التقصير في الشكر وأسبابه
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
التقصير في الشكر وأسبابه
التقصير في الشكر وأسبابه للشيخ الفوزان
أخبر الله في محكم كتابه أن الخلق عاجزون عن إحصاء نعم الله تعالى عليهم ، فقال عز من قائل : (( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا )) (النحل:18) .
وهذا يعني أنهم لن يقوموا بشكر نعم الله تعالى على الوجه المطلوب. لأن من لا يحصي نعمة الله عليه كيف يقوم بشكرها .
ولعل العبد لا يكون مقصراً إذا بذل قصارى جهده في الشكر بتحقيق العبودية لله رب العالمين على حد قوله تعالى : (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )) (التغابن: 16) .
إنما التقصير الذي نعنيه ، أن يتقلب الإنسان في نعم الله تعالى ليلاً ونهاراً ، ظاعناً ومقيماً نائماً ويقظانَ ، ثم يصدر من أقواله وأفعاله أو اعتقاداته مالا يجامع الشكر بحال من الأحوال ، فهذا التقصير الاختياري هو الذي نريد أن نعرف شيئاً عن أسبابه . ثم نأتي بعد ذلك بما فتح الله به من علاج .
والتوفيق بيد الله . فمن هذه الأسباب:
السبب الأول : الغفلة عن النعمة
إن كثيراً من الناس يعيش في نعم عظيمة – عامة وخاصة – لكنه غافل عنها ، لا يدري أنه يعيش في نعمة ، ذلك لأنه ألفها ونشأ فيها . ولم يمرَّ عليه في حياته ضد لها ، فهو يظن أن الأمر هكذا . والإنسان إذا لم يعرف النعمة ويشعر بها كيف يقوم بشكرها ، لأن الشكر مبني على معرفة النعمة واستحضارها وإدراك أنها نعمة أنعم الله عليه بها .
قال بعض السلف : ( النعمة من الله على عبده مجهولة ، فإذا فُقدت عُرفت ) [1].
إن كثيراً من الناس في زماننا هذا يتقلبون في نعم الله تعالى ، يملئون بطونهم بالطعام والشراب ، ويلبسون أحسن اللباس ، ويتدثرون بأنعم الغطاء ، ويركبون أحسن المراكب ، ثم يمضون لشأنهم ، لا يتذكرون نعمة ، ولا يعرفون لله حقاًّ ، فهم كالدواب تَدُسُّ فمها في مِِزْودها ، فإذا شبعت انصرفت ،وهذا هو حسبها .
والنعم إذا كثرت بتوالي الخيرات وتنوعها غفل الإنسان عن الخالين منها ، وظن أن غيره كذلك ، فلم يصدر منه شكر للمنعم . ولهذا أمر الله تعالى عباده بأن يذكروا نعمة عليهم – كما تقدم – لأن تذكر النعم داع إلى شكرها ، قال تعالى : (( وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ )) (البقرة :231).
السبب الثاني : الجهل بحقيقة النعمة
من الناس من يجهل النعمة ، لا يعرف حقيقتها ولا يدرك كنهها ، ولا يدري أنه في نعمة ، لأنه لا يدري حقيقة النعم ، بل قد يرى بعض إنعام الله عليه قليلاً لا يستحق أن يطلق عليه نعمة ، ومن لم يعرف النعمة بل كان جاهلاً بها لم يشكرها.
إن من الناس من إذا رأى النعمة مبذولة له ولغيره لم ير أنه مختص بها ، فلا يشكر الله ، لأنه لا يرى أنه في نعمة ما دام غيره في هذه النعمة، فأعرض كثير عن شكر نعم الله العظيمة في النفس من الجوارح والحواس ، وعن نعم الله العظيمة في هذا الكون .
خذ مثلاً نعمة البصر، فهي من نعم الله العظيمة التي يغفل عنها الناس فمن الذي يدرك هذه النعمة ويرعى حقها ويقوم بشكرها ؟ إنهم قليلون .
لو عمي إنسان فرد الله عليه بصره بسبب قدَّره الله . هل ينظر إلى بصره في الحالة الثانية كغفلته في الحالة الأولى !؟ ، لا، لأنه أدرك قيمة هذه النعمة بعد فقدها . فهذا قد يشكر الله على نعمة البصر ، ولكنه سرعان ما ينسى ذلك ، وهذا غاية الجهل إذ صار شكره موقوفاً على سلب النعمة ثم ردِّها مع أن الدائم أحق بالشكر من المنقطع أحياناً[2].
السبب الثالث : نظر بعض الناس إلى من فوقه
إذا نظر الإنسان إلى من فوقه ممن فُضِّل عليه احتقر ما أعطاه الله تعالى من فضله ، فقصر في وظيفة الشكر ؛ لأنه يرى أن ما أعطيه قليل ، فيطلب الازدياد ليلحق بمن فوقه أو يقاربه . وهذا موجود في غالب الناس . فينشغل قلبه ويتعب جوارحه في طلب اللحاق بمن فضلوا عليه في متاع الحياة الدنيا . فيصير همه جمع الدنيا ويغفل عن الشكر والقيام بوظيفة العبودة التي خلق لأجلها ، وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا نظر أحدكم إلى من فُضِّل عليه في المال والخَلْقِ فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل عليه )) [3].
السبب الرابع : نسيان الماضي
من الناس من مرت به حياة البؤس والعوز ، وعاش أيام الخوف والقلق ، إما في مال أو معيشة أو مسكن .
ولما أنعم الله عليه وآتاه من فضله لم يشأ أن يعمل مقارنة بين ماضيه وحاضره ليتبين له فضل ربه عليه ، لعل ذلك يكون عوناً له على شكر النعم ، لكنه غرق في نعم الله الحاضرة ونسي حالته الماضية ، ولذا ترى أناساً عاشوا حياة الفقر في غابر أزمانهم، وهم مقصرون في الشكر بما ترى من أحوالهم .
وعلى الإنسان أن يأخذ درساً مما ورد في الحديث الصحيح [4]: (( أن ثلاثة من بني إسرائيل أراد الله أن يبتليهم أبرص وأقرع وأعمى ، فأظهر الابتلاء حقائقهم التي كانت في علمه من قبل أن يخلقهم ، فأما الأعمى فاعترف بإنعام الله عليه وأنه كان أعمى فقيراً فأعطاه الله البصر والغنى ، وبَذلَ للسائل ما طلبه شكراً لله ، وأما الأقرع والأبرص فكلاهما جحدا ما كانا عليه قبل ذلك من سوء الحال والفقر. وقالا في الغنى : إنما أوتيته كابراً عن كابر . وهذا حال أكثر الناس لا يعترف بما كان عليه أولاً من نقص أو جهل وفقر وذنوب ، وأن الله سبحانه نقله من ذلك إلى ضد ما كان عليه وأنعم عليه بذلك))[5].
[1] ربيع الأبرار ( 4 / 325 ) .
[2] انظر مختصر منهاج القاصدين ص (288) .
[3] رواه مسلم رقم ( 2963 ) وانظر جامع الأصول (10 / 142) .
[4] هو حديث أبي هريرة الطويل : ( إن ثلاثة من بني إسرائيل : أبرص وأقرع وأعمى ..) رواه البخاري برقم (3277) مسلم رقم (2946)
أخبر الله في محكم كتابه أن الخلق عاجزون عن إحصاء نعم الله تعالى عليهم ، فقال عز من قائل : (( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا )) (النحل:18) .
وهذا يعني أنهم لن يقوموا بشكر نعم الله تعالى على الوجه المطلوب. لأن من لا يحصي نعمة الله عليه كيف يقوم بشكرها .
ولعل العبد لا يكون مقصراً إذا بذل قصارى جهده في الشكر بتحقيق العبودية لله رب العالمين على حد قوله تعالى : (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )) (التغابن: 16) .
إنما التقصير الذي نعنيه ، أن يتقلب الإنسان في نعم الله تعالى ليلاً ونهاراً ، ظاعناً ومقيماً نائماً ويقظانَ ، ثم يصدر من أقواله وأفعاله أو اعتقاداته مالا يجامع الشكر بحال من الأحوال ، فهذا التقصير الاختياري هو الذي نريد أن نعرف شيئاً عن أسبابه . ثم نأتي بعد ذلك بما فتح الله به من علاج .
والتوفيق بيد الله . فمن هذه الأسباب:
السبب الأول : الغفلة عن النعمة
إن كثيراً من الناس يعيش في نعم عظيمة – عامة وخاصة – لكنه غافل عنها ، لا يدري أنه يعيش في نعمة ، ذلك لأنه ألفها ونشأ فيها . ولم يمرَّ عليه في حياته ضد لها ، فهو يظن أن الأمر هكذا . والإنسان إذا لم يعرف النعمة ويشعر بها كيف يقوم بشكرها ، لأن الشكر مبني على معرفة النعمة واستحضارها وإدراك أنها نعمة أنعم الله عليه بها .
قال بعض السلف : ( النعمة من الله على عبده مجهولة ، فإذا فُقدت عُرفت ) [1].
إن كثيراً من الناس في زماننا هذا يتقلبون في نعم الله تعالى ، يملئون بطونهم بالطعام والشراب ، ويلبسون أحسن اللباس ، ويتدثرون بأنعم الغطاء ، ويركبون أحسن المراكب ، ثم يمضون لشأنهم ، لا يتذكرون نعمة ، ولا يعرفون لله حقاًّ ، فهم كالدواب تَدُسُّ فمها في مِِزْودها ، فإذا شبعت انصرفت ،وهذا هو حسبها .
والنعم إذا كثرت بتوالي الخيرات وتنوعها غفل الإنسان عن الخالين منها ، وظن أن غيره كذلك ، فلم يصدر منه شكر للمنعم . ولهذا أمر الله تعالى عباده بأن يذكروا نعمة عليهم – كما تقدم – لأن تذكر النعم داع إلى شكرها ، قال تعالى : (( وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ )) (البقرة :231).
السبب الثاني : الجهل بحقيقة النعمة
من الناس من يجهل النعمة ، لا يعرف حقيقتها ولا يدرك كنهها ، ولا يدري أنه في نعمة ، لأنه لا يدري حقيقة النعم ، بل قد يرى بعض إنعام الله عليه قليلاً لا يستحق أن يطلق عليه نعمة ، ومن لم يعرف النعمة بل كان جاهلاً بها لم يشكرها.
إن من الناس من إذا رأى النعمة مبذولة له ولغيره لم ير أنه مختص بها ، فلا يشكر الله ، لأنه لا يرى أنه في نعمة ما دام غيره في هذه النعمة، فأعرض كثير عن شكر نعم الله العظيمة في النفس من الجوارح والحواس ، وعن نعم الله العظيمة في هذا الكون .
خذ مثلاً نعمة البصر، فهي من نعم الله العظيمة التي يغفل عنها الناس فمن الذي يدرك هذه النعمة ويرعى حقها ويقوم بشكرها ؟ إنهم قليلون .
لو عمي إنسان فرد الله عليه بصره بسبب قدَّره الله . هل ينظر إلى بصره في الحالة الثانية كغفلته في الحالة الأولى !؟ ، لا، لأنه أدرك قيمة هذه النعمة بعد فقدها . فهذا قد يشكر الله على نعمة البصر ، ولكنه سرعان ما ينسى ذلك ، وهذا غاية الجهل إذ صار شكره موقوفاً على سلب النعمة ثم ردِّها مع أن الدائم أحق بالشكر من المنقطع أحياناً[2].
السبب الثالث : نظر بعض الناس إلى من فوقه
إذا نظر الإنسان إلى من فوقه ممن فُضِّل عليه احتقر ما أعطاه الله تعالى من فضله ، فقصر في وظيفة الشكر ؛ لأنه يرى أن ما أعطيه قليل ، فيطلب الازدياد ليلحق بمن فوقه أو يقاربه . وهذا موجود في غالب الناس . فينشغل قلبه ويتعب جوارحه في طلب اللحاق بمن فضلوا عليه في متاع الحياة الدنيا . فيصير همه جمع الدنيا ويغفل عن الشكر والقيام بوظيفة العبودة التي خلق لأجلها ، وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا نظر أحدكم إلى من فُضِّل عليه في المال والخَلْقِ فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل عليه )) [3].
السبب الرابع : نسيان الماضي
من الناس من مرت به حياة البؤس والعوز ، وعاش أيام الخوف والقلق ، إما في مال أو معيشة أو مسكن .
ولما أنعم الله عليه وآتاه من فضله لم يشأ أن يعمل مقارنة بين ماضيه وحاضره ليتبين له فضل ربه عليه ، لعل ذلك يكون عوناً له على شكر النعم ، لكنه غرق في نعم الله الحاضرة ونسي حالته الماضية ، ولذا ترى أناساً عاشوا حياة الفقر في غابر أزمانهم، وهم مقصرون في الشكر بما ترى من أحوالهم .
وعلى الإنسان أن يأخذ درساً مما ورد في الحديث الصحيح [4]: (( أن ثلاثة من بني إسرائيل أراد الله أن يبتليهم أبرص وأقرع وأعمى ، فأظهر الابتلاء حقائقهم التي كانت في علمه من قبل أن يخلقهم ، فأما الأعمى فاعترف بإنعام الله عليه وأنه كان أعمى فقيراً فأعطاه الله البصر والغنى ، وبَذلَ للسائل ما طلبه شكراً لله ، وأما الأقرع والأبرص فكلاهما جحدا ما كانا عليه قبل ذلك من سوء الحال والفقر. وقالا في الغنى : إنما أوتيته كابراً عن كابر . وهذا حال أكثر الناس لا يعترف بما كان عليه أولاً من نقص أو جهل وفقر وذنوب ، وأن الله سبحانه نقله من ذلك إلى ضد ما كان عليه وأنعم عليه بذلك))[5].
[1] ربيع الأبرار ( 4 / 325 ) .
[2] انظر مختصر منهاج القاصدين ص (288) .
[3] رواه مسلم رقم ( 2963 ) وانظر جامع الأصول (10 / 142) .
[4] هو حديث أبي هريرة الطويل : ( إن ثلاثة من بني إسرائيل : أبرص وأقرع وأعمى ..) رواه البخاري برقم (3277) مسلم رقم (2946)
رد: التقصير في الشكر وأسبابه
مشكوووور لك على الموضوع
aLmOjREm|B.M.W- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 2761
التقييم : 0
العمر : 25
احترام قوانين المنتدى :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى