريته بل وإنسانيته بإسم التفويض الإلهى ، فكانت أوروبا تربة خصبة لتنفيذ هذا المخطط الفاسد الخبيث آنذاك فعموا العداء والكره بين الشعب والكنيسة وروجوا لمظاهر الطغيان الكنسى آنذاك .
وقد لعب الفكر دوراً بارزاً فى هذه المؤامرة على الدين والأخلاق ، سياج المجتمعات فروجوا لنظرية دارون الإلحادية ، التى أعلن فيها أن الإنسان حيوان مفطور ولا زيادة وقام صراع عنيف بين دارون وبين الكنيسة ، ووقفت الجماهير فى صف الكنيسة فى البداية ولكن عادت فأيدت دارون بفعل اليهود ، إنتقاماً من الكنيسة ، فإرتدت أوروبا على أثرها مادية ملحدة خالصة .
فإنسلخت أوروبا من النصرانية إلى المادية باحثة عن المادة والشهوة ، اللتين حرمتها منها الكنيسة التى قمعت غرائز الإنسان فى سبيل الروح ، فإنفلت الشعب من الشئ إلى نقيضه .
ولم يقنع اليهود بذلك ، والأخلاق لازالت قائمة ، فسلطوا عالم النفس اليهودى الماسونى الخبيث فرويد صاحب التفسير الجنسى للسلوك ، الذى رد كل نشاط يقوم به به الإنسان إلى الجنس ، وإن الكبت الجنسى وعدم إطلاقه ينشئ عنه عقدة أوديب , ومن هذه العقدة تنشأ القيم والأخلاق ، وهى عملية ضارة تنشأ عنها الإضطرابات النفسية والعصبية والعقد ، فضلاً عن تأخير الإنتاج .
فسرى التطور الحديث فى أوربا على أساس مادى جنسى بحت ، ولم يقنعوا بذلك أيضاً ، فلازال الدين قائماً وإن كان معطلاً ، والأخلاق قائمة وإن كانت مسفة ، ويفضى البعض شهواتهم الجنسية عن طريق الزواج .
فأخرجوا للعالم نظريات تدعوا للإلحاد وإنكار الدين بشكل صريح لاإلتواء فيه, منهم نيتشة - لعنه الله - الذى قال مات الإله " تعالى الله على ذلك علواً كبيراً " .
وجاء رُسُّو ومن بعده سارتر ، لينكروا وجود القيم وضرورة إستبدالها ومن ثم محوها ، لانها مفيدة لحرية الإنسان ومعطلة لإنتاجه ، ومكبلة لشهواته ونزواته ، وجاء دوركايم الذى زعم أن الزواج ليس من الفطرة ، وأن الأصل فى البشرية كالبهائم .
وقد وقف اليهود من خلف هؤلاء وغيرهم ، يروجون لأفكارهم ، ويسفهون معارضيهم ، ففشت هذه الأفكار الخبيثة فى المجتمع الأوروبى سريان النار فى الهشيم ، لانها كان مهيئاً لذلك .
هذا على الجانب الفكرى ، اما الجانب السياسى الذى يسيطر على السلوك ، فقد عملوا على إقامة الثورات ضد الحكومات التى تتمسك بـ " الدين والأخلاق " ، بإسم الحرية فقد خرجت أول هذه الثورات فى أوروبا وهى الثورة الفرنسية على أيديهم وتحت شعارانهم .
فقد جاء فى بروتوكولاتهم :" وفى جميع جنبات الدنيا كان من شأن كلمات " حرية – عدالة – مساواة " إن إجتذبت إلى صفوفنا على يد دعاتنا وعملائنا المسخرين ولا يحصيهم عد ، من الذين رفعوا رايتنا بالهتاف ، وكانت هذه الكلمات هى السوس الذى ينخر فى رفاهية الأمميين ، ويقتلع الأمن والراحة من ربوعهم ، ويذهب بالهدؤ ، ويسلبهم روح التضامن " .
فجعلوا أوروبا كلها تنعق بالحرية ، الحرية من الدين والأخلاق والتقاليد ، حرية مطلقة لا قيد لها ، وبعد أن أفسد اليهود أوروبا توجهوا إلى العالم الإسلامى ، محاولين بث تلك الأفكار الخبيثة فى ربوعه ، فلم يكتنفها إلا عدد يسيراً جداً من عملائهم وجهلائنا ، أما على الجانب السياسى فهم يقولون : " كنا نحن أول من نادى فى جماهير الشعب بكلمات الحرية والعدالة والمساواة وهى كلمات لم تزل تردد إلى اليوم ، يرددها من هم بالبغبغاوات أشبه ، ينقضون على طعم الشرك فى كل جو وسماء ، فأفسدوا على العالم رفاهيته ،كما أفسدوا على الفرد حريته الحقيقية وكانت من قبل فى حرو من عبث العلماء " .
فأطلقوا الثورات فى العالم الإسلامى على يد الماسونيين ، فإنساحت فى العالم الإسلامى فانتشرت بين ربوعه ، ضد عملائهم وأعوانهم بغية تقسيم العالم الإسلامى وتمزيقه ، فرد الله كيدهم فى نحرهم ، وأبطل خبثهم , بهذه الأمة بينها محفوظة بحفظ الله, " وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ"[12].
فالله تعالى تعهد وتكفل بحفظ دينه ، فضلاً عن أن الشعوب الإسلامية لاتعانى مما كانت تعانيه أوروبا من قهر وإستبداد دينى ، بل على العكس تماماً من ذلك .
فالمسلمون ينفرون بحسهم الدينى والخلقى من الحرية أو التحرر الغربى ، وينشدون الحرية التى كفلها لهم دينهم فى كل مناحى الحياة وجوانبها ، بل وفى الدين نفسه قال الله تعالى : " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ " [13] .
وإن كانت الحرية عند الغرب مطلب وحق من الحقوق ، فإنها فى الإسلام شرط من شروط التكليف ، فإذا إنتفت الحرية عن الفعل وغلب عليه القمع ، تسقط عن صاحبه المسئولية ، قال تعالى : " فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ " [14] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إبن عباس رضى الله عنهما : " إن الله تجاوز لى عن أمتى الخطأ والنسيان ، وما إستكرهوا عليه " [15] .
والحرية فى الإسلام تنطلق من عقيدة وفكر وسط لا إفراط فيه ولاتفريط ، فهى حرية مسئولة " لاضر ولا ضرار " ، قال تعالى : " فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ " [16] , وهذه الحرية المسئولة لا يقوم بتحديدها إنسان ضعيف تتنازعه الإهواء والميول يترصده شيطان , فالشعوب فى الإسلام ليست حقل تجارب تخضع لتطورات الفكر الانسانى الذى يتسم بالتطور وعدم الثبات طبقاً للظروف والملابسات , ومن ثم فإن الإسلام قد وضع إطاراً عاماً لحرية الانسان , إطاراً يتسم بالثبات والمرونة فى الوقت ذاته , إطارا وضعه خالق الإنسان , إطاراً يضمن صلاح الفرد والجماعة .
والحرية المسئولة هى تلك التى يعرف بها الإنسان أين يتجه وأين يسير ترفع الإنسان وتعلى من قدره وتميزه من حياة البهيمية التى يريدها له المفسدون فى الأرض .
وتتصل الحرية المسئولة بجوهر طبيعة الإنسان والغاية التى من أجلها خلقه الله , كخليفة له فى الأرض , خلقه فى أحسن تقويم ونفخ فيه من روحه وأناطه بعمارة الأرض وزوده بالقدرات والإمكانات التى تؤهله لإداء ذلك الدور العظيم , فبعث إليه الرسل وأنزل الكتب التى تبين له الحلال والحرام والخير والشر وما يحصنه من غوائل الشيطان ونزوات النفس الأمارة , وكفل له مطلق الحرية فى الإختيار بين هذا وذاك لإنه مسئول عن إختياره فى الأخرة أمام الله وفى الدنيا أمام خليفة الله وظله فى الارض إذا تعدت حريته على الاخرين .
وفى النهاية نقول لأعداء البشرية ما قاله الله تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ " [17] ، وقوله تعالى : " وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ " [18] .
لا توجد كلمة لاكتها أفواه الشعوب ، وإستهوتها قلوبهم , وانشغلت بها عقولهم كهذه الكلمة تَنَادَوْا بها فى كل واد وناد ، ذكروها فى كل خطبة أو مقال أو كتاب ، رفعوها شعاراً ، وجعلوها غاية يَرْخُص فى سبيلها كل غال ونفيس! تنفق فى سبيلها الأموال ، وتهدر معها الأوقات ، وتزهق من أجلها الأرواح ، وتسفك فى طلبها الدماء ، قامت تحت شعارها الثورات ، ووقعت تحت لوائها الإنقلابات ، وحيكت من أجلها المؤمرات ...إنها الحرية !
وقد درج إستعمالها بين عامة الناس وخاصتهم ، وبين كبيرهم وصغيرهم ، وبين رجالهم ونسائهم ، يتردد صداها فى جميع جوانب الحياة وأوساطها ، السياسية والإجتماعية والإقتصادية والعسكرية والتربوية بل وداخل الأسر فيما بين أفرادها .
ومن هنا تلوح لنا أهمية تناول هذا الموضوع لنقف منه على:
1 – معناه وخصائصه .
2- نشأته وتطوره .
3- موقف الإسلام منه .
4- بشائر ونفحات .
الحرية ضد العبودية ، والحر ضد العبد
الحرية هى الإباحة التى يتمكن الإنسان من الفعل المعبر عن إرادته فى أى ميدان من ميادين الفعل ، وبأى لون من ألوان التعبير .
أو هى رفع اليد عن الشئ من كل وجه [1].
أو هى القدرة على التصرف بملء الإرادة والإختيار [2] .
ويتضح لنا من تلك التعريفات خصائص ثلاثة للحرية بهذا المعنى .
1 – إنها صادرة عن الإرادة الإنسانية ، إذن هى نسبية ، يفهمها كل شخص وفق إرادته , "لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ"[3]
2 – الحرية مطلقة لاقيود عليها ، فمحصلتها أن يترك للإنسان تمام الإختيار ، قال تعالى: "وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ"[4]
3- لا يترتب عليها أى قيود أو حدود ، فكل شخص يسلك ما يريده ولا جزاء عليه ، قال تعالى : " وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا " [5] .
وبالنظر فى القرآن الكريم ودواووين السنة ، فلن نجد لهذا المفهوم بنصه أو معناه أصلاً ، سوى إسم الفاعل منه فى قوله تعالى : " كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ " [6] ، بالإضافة إلى الأثر الذى ورد فى قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه لعمرو بن العاص : " متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " , وقد ورد هذا المفهوم فى المراجع الفقهية , ولكن يقصد بها تلك الحرية تعنى التحرر من الرق , فهى ضد العبودية , وهو غير موجود الآن .
إذن الحرية بهذه الخصائص لا تعرف القيود ولا الحدود , حرية بلا غاية , حرية من أجل الحرية , يصير مبتغيها كحيوان انطلق من عقاله يهيج فى كل الأودية ولا يعرف له وجة , يهيم بلا هدى وبلا دراية , ويستحسن بنا أن نسميها باسمها المناسب لهذا المفهوم فهى الفوضى التى لا تعرف حدوداً , ولكن لأنها فتنة فهى تسمى بغير اسمها , كما استحل الناس الحرير والخمر والمعازف .
ولا جرم أن أصل هذه الكلمة وإستخدامها بصورتها الحديثة يرجع إلى اليهود ، وإلى معتقدهم الباطل ، فهم يزعمون باطلاً أنهم شعب الله المختار ، وأن الله تعالى قد خلق الأمميين وهم حيوانات ولكنهم فى صورة بشر لخدمة اليهود ، وقد جاء فى التلمود : " إن الأمميين هم الحمير الذين خلقهم الله ليركبهم شعب الله المختار ، وكلما نفق منهم حماراً ركبوا حماراً أخر" ، ومن هنا فإنهم يستبيحون أعراض الأممين ودمائهم ، بل يعدون ذلك تقرباً إلى الرب .
وإذا كان الله تعالى قد قال : " وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ " [7] , فالخطاب موجه إلى يهود موسى فقط والمعاصرين له ، وأن الله تعالى رد على إبراهيم عليه السلام عندما سأله بعض الفضل لذريته ، رد عليه تعالى : " لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ " [8] .
أما وصفهم لغير اليهود بالحمير ، ففى حقيقة الأمر هذا الوصف يخصهم هم ، " رمتنى بدائها وإنسلت " ، فقد قال تعالى : " مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا " [9] .
وفى سبيل هذا المعتقد الفاسد ، كونوا جمعيات ومنظمات سرية عالمية تهدف إلى إفساد الأمميين ، عن طريق دس السم فى العسل , وتسمية الأشياء بغير مسمياتها ، وعلى رأس هذه المنظمات تأتى الصهيونية والماسونية [10].
وقد قرر الله تعالى هذه الحقيقة وأثبت هذا المعتقد وحذر منه ، قال تعالى : " وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ " [11] ، وقد جاء الفعل بصيغة المضارع ليفيد الإستمرار والديمومة ، وأكده بالنون للحذر والحيطة ، ولكن...
وقد إستخدمت هذه المنظمات مطلب الحرية ، كأداة لاغنى عنها لإفساد العالم ، إنطلاقاً من فكر شيطاني محض ، فقد أدركوا تماماً مثلما أدرك الشيطان أن الإنسان مجبول مفطور على الفضول ونيل ما منع منه ، فكل ممنوع منه فهو لديه مرغوب ، فقد أكل آدم وحواء من الشجرة التى منعا منها .... ، حذو النعل بالنعل مثل ما فعل الشيطان .
فقد تبنوا هذا المفهوم وقالوا فيه كما جاء فى بروتوكولاتهم ، : " إن كلمة الحرية تضع كل مجتمع فى صراع مع كل سلطة حتى لو كانت سلطة الله أو الطبيعة ، وحينما نغدوا سادة فسوف نمحوا هذه الكلمة من المعجم " .
وقد روجوا لهذا المطلب بمعناه المطلق من الإباحة واللامسئولية ، للقضاء على المعتقدات والأخلاق ، وفقد وضعوا فى المقابل مطلب الحرية .
وقد إستغلوا ما كانت عليه أوروبا فى عصورها الوسطى من جهل وظلام وقمع وتسلط من قبل رجال الدين آنذاك ، الذين سلبوا من الشعب الأوروبى كل مقومات حريته بل وإنسانيته بإسم التفويض الإلهى ، فكانت أوروبا تربة خصبة لتنفيذ هذا المخطط الفاسد الخبيث آنذاك فعموا العداء والكره بين الشعب والكنيسة وروجوا لمظاهر الطغيان الكنسى آنذاك .
وقد لعب الفكر دوراً بارزاً فى هذه المؤامرة على الدين والأخلاق ، سياج المجتمعات فروجوا لنظرية دارون الإلحادية ، التى أعلن فيها أن الإنسان حيوان مفطور ولا زيادة وقام صراع عنيف بين دارون وبين الكنيسة ، ووقفت الجماهير فى صف الكنيسة فى البداية ولكن عادت فأيدت دارون بفعل اليهود ، إنتقاماً من الكنيسة ، فإرتدت أوروبا على أثرها مادية ملحدة خالصة .
فإنسلخت أوروبا من النصرانية إلى المادية باحثة عن المادة والشهوة ، اللتين حرمتها منها الكنيسة التى قمعت غرائز الإنسان فى سبيل الروح ، فإنفلت الشعب من الشئ إلى نقيضه .
ولم يقنع اليهود بذلك ، والأخلاق لازالت قائمة ، فسلطوا عالم النفس اليهودى الماسونى الخبيث فرويد صاحب التفسير الجنسى للسلوك ، الذى رد كل نشاط يقوم به به الإنسان إلى الجنس ، وإن الكبت الجنسى وعدم إطلاقه ينشئ عنه عقدة أوديب , ومن هذه العقدة تنشأ القيم والأخلاق ، وهى عملية ضارة تنشأ عنها الإضطرابات النفسية والعصبية والعقد ، فضلاً عن تأخير الإنتاج .
فسرى التطور الحديث فى أوربا على أساس مادى جنسى بحت ، ولم يقنعوا بذلك أيضاً ، فلازال الدين قائماً وإن كان معطلاً ، والأخلاق قائمة وإن كانت مسفة ، ويفضى البعض شهواتهم الجنسية عن طريق الزواج .
فأخرجوا للعالم نظريات تدعوا للإلحاد وإنكار الدين بشكل صريح لاإلتواء فيه, منهم نيتشة - لعنه الله - الذى قال مات الإله " تعالى الله على ذلك علواً كبيراً " .
وجاء رُسُّو ومن بعده سارتر ، لينكروا وجود القيم وضرورة إستبدالها ومن ثم محوها ، لانها مفيدة لحرية الإنسان ومعطلة لإنتاجه ، ومكبلة لشهواته ونزواته ، وجاء دوركايم الذى زعم أن الزواج ليس من الفطرة ، وأن الأصل فى البشرية كالبهائم .
وقد وقف اليهود من خلف هؤلاء وغيرهم ، يروجون لأفكارهم ، ويسفهون معارضيهم ، ففشت هذه الأفكار الخبيثة فى المجتمع الأوروبى سريان النار فى الهشيم ، لانها كان مهيئاً لذلك .
هذا على الجانب الفكرى ، اما الجانب السياسى الذى يسيطر على السلوك ، فقد عملوا على إقامة الثورات ضد الحكومات التى تتمسك بـ " الدين والأخلاق " ، بإسم الحرية فقد خرجت أول هذه الثورات فى أوروبا وهى الثورة الفرنسية على أيديهم وتحت شعارانهم .
فقد جاء فى بروتوكولاتهم :" وفى جميع جنبات الدنيا كان من شأن كلمات " حرية – عدالة – مساواة " إن إجتذبت إلى صفوفنا على يد دعاتنا وعملائنا المسخرين ولا يحصيهم عد ، من الذين رفعوا رايتنا بالهتاف ، وكانت هذه الكلمات هى السوس الذى ينخر فى رفاهية الأمميين ، ويقتلع الأمن والراحة من ربوعهم ، ويذهب بالهدؤ ، ويسلبهم روح التضامن " .
فجعلوا أوروبا كلها تنعق بالحرية ، الحرية من الدين والأخلاق والتقاليد ، حرية مطلقة لا قيد لها ، وبعد أن أفسد اليهود أوروبا توجهوا إلى العالم الإسلامى ، محاولين بث تلك الأفكار الخبيثة فى ربوعه ، فلم يكتنفها إلا عدد يسيراً جداً من عملائهم وجهلائنا ، أما على الجانب السياسى فهم يقولون : " كنا نحن أول من نادى فى جماهير الشعب بكلمات الحرية والعدالة والمساواة وهى كلمات لم تزل تردد إلى اليوم ، يرددها من هم بالبغبغاوات أشبه ، ينقضون على طعم الشرك فى كل جو وسماء ، فأفسدوا على العالم رفاهيته ،كما أفسدوا على الفرد حريته الحقيقية وكانت من قبل فى حرو من عبث العلماء " .
فأطلقوا الثورات فى العالم الإسلامى على يد الماسونيين ، فإنساحت فى العالم الإسلامى فانتشرت بين ربوعه ، ضد عملائهم وأعوانهم بغية تقسيم العالم الإسلامى وتمزيقه ، فرد الله كيدهم فى نحرهم ، وأبطل خبثهم , بهذه الأمة بينها محفوظة بحفظ الله, " وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ"[12].
فالله تعالى تعهد وتكفل بحفظ دينه ، فضلاً عن أن الشعوب الإسلامية لاتعانى مما كانت تعانيه أوروبا من قهر وإستبداد دينى ، بل على العكس تماماً من ذلك .
فالمسلمون ينفرون بحسهم الدينى والخلقى من الحرية أو التحرر الغربى ، وينشدون الحرية التى كفلها لهم دينهم فى كل مناحى الحياة وجوانبها ، بل وفى الدين نفسه قال الله تعالى : " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ " [13] .
وإن كانت الحرية عند الغرب مطلب وحق من الحقوق ، فإنها فى الإسلام شرط من شروط التكليف ، فإذا إنتفت الحرية عن الفعل وغلب عليه القمع ، تسقط عن صاحبه المسئولية ، قال تعالى : " فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ " [14] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إبن عباس رضى الله عنهما : " إن الله تجاوز لى عن أمتى الخطأ والنسيان ، وما إستكرهوا عليه " [15] .
والحرية فى الإسلام تنطلق من عقيدة وفكر وسط لا إفراط فيه ولاتفريط ، فهى حرية مسئولة " لاضر ولا ضرار " ، قال تعالى : " فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ " [16] , وهذه الحرية المسئولة لا يقوم بتحديدها إنسان ضعيف تتنازعه الإهواء والميول يترصده شيطان , فالشعوب فى الإسلام ليست حقل تجارب تخضع لتطورات الفكر الانسانى الذى يتسم بالتطور وعدم الثبات طبقاً للظروف والملابسات , ومن ثم فإن الإسلام قد وضع إطاراً عاماً لحرية الانسان , إطاراً يتسم بالثبات والمرونة فى الوقت ذاته , إطارا وضعه خالق الإنسان , إطاراً يضمن صلاح الفرد والجماعة .
والحرية المسئولة هى تلك التى يعرف بها الإنسان أين يتجه وأين يسير ترفع الإنسان وتعلى من قدره وتميزه من حياة البهيمية التى يريدها له المفسدون فى الأرض .
وتتصل الحرية المسئولة بجوهر طبيعة الإنسان والغاية التى من أجلها خلقه الله , كخليفة له فى الأرض , خلقه فى أحسن تقويم ونفخ فيه من روحه وأناطه بعمارة الأرض وزوده بالقدرات والإمكانات التى تؤهله لإداء ذلك الدور العظيم , فبعث إليه الرسل وأنزل الكتب التى تبين له الحلال والحرام والخير والشر وما يحصنه من غوائل الشيطان ونزوات النفس الأمارة , وكفل له مطلق الحرية فى الإختيار بين هذا وذاك لإنه مسئول عن إختياره فى الأخرة أمام الله وفى الدنيا أمام خليفة الله وظله فى الارض إذا تعدت حريته على الاخرين .
وفى النهاية نقول لأعداء البشرية ما قاله الله تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ " [17] ، وقوله تعالى : " وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ " [18] .
رد: الحرية (النشأة والغاية)
شكراً لك
nnn2- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 4858
التقييم : 3
العمر : 27
احترام قوانين المنتدى :
رد: الحرية (النشأة والغاية)
شكرا لك
nnn2- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 4858
التقييم : 3
العمر : 27
احترام قوانين المنتدى :
رد: الحرية (النشأة والغاية)
موضوع قيم بــآرك الله فيك
maher- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 3362
التقييم : 2
العمر : 23
احترام قوانين المنتدى :
رد: الحرية (النشأة والغاية)
بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز
وفي إنتظار جديدك الأروع والمميز
لك مني أجمل التحيات
وكل التوفيق لك يا رب
وفي إنتظار جديدك الأروع والمميز
لك مني أجمل التحيات
وكل التوفيق لك يا رب
G.Mohamed- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 4329
التقييم : 5
العمر : 25
احترام قوانين المنتدى :
رد: الحرية (النشأة والغاية)
شكرآ لك
Pro Gaming Network- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 1080
التقييم : 0
العمر : 20
احترام قوانين المنتدى :
رد: الحرية (النشأة والغاية)
تسسسسسلم ما قصرت جععله في ميزان حسناتك تقبل مروري البسيط
دمت لنا ودامت مواضيعك
دمت لنا ودامت مواضيعك
Mr.Mohammed- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 3073
التقييم : 1
احترام قوانين المنتدى :
مواضيع مماثلة
» هل الحرية قبل الشريعة ؟
» من ربقة الحرية إلى نعمة العبودية
» خواطر11 | الحلقة 2 | الحرية المالية 2 - YouTube
» خواطر11 | الحلقة 8| ابتسامة الحرية - YouTube
» من ربقة الحرية إلى نعمة العبودية
» خواطر11 | الحلقة 2 | الحرية المالية 2 - YouTube
» خواطر11 | الحلقة 8| ابتسامة الحرية - YouTube
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى