التمسك بالإسلام حقا هو سبب النصر والنجاة في الآخرة
5 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
التمسك بالإسلام حقا هو سبب النصر والنجاة في الآخرة
الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعدفإن الله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق ليعبد وحده لا شريك له، وأنزل كتبهوأرسل رسله للأمر بذلك والدعوة إليه
كما قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ1، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ2، وقال عز وجل: الركِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍخَبِيرٍ * أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌوَبَشِيرٌ3، وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ4الآية وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ5
فهذهالآيات وأمثالها كلها تدل على أن الله عز وجل إنما خلق الثقلين ليعبد وحدهلا شريك له، وأن ذلك هو الحكمة في خلقهما، كما تدل على أنه عز وجل إنماأنزل الكتب وأرسل الرسل لهذه الحكمة نفسها
والعبادةهي الخضوع له والتذلل لعظمته بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، عن إيمان بهسبحانه وإيمان برسله، وإخلاص له في العمل، وتصديق بكل ما أخبر به ورسولهمحمد صلى الله عليه وسلم، وهذا هو أصل الدين وأساس الملة، وهو معنى لا إلهإلا الله
فإن معناها: لا معبود حقٌ إلا الله،فجميع العبادات من دعاء وخوف ورجاء وصلاة وصوم وذبح ونذر وغير ذلك يجب أنتكون لله وحده، وأن لا يصرف من ذلك شيء لسواه للآيات السابقات؛ ولقوله عز وجل: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ6الآية، وقوله عز وجل: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَاللَّهِ أَحَدًا7، وقوله سبحانه: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُالْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْقِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوامَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْوَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ8
وقال تعالى: وَمَنْأَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَاحُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْكَافِرِينَ9
وقال عز وجل:وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِفَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ10
فأبانسبحانه في هذه الآيات أنه المالك لكل شيء، وأن العبادة حقه سبحانه، وأنجميع المعبودين من دونه من أنبياء وأولياء وأصنام وأشجار وأحجار وغيرهم لايملكون شيئاً، ولا يسمعون دعاء من دعاهم، ولو سمعوا دعاءه لم يستجيبوا له،وأخبر أن ذلك شرك به عز وجل، ونفي الفلاح عن أهله، كما أخبر سبحانه أنه لاأضل ممن دعا غيره، وأن ذلك المدعو من دون الله لا يستجيب لداعيه إلى يومالقيامة، وأنه غافل عن دعائه إياه، وأنه يوم القيامة ينكر عبادته إياه،ويتبرأ منها، ويعاديه عليها، فكفى بهذا تنفيراً من الشرك وتحذيراً منه،وبياناً لخسران أهله وسوء عاقبتهم وترشد الآيات كلها إلى أن عبادة ما سواهباطلة، وأن العبادة بحق لله وحده، ويؤيد ذلك صريحاً
قوله عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ11الآية من سورة الحج وذكر سبحانه في مواضع أخرى من كتابه أن من الحكمة فيخلق الخليقة أن يعرف سبحانه بعلمه الشامل وقدرته الكاملة، وأنه عز وجلسيجزي عباده في الآخرة بأعمالهم
كماقال عز وجل: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِمِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّاللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّشَيْءٍ عِلْمًا12 وقال تعالى: أَمْحَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْكَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْوَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِوَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْلا يُظْلَمُونَ13
فالواجبعلى كل ذي لب أن ينظر فيما خلق له، وأن يحاسب نفسه ويجاهدها لله حتى يؤديحقه وحق عباده، وحتى يحذر ما نهاه الله عنه ليفوز بالسعادة والعاقبةالحميدة في الدنيا والآخرة، وهذا العلم هو أنفع العلوم وأهمها وأفضلهاوأعظمها؛ لأنه أساس الملة وزبدة ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام،وخلاصة دعوتهم، ولا يتم ذلك ولا يحصل به النجاة إلا بعد أن يضاف إليهالإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام، وعلى رأسهم إمامهم وسيدهم وخاتمهمنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومقتضى هذا الإيمان، تصديقه صلى الله عليهوسلم في أخباره وطاعة أوامره وترك نواهيه، وأن لا يعبد الله سبحانه إلابالشريعة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام وهكذا كل أمة بعث الله إليهارسولاً لا يصح إسلامها ولا يتم إيمانها، ولا تحصل لها السعادة والنجاة إلابتوحيدها لله، وإخلاص العبادة له عز وجل، ومتابعة رسولها صلى الله عليهوسلم، وعدم الخروج عن شريعته، وهذا هو الإسلام الذي رضيه الله لعباده،وأخبر أنه هو دينه
كما في قوله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا[14]، وقوله عز وجل: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ[15]ـ
وبهذا يتضح لذوي البصائر أن أصل دين الإسلام وقاعدته أمران
أحدهما: أن لا يعبد إلا الله وحده، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله
الثاني: أن لا يعبد إلا بشريعة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم
فالأول يبطل جميع الآلهة المعبودة من دون الله، ويعلم به أن المعبود بحق هو الله وحده، والثانييبطل التعبد بالآراء والبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، كما يتضح بهبطلان تحكيم القوانين الوضعية والآراء البشرية، ويعلم به أن الواجب هوتحكيم شريعة الله في كل شيء، ولا يكون العبد مسلماً إلا بالأمرين جميعاً
كما قال الله عز وجل: ثُمَّجَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْأَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَمِنَ اللَّهِ شَيْئًا[16]،وقال سبحانه: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَاشَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّاقَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[17]، وقال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[18]،وقال عز وجل: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَهُمُ الْكَافِرُونَ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُفَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَاللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[19]، وهذهالآيات تتضمن غاية التحذير والتنفير من الحكم بغير ما أنزل الله، وترشدالأمة حكومة وشعباً إلى أن الواجب على الجميع هو الحكم بما أنزل اللهوالخضوع له والرضا به، والحذر مما يخالفه، كما تدل أوضح دلالة على أن حكمالله سبحانه هو أحسن الأحكام وأعدلها، وأن الحكم بغيره كفر وظلم وفسق،وأنه هو حكم الجاهلية الذي جاء شرع الله بإبطاله والنهي عنه، ولا صلاحللمجتمعات ولا سعادة لها ولا أمن ولا استقرار إلا بأن يحكم قادتها شريعةالله، وينفذوا حكمه في عباده، ويخلصوا له القول والعمل، ويقفوا عند حدودهالتي حدها لعباده، وبذلك يفوز الجميع بالنجاة والعز في الدنيا والآخرة،كما يفوزون بالنصر على الأعداء والسلامة من كيدهم واستعادة المجد السليب،والعز الغابر
كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ[20]،وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَيَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْوَيَغْفِرْ لَكُمْ[21]، وقال سبحانه: وَلَيَنْصُرَنَّاللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَإِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُاالزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ[22]ـ
ولما حذر سبحانه من اتخاذ الكفار بطانة من دون المؤمنين وأخبر أن الكفار لا يألون المسلمين خبالاً، وأنهم يودون عنتهم، قال بعد ذلك: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ[23]. وهذاالأصل الأصيل والفقه الأكبر هو أولى ما كتب فيه الكاتبون، وعني به دعاةالهدى وأنصار الحق، وهو أحق العلوم أن يعض عليه بالنواجذ، وينشر بين جميعالطبقات حتى يعلموا حقيقته ويبتعدوا عما يخالفه. وإني لأنصح إخواني أهلالعلم والقائمين بالدعوة إلى الله سبحانه بأن يعنوا بهذا الأصل العظيم،ويكتبوا فيه ما أمكنهم من المقالات والرسائل حتى ينتشر ذلك بين الأنام،ويعلمه الخاص والعام؛ لعظم شأنه وشدة الضرورة إليه، ولما وقع بسبب الجهلبه في غالب البلدان الإسلامية من الغلو في تعظيم القبور، ولاسيما قبور منيسمونهم بالأولياء، واتخاذ المساجد عليها، وصرف الكثير من العبادة لأهلها،كالدعاء والاستغاثة والذبح والنذر وغير ذلك. ولما وقع أيضاً بسببالجهل بهذا الأصل الأصيل في غالب البلاد الإسلامية من تحكيم القوانينالوضعية والآراء البشرية، والإعراض عن حكم الله ورسوله الذي هو أعدلالأحكام وأحسنها
فنسألالله أن يرد المسلمين إليه رداً حميداً، وأن يصلح قادتهم، وأن يوفق الجميعللتمسك بشريعة الله والسير عليها، والحكم بها والتحاكم إليها، والتسليملذلك والرضا به، والحذر مما يخالفها، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى اللهوسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وأصحابه ومن سار على طريقه واهتدىبهداه إلى يوم الدين
الهامش
ـ[1] سورة الذاريات الآية 56
ـ [2] سورة البقرة الآية 21
ـ[3] سورة هود الآيتان 1-2
ـ [4] سورة النحل الآية 36
ـ [5] سورة الأنبياء الآية 25
ـ[6] سورة البينة الآية 5
ـ[7] سورة الجن الآية 18
ـ[8] سورة فاطر الآيتان 13-14
ـ[9] سورة الأحقاف الآيتان 5-6
ـ[10] سورة المؤمنون الآية 117
ـ [11] سورة الحج الآية 162
ـ[12] سورة الطلاق الآية 12
ـ[13] سورة الجاثية الآية 21-22
ـ [14] سورة المائدة الآية 3
ـ [15] سورة آل عمران الآية 19
ـ [16] سورة الجاثية الآية 18-19
ـ[17] سورة النساء الآية 65
ـ[18] سورة المائدة الآية 50
ـ[19] المائدة الآيات 44-45-47
ـ [20] سورة محمد الآية 7
ـ[21] سورة الأنفال الآية 29
ـ [22] سورة الحج الآيتان 40-41
ـ [23] سورة آل عمران الآية
دمتم برعاية الله
كما قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ1، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ2، وقال عز وجل: الركِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍخَبِيرٍ * أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌوَبَشِيرٌ3، وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ4الآية وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ5
فهذهالآيات وأمثالها كلها تدل على أن الله عز وجل إنما خلق الثقلين ليعبد وحدهلا شريك له، وأن ذلك هو الحكمة في خلقهما، كما تدل على أنه عز وجل إنماأنزل الكتب وأرسل الرسل لهذه الحكمة نفسها
والعبادةهي الخضوع له والتذلل لعظمته بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، عن إيمان بهسبحانه وإيمان برسله، وإخلاص له في العمل، وتصديق بكل ما أخبر به ورسولهمحمد صلى الله عليه وسلم، وهذا هو أصل الدين وأساس الملة، وهو معنى لا إلهإلا الله
فإن معناها: لا معبود حقٌ إلا الله،فجميع العبادات من دعاء وخوف ورجاء وصلاة وصوم وذبح ونذر وغير ذلك يجب أنتكون لله وحده، وأن لا يصرف من ذلك شيء لسواه للآيات السابقات؛ ولقوله عز وجل: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ6الآية، وقوله عز وجل: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَاللَّهِ أَحَدًا7، وقوله سبحانه: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُالْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْقِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوامَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْوَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ8
وقال تعالى: وَمَنْأَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَاحُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْكَافِرِينَ9
وقال عز وجل:وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِفَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ10
فأبانسبحانه في هذه الآيات أنه المالك لكل شيء، وأن العبادة حقه سبحانه، وأنجميع المعبودين من دونه من أنبياء وأولياء وأصنام وأشجار وأحجار وغيرهم لايملكون شيئاً، ولا يسمعون دعاء من دعاهم، ولو سمعوا دعاءه لم يستجيبوا له،وأخبر أن ذلك شرك به عز وجل، ونفي الفلاح عن أهله، كما أخبر سبحانه أنه لاأضل ممن دعا غيره، وأن ذلك المدعو من دون الله لا يستجيب لداعيه إلى يومالقيامة، وأنه غافل عن دعائه إياه، وأنه يوم القيامة ينكر عبادته إياه،ويتبرأ منها، ويعاديه عليها، فكفى بهذا تنفيراً من الشرك وتحذيراً منه،وبياناً لخسران أهله وسوء عاقبتهم وترشد الآيات كلها إلى أن عبادة ما سواهباطلة، وأن العبادة بحق لله وحده، ويؤيد ذلك صريحاً
قوله عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ11الآية من سورة الحج وذكر سبحانه في مواضع أخرى من كتابه أن من الحكمة فيخلق الخليقة أن يعرف سبحانه بعلمه الشامل وقدرته الكاملة، وأنه عز وجلسيجزي عباده في الآخرة بأعمالهم
كماقال عز وجل: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِمِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّاللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّشَيْءٍ عِلْمًا12 وقال تعالى: أَمْحَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْكَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْوَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِوَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْلا يُظْلَمُونَ13
فالواجبعلى كل ذي لب أن ينظر فيما خلق له، وأن يحاسب نفسه ويجاهدها لله حتى يؤديحقه وحق عباده، وحتى يحذر ما نهاه الله عنه ليفوز بالسعادة والعاقبةالحميدة في الدنيا والآخرة، وهذا العلم هو أنفع العلوم وأهمها وأفضلهاوأعظمها؛ لأنه أساس الملة وزبدة ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام،وخلاصة دعوتهم، ولا يتم ذلك ولا يحصل به النجاة إلا بعد أن يضاف إليهالإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام، وعلى رأسهم إمامهم وسيدهم وخاتمهمنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومقتضى هذا الإيمان، تصديقه صلى الله عليهوسلم في أخباره وطاعة أوامره وترك نواهيه، وأن لا يعبد الله سبحانه إلابالشريعة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام وهكذا كل أمة بعث الله إليهارسولاً لا يصح إسلامها ولا يتم إيمانها، ولا تحصل لها السعادة والنجاة إلابتوحيدها لله، وإخلاص العبادة له عز وجل، ومتابعة رسولها صلى الله عليهوسلم، وعدم الخروج عن شريعته، وهذا هو الإسلام الذي رضيه الله لعباده،وأخبر أنه هو دينه
كما في قوله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا[14]، وقوله عز وجل: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ[15]ـ
وبهذا يتضح لذوي البصائر أن أصل دين الإسلام وقاعدته أمران
أحدهما: أن لا يعبد إلا الله وحده، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله
الثاني: أن لا يعبد إلا بشريعة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم
فالأول يبطل جميع الآلهة المعبودة من دون الله، ويعلم به أن المعبود بحق هو الله وحده، والثانييبطل التعبد بالآراء والبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، كما يتضح بهبطلان تحكيم القوانين الوضعية والآراء البشرية، ويعلم به أن الواجب هوتحكيم شريعة الله في كل شيء، ولا يكون العبد مسلماً إلا بالأمرين جميعاً
كما قال الله عز وجل: ثُمَّجَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْأَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَمِنَ اللَّهِ شَيْئًا[16]،وقال سبحانه: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَاشَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّاقَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[17]، وقال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[18]،وقال عز وجل: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَهُمُ الْكَافِرُونَ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُفَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَاللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[19]، وهذهالآيات تتضمن غاية التحذير والتنفير من الحكم بغير ما أنزل الله، وترشدالأمة حكومة وشعباً إلى أن الواجب على الجميع هو الحكم بما أنزل اللهوالخضوع له والرضا به، والحذر مما يخالفه، كما تدل أوضح دلالة على أن حكمالله سبحانه هو أحسن الأحكام وأعدلها، وأن الحكم بغيره كفر وظلم وفسق،وأنه هو حكم الجاهلية الذي جاء شرع الله بإبطاله والنهي عنه، ولا صلاحللمجتمعات ولا سعادة لها ولا أمن ولا استقرار إلا بأن يحكم قادتها شريعةالله، وينفذوا حكمه في عباده، ويخلصوا له القول والعمل، ويقفوا عند حدودهالتي حدها لعباده، وبذلك يفوز الجميع بالنجاة والعز في الدنيا والآخرة،كما يفوزون بالنصر على الأعداء والسلامة من كيدهم واستعادة المجد السليب،والعز الغابر
كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ[20]،وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَيَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْوَيَغْفِرْ لَكُمْ[21]، وقال سبحانه: وَلَيَنْصُرَنَّاللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَإِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُاالزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ[22]ـ
ولما حذر سبحانه من اتخاذ الكفار بطانة من دون المؤمنين وأخبر أن الكفار لا يألون المسلمين خبالاً، وأنهم يودون عنتهم، قال بعد ذلك: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ[23]. وهذاالأصل الأصيل والفقه الأكبر هو أولى ما كتب فيه الكاتبون، وعني به دعاةالهدى وأنصار الحق، وهو أحق العلوم أن يعض عليه بالنواجذ، وينشر بين جميعالطبقات حتى يعلموا حقيقته ويبتعدوا عما يخالفه. وإني لأنصح إخواني أهلالعلم والقائمين بالدعوة إلى الله سبحانه بأن يعنوا بهذا الأصل العظيم،ويكتبوا فيه ما أمكنهم من المقالات والرسائل حتى ينتشر ذلك بين الأنام،ويعلمه الخاص والعام؛ لعظم شأنه وشدة الضرورة إليه، ولما وقع بسبب الجهلبه في غالب البلدان الإسلامية من الغلو في تعظيم القبور، ولاسيما قبور منيسمونهم بالأولياء، واتخاذ المساجد عليها، وصرف الكثير من العبادة لأهلها،كالدعاء والاستغاثة والذبح والنذر وغير ذلك. ولما وقع أيضاً بسببالجهل بهذا الأصل الأصيل في غالب البلاد الإسلامية من تحكيم القوانينالوضعية والآراء البشرية، والإعراض عن حكم الله ورسوله الذي هو أعدلالأحكام وأحسنها
فنسألالله أن يرد المسلمين إليه رداً حميداً، وأن يصلح قادتهم، وأن يوفق الجميعللتمسك بشريعة الله والسير عليها، والحكم بها والتحاكم إليها، والتسليملذلك والرضا به، والحذر مما يخالفها، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى اللهوسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وأصحابه ومن سار على طريقه واهتدىبهداه إلى يوم الدين
الهامش
ـ[1] سورة الذاريات الآية 56
ـ [2] سورة البقرة الآية 21
ـ[3] سورة هود الآيتان 1-2
ـ [4] سورة النحل الآية 36
ـ [5] سورة الأنبياء الآية 25
ـ[6] سورة البينة الآية 5
ـ[7] سورة الجن الآية 18
ـ[8] سورة فاطر الآيتان 13-14
ـ[9] سورة الأحقاف الآيتان 5-6
ـ[10] سورة المؤمنون الآية 117
ـ [11] سورة الحج الآية 162
ـ[12] سورة الطلاق الآية 12
ـ[13] سورة الجاثية الآية 21-22
ـ [14] سورة المائدة الآية 3
ـ [15] سورة آل عمران الآية 19
ـ [16] سورة الجاثية الآية 18-19
ـ[17] سورة النساء الآية 65
ـ[18] سورة المائدة الآية 50
ـ[19] المائدة الآيات 44-45-47
ـ [20] سورة محمد الآية 7
ـ[21] سورة الأنفال الآية 29
ـ [22] سورة الحج الآيتان 40-41
ـ [23] سورة آل عمران الآية
دمتم برعاية الله
AHMED LZRG- عضو سوبر
- عدد المساهمات : 1312
التقييم : 0
احترام قوانين المنتدى :
AmEr-Dz- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 6639
التقييم : 4
العمر : 29
احترام قوانين المنتدى :
رد: التمسك بالإسلام حقا هو سبب النصر والنجاة في الآخرة
دائما متميز في الانتقاء
سلمت على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا روعه مواضيعك
لكـ خالص احترامي
سلمت على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا روعه مواضيعك
لكـ خالص احترامي
رد: التمسك بالإسلام حقا هو سبب النصر والنجاة في الآخرة
جزاك الله خير
اسير الماضي- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 8888
التقييم : 4
العمر : 29
احترام قوانين المنتدى :
مواضيع مماثلة
» التمسك بالإسلام والحذر من الشرك
» هل كِبَرُ السن يعدّ سببا لدخول الجنة ، والنجاة من النار ؟
» التمسك بالسنة
» التمسك بالسنة
» التمسك بالسنة
» هل كِبَرُ السن يعدّ سببا لدخول الجنة ، والنجاة من النار ؟
» التمسك بالسنة
» التمسك بالسنة
» التمسك بالسنة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى