الوسطية
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الوسطية
الوسطية: مصطلح شائع، وذو قوة في دوائر البحث العلمي، ووسائل الإعلام اليوم، ولا جدل حول أهمية الوسطية والإقرار بها كمبدأ، فذلك محل اتفاق عند عموم المسلمين.
والوسط قد يكون بمعنى العدل، كقوله تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا"، أي عدولاً خياراً، فهذا النص يدل على أن الوسط هو العدل الخيار غير أن هناك نصوصاً شرعية أخرى يدل سياقها على أن الوسط يقصد به التوسط بين طرفين متباعدين متنافرين.
والوسط غالباً ما يكون محفوفاً برذيلتين، كما يقول الحكماء والفلاسفة رذيلة الإفراط والمبالغة، ورذيلة التفريط والإهمال، فالوسط هو الاهتمام المقتصد المعتدل بالأشياء، سواءٌ كانت تعبدية أو أخلاقية أو دينية أو دنيوية.
وكثير من الناس الذين ابتلوا بالتعصب قد يعتبر نفسه في موقع الوسط؛ لأنه يرى نفسه في تعصبه بين من هو أكثر تطرفاً وبين من هو أقل منه فيحسب أن ذلك كافٍ لإثبات أنه يسير في خط الوسطية والاعتدال، وذلك مقياس غير منضبط؛ لأنه لن يعدم أن يجد أحداً أشد منه تعصباً، ولن يعدم أن يجد من هو أقل منه تفريطاً وتساهلاً.
فالوسطية لا تعني أن يضع الإنسان المسلم نفسه مركزاً للكون والحياة، ويصنف الناس على حسب موقعه، بل هي أن يلتزم خط الاعتدال في كل شيء وعدم المبالغة:
ولا تغلُ في شيء من الأمر واقتصد
كلا طرفي قصد الأمور ذميمُ
وسِمة التطرف ينبغي أن لا تكون ملكاً وذوقاً خاصاً لفئة معينة توزع ذلك الوصف على من تريد، إنما يجب أن يكون هناك معايير واضحة لهذا الاستخدام، كيلا يصح ذلك ضرباً من التنابز بالألقاب، والذي لا يفيد أكثر من أننا متعصبون في تعاملنا مع بعضنا، وفي معالجة اختلافاتنا.
معالم الوسطية
نحن لا نملك تعريفاً دقيقاً للوسطية، لكننا مع هذا الحديث نجد ضبطاً لبعض معالمها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) رواه البخاري.
فوصف الدين باليسر لنجد أن من معالم الوسطية: التيسير، لأنه هو الذي يستوعب الناس، وقوله صلى الله عليه وسلم: (فسددوا) فيه المطالبة بسداد عين الشيء وعين الحق إشارة إلى الالتزام النص الشرعي، وجعله مصدراً للعلم والعمل، وعدم الأخذ بنص والمبالغة فيه على حساب نص آخر، بل الوسطية في ذلك.
(وقاربوا) بمعنى القرب من الصواب، إشارة إلى قصور العقل البشري عن إدراك كل الحق والصواب، فطلب الكمال المطلق والمطالبة به يناقض الوسطية، فالوسطية ممنوحة لمن يسدد الهدف تماماً أو يقاربه بما أوتي من قدرة.
(وأبشروا) : إشاعةٌ لروح الاستبشار في معنى الوسطية، وعدم التنفير والمبالغة في التخويف والترهيب.
(واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) إرشاد للاستعانة بما تيسر، في إشارة إلى معنى التعددية والسعة؛ لأن القدرات تختلف، وهذا يؤصل أن الوسطية ليست لوناً واحداً أو منهجاً محدد المعالم في كل دقيق وجليل، بحيث لا يمكن لأحد أن يخالفها أو يختلف فيها، وإنما هي إطار واسع وجمعية تحتوي أطيافاً ملونة ضمن ضوابط وأصول شرعية معتبرة.
والجملة العامة في معنى الوسطية أن مدارها يعتمد على قاعدتين:
الأولى: النص الشرعي المحكم؛ لكي لا يدع مجالاً للتحكم والتشهي.
الأخرى: طبيعة التكوين النفسي والعقلي للمتلقي الذي يفسر به النصوص ويتلقاها سواءً كان عالماً أو فقيهاً أو داعيةً، فيتطلب ذلك نوعاً من الوسطية والاعتدال في قراءة النصوص وفهمها والعمل به وتفسيرها.
والوسطية طريقة في التفكير والتعامل والنظر، فهي ترسم معالم الاعتدال في القراءة والطرح والتناول فهي تدخل حتى في الأخلاق، يقول الله تعالى: "رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً"، فهذا اعتدال بين الإفراط في التعلق بالماديات وبين إهمالها. وقوله تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا"[الفرقان:67] اعتدال بين الإسراف وبين البخل، وقول النبي صلى الله عليه وسلم المتفق عليه: (إكْلَفُوا من العمل ما تطيقون) اعتدال في العمل، واعتدال في العبادة، وأن الإنسان لا يحمل نفسه فوق طاقتها.
وعن الاعتدال العاطفي يقول علي بن أبي طالب : أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما. وللأوزاعي كلمته المشهورة : ما من أمرٍ أمر الله به إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى إفراط وإما إلى تفريط، والوسط ما يحبه الله عز وجل.
عليك بأوساط الأمور فإنها
نجاة ولا تركب ذلولاً ولا صعباً
إن الوسطية وفكرها ومنهجها تتطلب نوعاً من المناخ المعتدل والأجواء الهادئة والتناول الموضوعي وتعويد المجتمع والناس على ذلك، والمناخ المفتوح في المجتمعات الإسلامية يسهم في صناعة الوسطية، فالانغلاق والانعزال وسد الأبواب والمنع كل ذلك يشحن النفوس ويدفعها للتطرف ويساعدها على ذلك ويقدم لها تبريراً كافياً لذلك، فالنفوس المتوترة مستعدة لكل أشكال الغلو والتطرف، والإنسان المغضب أو المقهور لا يستمع إلى العقل والمنطق والموضوعية؛ لأنه مشوش التفكير مضطرب النفس.
والأزمات الحالية تساعد على صناعة المناخ الذي يولد فيه التطرف ويتكاثر، كالأزمات التي يعانيها المسلمون في فلسطين والعراق ولبنان، فهي تشحن النفوس بالغضب والانفعال والشعور بالقهر، مما يجعله أكثر استعداداً للتطرف وأقرب قابلية له.
إن مسؤوليتنا جميعاً أن نشيع الأجواء الهادئة المعتدلة، وننشر القراءة الموضوعية للأشياء، وللعلماء والمصلحين والمؤثرين دورٌ بارزٌ في نشر الوسطية، وصناعة القدوة في التعامل مع الأحداث والأشخاص والأشياء والأفكار، دون تنابز، ولا سخرية، ولا خصام، ولا اتهام.
ويجب أن لا تكون الوسطية شعاراً نرفعه ضد خصومنا، بل أن تكون منهجاً معتدلاً في قراءة الأشياء؛ لنحقق الشهادة التي فرضها الله على هذه الأمة؛ كي تقوم بواجبها، يقول الله سبحانه وتعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا.."[البقرة:143].
د سلمان العودة
والوسط قد يكون بمعنى العدل، كقوله تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا"، أي عدولاً خياراً، فهذا النص يدل على أن الوسط هو العدل الخيار غير أن هناك نصوصاً شرعية أخرى يدل سياقها على أن الوسط يقصد به التوسط بين طرفين متباعدين متنافرين.
والوسط غالباً ما يكون محفوفاً برذيلتين، كما يقول الحكماء والفلاسفة رذيلة الإفراط والمبالغة، ورذيلة التفريط والإهمال، فالوسط هو الاهتمام المقتصد المعتدل بالأشياء، سواءٌ كانت تعبدية أو أخلاقية أو دينية أو دنيوية.
وكثير من الناس الذين ابتلوا بالتعصب قد يعتبر نفسه في موقع الوسط؛ لأنه يرى نفسه في تعصبه بين من هو أكثر تطرفاً وبين من هو أقل منه فيحسب أن ذلك كافٍ لإثبات أنه يسير في خط الوسطية والاعتدال، وذلك مقياس غير منضبط؛ لأنه لن يعدم أن يجد أحداً أشد منه تعصباً، ولن يعدم أن يجد من هو أقل منه تفريطاً وتساهلاً.
فالوسطية لا تعني أن يضع الإنسان المسلم نفسه مركزاً للكون والحياة، ويصنف الناس على حسب موقعه، بل هي أن يلتزم خط الاعتدال في كل شيء وعدم المبالغة:
ولا تغلُ في شيء من الأمر واقتصد
كلا طرفي قصد الأمور ذميمُ
وسِمة التطرف ينبغي أن لا تكون ملكاً وذوقاً خاصاً لفئة معينة توزع ذلك الوصف على من تريد، إنما يجب أن يكون هناك معايير واضحة لهذا الاستخدام، كيلا يصح ذلك ضرباً من التنابز بالألقاب، والذي لا يفيد أكثر من أننا متعصبون في تعاملنا مع بعضنا، وفي معالجة اختلافاتنا.
معالم الوسطية
نحن لا نملك تعريفاً دقيقاً للوسطية، لكننا مع هذا الحديث نجد ضبطاً لبعض معالمها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) رواه البخاري.
فوصف الدين باليسر لنجد أن من معالم الوسطية: التيسير، لأنه هو الذي يستوعب الناس، وقوله صلى الله عليه وسلم: (فسددوا) فيه المطالبة بسداد عين الشيء وعين الحق إشارة إلى الالتزام النص الشرعي، وجعله مصدراً للعلم والعمل، وعدم الأخذ بنص والمبالغة فيه على حساب نص آخر، بل الوسطية في ذلك.
(وقاربوا) بمعنى القرب من الصواب، إشارة إلى قصور العقل البشري عن إدراك كل الحق والصواب، فطلب الكمال المطلق والمطالبة به يناقض الوسطية، فالوسطية ممنوحة لمن يسدد الهدف تماماً أو يقاربه بما أوتي من قدرة.
(وأبشروا) : إشاعةٌ لروح الاستبشار في معنى الوسطية، وعدم التنفير والمبالغة في التخويف والترهيب.
(واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) إرشاد للاستعانة بما تيسر، في إشارة إلى معنى التعددية والسعة؛ لأن القدرات تختلف، وهذا يؤصل أن الوسطية ليست لوناً واحداً أو منهجاً محدد المعالم في كل دقيق وجليل، بحيث لا يمكن لأحد أن يخالفها أو يختلف فيها، وإنما هي إطار واسع وجمعية تحتوي أطيافاً ملونة ضمن ضوابط وأصول شرعية معتبرة.
والجملة العامة في معنى الوسطية أن مدارها يعتمد على قاعدتين:
الأولى: النص الشرعي المحكم؛ لكي لا يدع مجالاً للتحكم والتشهي.
الأخرى: طبيعة التكوين النفسي والعقلي للمتلقي الذي يفسر به النصوص ويتلقاها سواءً كان عالماً أو فقيهاً أو داعيةً، فيتطلب ذلك نوعاً من الوسطية والاعتدال في قراءة النصوص وفهمها والعمل به وتفسيرها.
والوسطية طريقة في التفكير والتعامل والنظر، فهي ترسم معالم الاعتدال في القراءة والطرح والتناول فهي تدخل حتى في الأخلاق، يقول الله تعالى: "رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً"، فهذا اعتدال بين الإفراط في التعلق بالماديات وبين إهمالها. وقوله تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا"[الفرقان:67] اعتدال بين الإسراف وبين البخل، وقول النبي صلى الله عليه وسلم المتفق عليه: (إكْلَفُوا من العمل ما تطيقون) اعتدال في العمل، واعتدال في العبادة، وأن الإنسان لا يحمل نفسه فوق طاقتها.
وعن الاعتدال العاطفي يقول علي بن أبي طالب : أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما. وللأوزاعي كلمته المشهورة : ما من أمرٍ أمر الله به إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى إفراط وإما إلى تفريط، والوسط ما يحبه الله عز وجل.
عليك بأوساط الأمور فإنها
نجاة ولا تركب ذلولاً ولا صعباً
إن الوسطية وفكرها ومنهجها تتطلب نوعاً من المناخ المعتدل والأجواء الهادئة والتناول الموضوعي وتعويد المجتمع والناس على ذلك، والمناخ المفتوح في المجتمعات الإسلامية يسهم في صناعة الوسطية، فالانغلاق والانعزال وسد الأبواب والمنع كل ذلك يشحن النفوس ويدفعها للتطرف ويساعدها على ذلك ويقدم لها تبريراً كافياً لذلك، فالنفوس المتوترة مستعدة لكل أشكال الغلو والتطرف، والإنسان المغضب أو المقهور لا يستمع إلى العقل والمنطق والموضوعية؛ لأنه مشوش التفكير مضطرب النفس.
والأزمات الحالية تساعد على صناعة المناخ الذي يولد فيه التطرف ويتكاثر، كالأزمات التي يعانيها المسلمون في فلسطين والعراق ولبنان، فهي تشحن النفوس بالغضب والانفعال والشعور بالقهر، مما يجعله أكثر استعداداً للتطرف وأقرب قابلية له.
إن مسؤوليتنا جميعاً أن نشيع الأجواء الهادئة المعتدلة، وننشر القراءة الموضوعية للأشياء، وللعلماء والمصلحين والمؤثرين دورٌ بارزٌ في نشر الوسطية، وصناعة القدوة في التعامل مع الأحداث والأشخاص والأشياء والأفكار، دون تنابز، ولا سخرية، ولا خصام، ولا اتهام.
ويجب أن لا تكون الوسطية شعاراً نرفعه ضد خصومنا، بل أن تكون منهجاً معتدلاً في قراءة الأشياء؛ لنحقق الشهادة التي فرضها الله على هذه الأمة؛ كي تقوم بواجبها، يقول الله سبحانه وتعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا.."[البقرة:143].
د سلمان العودة
رد: الوسطية
شكرا لك على الموضوع
aLmOjREm|B.M.W- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 2761
التقييم : 0
العمر : 25
احترام قوانين المنتدى :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى