يوم الحمد ( يوم من أيامنا )
+3
Mr.TnT
ѕαα∂ ∂єѕιgη
ابو ياسر
7 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
يوم الحمد ( يوم من أيامنا )
يوم الحمد
(يوم من أيامنا)
يشيع اليوم التذمر بين الناس، وتكاد تلمسه في جميع شرائح المجتمع؛ فالمشغول يتذمر من قلة الوقت، والعاطل يتذمر من الفراغ والملل، والمريض يتذمر، والصحيح لا يرى نعمة الصحة فيتذمر من أشياء أخرى، والغني يتذمر، والفقير يتذمر.
ومن الناس من يزيد الحال عنده ليبلغ التسخط.
وفي الجانب الآخر للمتذمرين هنالك "الحمَّادون"، بتشديد الميم والمبالغة بالحمد والإكثار منه، وهؤلاء تذوقوا السعادة والرضا حين افتقدها المتذمرون؛ عن عمران بن حصين رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن أفضل عباد الله يوم القيامة الحمَّادون))، قال المناوي في "فيض القدير بشرح الجامع الصغير": "(الحمادون) لله؛ أي: الذين يُكثرون حمد الله؛ أي: وصفَه بالجميل المستحق له من جميع الخلق، على السراء والضراء"[1].
نحن والكون بالحمد نبدأ ونعيد:
يعلمنا كتاب الله تعالى أن البدء والختام هو بالحمد لله الذي يبدأ الخلق ثم يعيده؛ قال سبحانه: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ﴾ [الأنعام: 1]، وقال عز من قائل: ﴿ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ ﴾ [سبأ: 1].
وأن له الحمد وحده سبحانه مع نهاية الدنيا وبدء الخلود في الآخرة، بعد إدخال زُمَر الكافرين النار، وزمر المؤمنين الجنة، وعليه تختم قصة الخلق كلهم في قوله سبحانه: ﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الزمر: 75].
ما هو الحمد في قوله تعالى: ﴿ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴾ [الروم: 18]؟
يبدو لنا أن الحمد والتسبيح هو اللغة المشتركة بين أهل الأرض (مثلنا نحن الفقراء إلى الله)، وبين أهل السماء:
• كالملائكة؛ قال عز من قائل: ﴿ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴾ [الزمر: 75]، قال المفسرون: معنى التسبيح بالحمد: "أي: نسبح تسبيحًا مقترنًا بالحمد، فنقول: سبحان الله وبحمده".
• وأهلِ الجنة: حيث الحمد هو أول ما يستفتح به المتقون دخولهم أبواب الجنة: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ﴾ [الزمر: 74].
وإن التسبيح بحمد الله هو لغة كل مخلوق، بل وكل شيء؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ [الإسراء: 44].
ومن حيث اللفظ والمعنى: منذ تعلمت قوله تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2] وأنا أفهم أن الحمد هو الحمد، وعندي يقين قلبي بذلك، وعندما قرأت لبعض العلماء تفسير الحمد بالشكر، كنت أفكر بأن الشكر لله تعالى خُلق عظيم ورد في القرآن والسنة[2]، وهو سلوك المقرِّ بالنعمة، ولكن أنت تقول: "شكرًا" للناس، ولمن تحب أو لا تحب منهم، بينما لا تتوجه بـ: "الحمد" إلا لله رب العالمين، فكأن هذه الكلمة - بمعزل عن رأي اللغويين - كلمة تنتمي للفطرة الربانية، نقولها بفطرتنا السليمة، ونشعر أنه تعالى يسمعها منا فورًا، ونشعر بنور وابتهاج لذلك، كحالنا في الرفع من ركوع الصلاة[3]!
ثم وجدت ما يشبه ذلك: (أن الحمد هو الحمد) لدهشتي في الحديث القدسي الصحيح: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، قال الله تعالى: حمِدني عبدي، وإذا قال: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 3] قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4] قال: مجَّدني عبدي، وقال مرة: فوَّض إليَّ عبدي، فإذا قال ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل))[4].
حيث نجد أن الله تعالى في هذا الحديث القدسي عندما نقول في الفاتحة: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2] يقول: ((حمدني عبدي))، بنفس اللفظ، بينما لقولنا: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 3] يقول تعالى: ((أثنى عليَّ عبدي))، ولقولنا: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4] يقول سبحانه: ((مجَّدني عبدي)).
وفي اللغات والديانات الأخرى تجد الشكر ومشتقاته[5]، أما الحمد فكل من أسلم، ولو لم يكن عربيًّا، يستعمل في حديثه العادي معك: "الحمد" بلفظنا له، ولو صعُبت عليه الحاء لبقي يقولها قدر استطاعته: "الهمد لله".
فكأني بهذه الكلمة لها خصوصية في الإسلام:
• إذ الله تعالى "حميد مجيد"؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [البروج: 8]، والإنسان: عبدالحميد.
• ومنها اشتق اسم الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض وفي السماء: "محمد"، و"أحمد".
وبعض اللغويين قارنهما وقال: الحمد أعمُّ وأبلغ من الشكر؛ لأن الشكر لمن له يد، والحمد يكون عن يد وعن غير يد، فقلت لنفسي: هذا للبشر، وفي النطاق الضيق لمدى رؤيتنا، ولكن آلاء الله تعالى ونعماؤه تغمرنا وتتدخل في كل ذرة من بدننا، وكل نفَس نتنفسه، ولكل كائن في الكون حولنا.
وأكثر علماء التفسير يزيدون على الشكر بأن الحمد ثناءٌ أثنى به تعالى على نفسه، وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه، وقال ابن كثير: إن الحمدَ هو الثناء على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية، والشكر لا يكون إلا على المتعدية[6].
ومر بنا قولُ المناوي: "حمد الله؛ أي: وصفه بالجميل المستحق له من جميع الخَلق، على السراء والضراء".
الحمد في حياتنا: بين بدء الخلق والكون بالحمد، وختامه بالحمد كما ذكرنا:
• فإن كل الكائنات تنطق فطرةً بالحمد للوهاب الرزاق، وعلى رأسها: ابن آدم.
• ونتعلم نحن المسلمين الكثير عن الحمد من آيات كتابنا، وما ألهمه تعالى لرسولنا صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً، بل وما علمه إياه بنص القرآن: ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ [النمل: 59]، مثل قوله تعالى: ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [النمل: 59].
والحمد ليس دعاء مناسبات، بل هو فطرة فطر عليها الإنسان، وهو ذكر ملازم؛ كالأكل والشُّرب.
عندما تغمرك مشاعر معينة تجد لسانك يترجمها بعفوية: "الحمد لله" دون أن يستأذنك.
حين ينبع من ذاتك تجد راحة في نفسك، ولأهله سمة الرضا وهيئة السكينة.
ومنه الحمد العام والخاص.
الحمد العام: ومن الحمد العام لله تعالى:
• الثناء عليه سبحانه لعظيم وبديع خلقه: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا ﴾ [فاطر: 1].
• والثناء والحمد له؛ لملكه الذي نقصر حتى عن تخيله: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [سبأ: 1].
• ونحمده لأنه لم يتخذ ولدًا، وأعتقنا من العبودية لغيره، وأرسل لنا المصطفَيْنَ: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ [الإسراء: 111].
• وأننا نحمده تعالى على تنزيل القرآن الكريم، معجزة الإسلام، وما فيه من آيات (الكهف)، وأولها أننا نحمده بأنه رب العالمين، آية نفتتح بها الفاتحة بعد البسملة، ونكررها في كل ركعة: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 1 - 7].
وكأنه اتصال مباشر بربنا من الفجر إلى العشاء، على الأقل: 17 مرة في الفاتحة، ونجد 17 مرة مع كل رفع من الركوع استجابة مباشرة جدًّا لأن ربنا سمع حمدنا ويسمعه، نقول: "سمع الله لمن حمده"، ونجيب: ربنا لك الحمد[7].
وهنالك الحمد الخاص: لو تتبعنا كل صغيرة وكبيرة في حياتنا، لوجدنا للحمد مناسبة ومكانًا؛ في طعامك وشرابك، ويقَظتك ومنامك، وسفَرك وإقامتك، ومرَضك وصحتك، ورزقك الحلال، وهو من أكثر الأذكار - والله أعلم - التي تجعل لسانك رطبًا بذكر الله[8]، ومنه يتفرع الحمد الأكثر خصوصية في حياة كل منا؛ كالحمد على النجاة من حادث سيارة، أو التخلص من التدخين.. إلخ، ولا يوجد تقييد في صيغ الحمد، وقد ورد عن قدوتنا من التابعين والصالحين في كل زمان أنهم حمدوا الله وأثنَوْا عليه عز وجل بألفاظ لم ترد في الكتاب والسنة، إلا أن معانيها صحيحة؛ كحمدهم الله تعالى في مجالسهم وخطبهم، وكتبهم، ومع النعمة، وعند المصاب، (فالحمد لله).
غفلتنا عن الحمد في القول والعمل:
الحمد خُلق نتخلَّق به كأمة، وسلوك يجمِّلنا كأفراد، وأوله أننا نقول: الحمد لله الذي عبَّدنا له وحده وليس للعباد، فنشعر بالحرية، وننطلق في إعمار الكون وأداء الأمانة.
وله: ثمرات نجنيها في حياتنا، وثواب عظيم في الآخرة.
قال ابن القيم رحمه الله: (لو رزق العبد الدنيا وما فيها، ثم قال: "الحمد لله" لكان إلهامُ الله له بالحمد أعظمَ نعمةً من إعطائه له الدنيا؛ ﻷن نعيم الدنيا يزول، وثواب الحمد يبقى)) ومع ذلك نغفُلُ عنه، وقد نقصر فيه.
وما أن يتعلم طفلك الكلام حتى يقبل على الحمد ويؤديه؛ إذ تلقنه إياه بيُسر؛ لأنه فطرة كما أشرتُ، وعندما يكبَر سترى أثر الحمد في سلوكه: حُسن خُلق، ورضا، وثقة بالنفس، وطاقة عالية؛ إذ يشعر أنه أقوى بتلك الصلة بالله من الذين لا يذكرونه ولا يحمدونه! (حتى لو غفل عن بعض المحامد زمنًا، فهو يعود بالتذكر والتذكير).
والملاحظ اليوم أننا قلما نرى الأثر الإيجابي للحمد في حياتنا، وعلى سلوكنا، والسبب - كما قلت - الغفلة والتقصير، وانفصال الحمد باللسان عن الكِيان، ومن تلك الغفلة أننا نكرر لفظ الحمد في صلاتنا مثلاً دون أن نستحضر حقيقته، وأن نمرَّ عليه في آيات القرآن دون أن نتفكر فيه، ومن التقصير أن تمر الساعات والأيام ولا نحمده تعالى.
وينجم عنهما: قسوة القلب، والتذمُّر والتوتر، والحزن والضعف، والفاقة للدنيا وأهلها!
العلاج:
• ثواب الحمد العظيم في الآخرة:
لا يطرُد الغفلةَ مثلُ تذكر ذلك الثواب؛ من تكفير السيئات، ورفع الدرجات، والأمثلة كثيرة، منها هذا الحديث: ((من سبَّح الله في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر الله ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير - غُفِرت خطاياه وإن كانت مثل زبَد البحر)) ، وليس لنا كبير ولا صغير فضل؛ لأن نعمه تعالى أعظم من كل ذِكر وحمد نؤديه، بل إننا مستفيدون؛ فالإنسان الطبيعي يشعر بالسرور والراحة النفسية عندما يعبِّر عن تقديره وامتنانه لمن يستحق، فما بالك بمَن يخاطب ربَّ الكون بالحمد دون وسيط ولا حائل؟! ومع ذلك يتكرم علينا سبحانه - جل جلاله - بثواب الحمد العظيم؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إسباغ الوضوء شَطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأان أو تملأ ما بين السماء والأرض)).
ولنشفع سعينا للثواب العظيم للحمد بهذه التجرِبة:
• تجرِبة يوم الحمد: وهو الشَّطر العملي لعلاج الغفلة والتقصير في الحمد:
من حيث الأثر الملموس، فإن لحظات الحمد وأدعيتَه - سرًّا وجهرًا كل يوم في حياتنا - لها أثر طيب علينا وعلى مَن يحيط بنا، وهذه تجرِبة عملية بوُسع كل منا أن يجريها بطريقته الخاصة، مقتديًا بالنصوص النبوية والقرآنية ما استطاع، مع الإشارة لأمر هام، هو أن باب الاجتهاد في التعبير عن الحمد لله تعالى مفتوح لكل إنسان؛ لأنه خُلق فطري، ينطق به لسانه بعفوية، كما ذكرت، ومِن الدلائل في الحديث الشريف:
• ذلك الحمد الذي عجِب رسولنا الكريم له؛ روى مسلم من حديث ابن عمر قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من القائل كلمة كذا وكذا؟))، قال رجل من القوم: أنا يا رسول الله، قال: ((عجبتُ لها! فتحت لها أبواب السماء))، قال ابن عمر: فما تركتهن منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك!
ولاحظ أن الذي قاله مجرد "رجل من القوم"، هو إنسان عادي، حتى إن اسمه لم يعرف، ومع ذلك فُتح لتكبيره وتحميده أبواب السماء، (وكذلك في الحمد الآخر الذي ابتدرته الملائكة، وهو دعاء الرفع من الركوع، في نص الحديث: "قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد"، هو رجل من الرجال عند الناس، ولكنه تميَّز عند رب الناس سبحانه).
وفي هذه التجرِبة نركز على أن نحمد الله تعالى في يوم عادي، مستفيدين مما ورد سابقًا من معاني الحمد، وما سيرد، ويعلِّمها الأم والأب لأولادهم بما يتناسب مع مداركهم بالقدوة العملية والتلقين - فما سيلي هو لمجرد الاستئناس -:
• مذ تصبح تقول: "الحمد لله الذي أحيانَا من بعد ما أماتنا وإليه النشور"، ثم تتوضأ وتحمَدُه تعالى على نعمة الماء والطهارة وتقول: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 43]، وهو قول أهل الجنة في سورة الأعراف، وهو حمدٌ يبعث فيك الطاقة والنشاط، ويبث السرور، فيمكنك ترديده خلال يومك هذا.
• وأنت قائم تصلي الفجر، تحمد الله منذ أن تبدأها بدعاء الاستفتاح، وأوله: "سبحانك اللهم وبحمدك"، وهو التسبيح بالحمد الذي أشرت له، وحتى ختامها بالصلوات الإبراهيمية حين تقول - وأنت تخاطبه سبحانه باسمه: الحميد - "في العالَمين إنك حميد مجيد"، وبينهما محامد الفاتحة والرفع من الركوع.
• فإذا شربتَ أو أكلت، تذكَّر قول: الحمد لله، وذكِّر أهلك، والله تعالى يرضى ويحب فينا ذلك الخُلق، نحمده على العافية التي طيَّبَتْه، وأنه رزَقنا الطيبات وجنَّبنا الخبائث، ثم الحمد لله بعد الطعام والشراب سائر اليوم، حتى لو كانت شربة أو أكلة خفيفة، فهناك من يحمَد الله ليعلم الجالسين أنه شبِع وينسى أن يحمَدَ ربه لأكلة خفيفة خاليًا!
• ذكِّر ولدك بنعمة الإسلام، وأنه دِين الطهارة، وإذا دخل الخلاءَ علِّمه أن يقول: "الحمد لله الذي أذهب عني ما يضرني، وأبقى عليَّ ما ينفعني"، وطبيًّا هذه من أكبر النِّعم التي تستحق الحمد، سبحان الله!
• وشجِّعه على صلاة الضحى، مذكرًا إياه بأنها صدقة عن مفاصله، وليقل: "الحمد لله أنني أقوم وأقعد وأركع وأسجد"، ويتذوقها حقًّا - تلك الكلمات - مع حركات الصلاة.
• كرِّر الحمد وأنت تنطلق لعملك أو دراستك، راكبًا أو ماشيًا؛ فهو يزيل القلق والتوتر، تحمد الله بما شئت؛ كأن تقول: سبحان الله وبحمده، عدد خَلقه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، ورضَا نفسه، وهي تجرِبة كانت تسعدني دائمًا!
• وإذا جلست مع أصدقائك، تذكروا كفارةَ المجلس قبل تفرُّقكم، وأولها تسبيح وحمد، وهي: "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك".
• احمَدِ اللهَ وأنت تكسب رزقك؛ كأن تقول: اللهم لك الحمد على الحلال، إنك أنت الرزاق ذو القوَّة المتين.
• وتأمَّل معانيَ الحمد مع صلاة الظهر وبقية اليوم؛ فهي خمسُ فروض نكرر فيها الحمد في الفاتحة 17 مرة، كما أشرت في الحمد العام، واقرأ لابنك ذلك (الحديث القدسي) ، وقِفْ لثوانٍ بعد ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، (وعلى رأس الآيات)، واستشعرِ الحبور والرضا لقوله تعالى لنا: "حمدني عبدي"، سبحان الله!
وإلى ذلك، فإن الحمد في الفاتحة وأنت بين يدي الله تعبيرٌ مريح لامتنانا لبارئنا:
• على طاعته.
• وعلى أعظمِ نِعمه: وهي الرحمة؛ فهو حمدٌ جاء بين رحمتين: البسملة قبله، و"الرحمن الرحيم" بعده، ناهيك عن المحامد في الدعاء، والتسبيح بعد الصلاة.
• الحمد على نعمة العبادة لله: أصف لأخي القارئ شعور الامتنان الذي يغمر المرء في بعض الصلوات النافلة، لا سيما قيام الليل، مما يجعله يقول: "الحمد لله الذي أقامني بين يديه"، فاجعله مع صلواتك يوم الحمد.
• ذكِّرْ ولدك إذا عطس بحمد الله تعالى، وأنه يكسِب إلى ثواب الحمد دعاءَ مَن يسمعه حين يقول: يرحمكم الله، (وأن يكظم التثاؤب)؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يحب العُطاسَ، ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد الله فحقٌّ على كل مسلم سمعه أن يُشمِّتَه))؛ رواه البخاري.
• واجعل ولدك في يوم الحمد هذا يتصدق ويحمد الله، وإذا مرض أو سمع بمريض أن يدعوَ بالشفاء، ويحمد الله الذي عافاه من ابتلاءٍ أكبر؛ فالشافي هو الله، والكافي هو الله، وإن كان له أخ في الله أن يرسل له رسالة فيها: "أحبك في الله"؛ امتثالاً لأمر رسولنا صلى الله عليه وسلم، ويقول: الحمد لله رب العالَمين على نعمة الأخوة في الله.
• خالِقْ زوجتك وابنتك وأختك بخُلق حسَن، وأكرِمْهن، واحمَدْه تعالى على أن يسر لك ذلك بقولك: "الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات"، وهو دعاء جميل بالحمد على كل عمل صالح.
• احمد الله على كل ما قد تناله طوال يومك، صغيرًا أو كبيرًا، ولو كان ثناءً أو شكرًا من أحد فهو رزقٌ ساقه الله إليك.
• فإن لبِستَ جديدًا قل: "اللهم لك الحمد؛ أنت كسَوْتَنيه، اللهم إني أسألك خيره وخير ما صُنع له".
• وإن زرتم بعض أهلكم، احمدوا الله على أن يسَّر لكم "صلة الرحم"، واصحب أولادك، وشجِّعْهم على التهادي؛ لحديث: ((تهادَوْا تحابُّوا))، واحمدوه تعالى على ذلك الفضل، الحمد لله.
• حمد الله تعالى خلال تلاوة القرآن: ستجد أن الكثير من الآيات تدعو لحمد الله تعالى، ولأنه يوم الحمد اجعل فيه تلاوة للقرآن، لتتذوق ذلك، وسيدهشك أنه مع بعض التدبر لمعانيها ينطلق لسانك بالحمد؛ فمثلاً إذا قرأت: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ [الزمر: 22]، قلت: الحمد لله أنني مسلم، اللهم اجعَلْني على نور، وإن قرأت: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾ [المائدة: 101]، قلت: الحمد لله الذي أدَّبنا بهذا الأدب، وبيَّن لنا الحكمة منه، وعلِّمها لأولادك، كل حسَب عمره، فإن قرأ أحدهم في التين: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4] قال وهو يتحسس عينيه وأنفه: الحمد لله الذي وهبني البصر والسمع والتنفس، وإن قرأ شقيقُه الأكبر سورة الزلزلة قال: الحمد لله الذي جعل هذا اليوم لترد الحقوق، ويقوم ميزان العدل.
وأخيرًا، حين تختم يومك عشيًّا تذكَّر الحمد والتسبيح والتكبير بعد العشاء 33 مرة لكل منها، استعدادًا لمحامدِ فجر جديد؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴾ [الروم: 18].
المحامد المتميزة: كانت تلك التجرِبة ليوم حمد عادي، ومن العلاج: هنالك التجمُّل والتقوِّي بالحمد لله تعالى على أمور استثنائية، لعل أهمها:
• الحمد على الابتلاء.
• والحمد على الظَّفَر المبين.
• ويقع بينهما الحمد للخروج من الابتلاء للظَّفر.
وهي محامدُ تترافق غالبًا مع الصبر والاستغفار، ونبدأ بآخرها.
1- الحمد لتحقيق المهمات الصعبة؛ قال تعالى يصبِّر نبينا على حمل الرسالة في آية توسطت بين طرَفٍ من قصة موسى مع قومه وبين الرد على المجادلين بآيات الله: ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ﴾ [غافر: 55]، وفيها يلاحظ أهمية تكرار التسبيح بالحمد (بالعشي والإبكار)، وهي فكرة يوم الحمد، ومباشرة بعد هذا الرد على المجادلين (56) الجاحدين (63) ووصف بعض آلائه ونعمائه (64) - أكَّد لنا سبحانه التذكير بالحمد بقوله: ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾[غافر: 64، 65]، وكأني بلساني انطلق بها قبل أن أقرأ تتمة الآية، بلى: الحمد لله رب العالمين! وأنت أخي حتى لو حزبك أمر شديد الصعوبة، (وهل أشد صعوبة من حمل الوحي وتبليغه؟ كل همومنا الدنيوية أمامه تهون!) وحتى لو ضاق صدرك بما يقولون ويفعلون، وإنه لضائق، تذكَّر هذه الآيات، وتذكر الحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وقل: اللهم لك الحمد أنك على كل شيء وكيل، ولك الحمد أنك لن تؤاخذنا على ضيق صدورنا، ولم تحملنا وزر السفهاء الذين أعماهم حبُّ الدنيا عن نور الحق، ولك الحمد أنك لن تؤاخذنا بآثام المتكبِّرين المجادلين، ولا الجاحدين المعاجزين وفسادهم.
2 - الحمد على الابتلاء: وهذه مرتبة عالية، وكل عبد مؤمن يتحلى بدرجة منها بحمد الله، والله تعالى يثيب الحامدين على الابتلاء أعظم ثواب؛ فهو برحمته جعل لكل مبتلًى يحمده بشارة، وهذا مثال:
عن أبي موسى الأشعري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات ولد العبد، قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمِدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسمُّوه بيت الحمد))؛ رواه الترمذي وقال: حديث حسن؛ (رياض الصالحين/ 1395 ).
سبحان الله! فوسط كل مشاهد الجنة البهيجة يتربع "بيت الحمد" لهذين الأبوين المحتسبين! وما أحوجنا لهذه البشارة مع قوافل الشهداء، وكثرة ما نشهد من فقد الأبناء اليوم، فالحمد لله على البشارة للمحتسبين، وهل أعظم من أن بيوت الحمد تبتنى في الجنان؟!
3 - الحمد لله رب العالَمين على الفوز والنصر:
ولعل أصدق وأوجز مثال له: التسبيح بحمد الله للتعبير عن الرضا والامتنان لأعظم نصر، وهو فتح مكة، وهو: ﴿ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ في قوله تعالى: ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 3]: سبحان الله والحمد لله، وكأنه - التسبيح بحمد الله - أسرع ما يقربنا لله تعالى في تلك الساعات المباركة، أليس "سبحان الله والحمد لله تملأان أو تملأ ما بين السماء والأرض"؟!.
ومرة أخرى - كما في البند الأول ومثاله من سورة غافر - ورسولنا ونحن من بعده في ذروة جذلنا بالنصر والفتح، انظر كيف يقترن الأمر الرباني بـ: "التسبيح بالحمد" مع الأمر بالاستغفار حتى لا نغفُلَ مع نشوة الظَّفر عن أن الموت قريب، اللهم لك الحمد، غفرانك!
ومن ذلك: الحمدُ على نعمة عظيمة تفُوق التوقع، وتخرق المألوف، مثل حمد سيدنا إبراهيم على الذرية الصالحة بعد عقم، في قوله تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 39].
ومنه: الحمد له سبحانه على اندفاع بلاءٍ وذَهاب حزن إلى غير رجعة، وهو حمد أهل الجنة، في سورة فاطر: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 34].
وكما بدأنا حديثنا بـ: الحمد لله، نختم بهذا الحمد العلوي، نسأله سبحانه أن يذهب عنا الحَزنَ، ويجعلنا من أهل الجنة، إنه غفور شكور.
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رب العالَمين.
(يوم من أيامنا)
يشيع اليوم التذمر بين الناس، وتكاد تلمسه في جميع شرائح المجتمع؛ فالمشغول يتذمر من قلة الوقت، والعاطل يتذمر من الفراغ والملل، والمريض يتذمر، والصحيح لا يرى نعمة الصحة فيتذمر من أشياء أخرى، والغني يتذمر، والفقير يتذمر.
ومن الناس من يزيد الحال عنده ليبلغ التسخط.
وفي الجانب الآخر للمتذمرين هنالك "الحمَّادون"، بتشديد الميم والمبالغة بالحمد والإكثار منه، وهؤلاء تذوقوا السعادة والرضا حين افتقدها المتذمرون؛ عن عمران بن حصين رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن أفضل عباد الله يوم القيامة الحمَّادون))، قال المناوي في "فيض القدير بشرح الجامع الصغير": "(الحمادون) لله؛ أي: الذين يُكثرون حمد الله؛ أي: وصفَه بالجميل المستحق له من جميع الخلق، على السراء والضراء"[1].
نحن والكون بالحمد نبدأ ونعيد:
يعلمنا كتاب الله تعالى أن البدء والختام هو بالحمد لله الذي يبدأ الخلق ثم يعيده؛ قال سبحانه: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ﴾ [الأنعام: 1]، وقال عز من قائل: ﴿ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ ﴾ [سبأ: 1].
وأن له الحمد وحده سبحانه مع نهاية الدنيا وبدء الخلود في الآخرة، بعد إدخال زُمَر الكافرين النار، وزمر المؤمنين الجنة، وعليه تختم قصة الخلق كلهم في قوله سبحانه: ﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الزمر: 75].
ما هو الحمد في قوله تعالى: ﴿ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴾ [الروم: 18]؟
يبدو لنا أن الحمد والتسبيح هو اللغة المشتركة بين أهل الأرض (مثلنا نحن الفقراء إلى الله)، وبين أهل السماء:
• كالملائكة؛ قال عز من قائل: ﴿ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴾ [الزمر: 75]، قال المفسرون: معنى التسبيح بالحمد: "أي: نسبح تسبيحًا مقترنًا بالحمد، فنقول: سبحان الله وبحمده".
• وأهلِ الجنة: حيث الحمد هو أول ما يستفتح به المتقون دخولهم أبواب الجنة: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ﴾ [الزمر: 74].
وإن التسبيح بحمد الله هو لغة كل مخلوق، بل وكل شيء؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ [الإسراء: 44].
ومن حيث اللفظ والمعنى: منذ تعلمت قوله تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2] وأنا أفهم أن الحمد هو الحمد، وعندي يقين قلبي بذلك، وعندما قرأت لبعض العلماء تفسير الحمد بالشكر، كنت أفكر بأن الشكر لله تعالى خُلق عظيم ورد في القرآن والسنة[2]، وهو سلوك المقرِّ بالنعمة، ولكن أنت تقول: "شكرًا" للناس، ولمن تحب أو لا تحب منهم، بينما لا تتوجه بـ: "الحمد" إلا لله رب العالمين، فكأن هذه الكلمة - بمعزل عن رأي اللغويين - كلمة تنتمي للفطرة الربانية، نقولها بفطرتنا السليمة، ونشعر أنه تعالى يسمعها منا فورًا، ونشعر بنور وابتهاج لذلك، كحالنا في الرفع من ركوع الصلاة[3]!
ثم وجدت ما يشبه ذلك: (أن الحمد هو الحمد) لدهشتي في الحديث القدسي الصحيح: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، قال الله تعالى: حمِدني عبدي، وإذا قال: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 3] قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4] قال: مجَّدني عبدي، وقال مرة: فوَّض إليَّ عبدي، فإذا قال ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل))[4].
حيث نجد أن الله تعالى في هذا الحديث القدسي عندما نقول في الفاتحة: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2] يقول: ((حمدني عبدي))، بنفس اللفظ، بينما لقولنا: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 3] يقول تعالى: ((أثنى عليَّ عبدي))، ولقولنا: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4] يقول سبحانه: ((مجَّدني عبدي)).
وفي اللغات والديانات الأخرى تجد الشكر ومشتقاته[5]، أما الحمد فكل من أسلم، ولو لم يكن عربيًّا، يستعمل في حديثه العادي معك: "الحمد" بلفظنا له، ولو صعُبت عليه الحاء لبقي يقولها قدر استطاعته: "الهمد لله".
فكأني بهذه الكلمة لها خصوصية في الإسلام:
• إذ الله تعالى "حميد مجيد"؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [البروج: 8]، والإنسان: عبدالحميد.
• ومنها اشتق اسم الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض وفي السماء: "محمد"، و"أحمد".
وبعض اللغويين قارنهما وقال: الحمد أعمُّ وأبلغ من الشكر؛ لأن الشكر لمن له يد، والحمد يكون عن يد وعن غير يد، فقلت لنفسي: هذا للبشر، وفي النطاق الضيق لمدى رؤيتنا، ولكن آلاء الله تعالى ونعماؤه تغمرنا وتتدخل في كل ذرة من بدننا، وكل نفَس نتنفسه، ولكل كائن في الكون حولنا.
وأكثر علماء التفسير يزيدون على الشكر بأن الحمد ثناءٌ أثنى به تعالى على نفسه، وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه، وقال ابن كثير: إن الحمدَ هو الثناء على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية، والشكر لا يكون إلا على المتعدية[6].
ومر بنا قولُ المناوي: "حمد الله؛ أي: وصفه بالجميل المستحق له من جميع الخَلق، على السراء والضراء".
الحمد في حياتنا: بين بدء الخلق والكون بالحمد، وختامه بالحمد كما ذكرنا:
• فإن كل الكائنات تنطق فطرةً بالحمد للوهاب الرزاق، وعلى رأسها: ابن آدم.
• ونتعلم نحن المسلمين الكثير عن الحمد من آيات كتابنا، وما ألهمه تعالى لرسولنا صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً، بل وما علمه إياه بنص القرآن: ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ [النمل: 59]، مثل قوله تعالى: ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [النمل: 59].
والحمد ليس دعاء مناسبات، بل هو فطرة فطر عليها الإنسان، وهو ذكر ملازم؛ كالأكل والشُّرب.
عندما تغمرك مشاعر معينة تجد لسانك يترجمها بعفوية: "الحمد لله" دون أن يستأذنك.
حين ينبع من ذاتك تجد راحة في نفسك، ولأهله سمة الرضا وهيئة السكينة.
ومنه الحمد العام والخاص.
الحمد العام: ومن الحمد العام لله تعالى:
• الثناء عليه سبحانه لعظيم وبديع خلقه: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا ﴾ [فاطر: 1].
• والثناء والحمد له؛ لملكه الذي نقصر حتى عن تخيله: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [سبأ: 1].
• ونحمده لأنه لم يتخذ ولدًا، وأعتقنا من العبودية لغيره، وأرسل لنا المصطفَيْنَ: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ [الإسراء: 111].
• وأننا نحمده تعالى على تنزيل القرآن الكريم، معجزة الإسلام، وما فيه من آيات (الكهف)، وأولها أننا نحمده بأنه رب العالمين، آية نفتتح بها الفاتحة بعد البسملة، ونكررها في كل ركعة: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 1 - 7].
وكأنه اتصال مباشر بربنا من الفجر إلى العشاء، على الأقل: 17 مرة في الفاتحة، ونجد 17 مرة مع كل رفع من الركوع استجابة مباشرة جدًّا لأن ربنا سمع حمدنا ويسمعه، نقول: "سمع الله لمن حمده"، ونجيب: ربنا لك الحمد[7].
وهنالك الحمد الخاص: لو تتبعنا كل صغيرة وكبيرة في حياتنا، لوجدنا للحمد مناسبة ومكانًا؛ في طعامك وشرابك، ويقَظتك ومنامك، وسفَرك وإقامتك، ومرَضك وصحتك، ورزقك الحلال، وهو من أكثر الأذكار - والله أعلم - التي تجعل لسانك رطبًا بذكر الله[8]، ومنه يتفرع الحمد الأكثر خصوصية في حياة كل منا؛ كالحمد على النجاة من حادث سيارة، أو التخلص من التدخين.. إلخ، ولا يوجد تقييد في صيغ الحمد، وقد ورد عن قدوتنا من التابعين والصالحين في كل زمان أنهم حمدوا الله وأثنَوْا عليه عز وجل بألفاظ لم ترد في الكتاب والسنة، إلا أن معانيها صحيحة؛ كحمدهم الله تعالى في مجالسهم وخطبهم، وكتبهم، ومع النعمة، وعند المصاب، (فالحمد لله).
غفلتنا عن الحمد في القول والعمل:
الحمد خُلق نتخلَّق به كأمة، وسلوك يجمِّلنا كأفراد، وأوله أننا نقول: الحمد لله الذي عبَّدنا له وحده وليس للعباد، فنشعر بالحرية، وننطلق في إعمار الكون وأداء الأمانة.
وله: ثمرات نجنيها في حياتنا، وثواب عظيم في الآخرة.
قال ابن القيم رحمه الله: (لو رزق العبد الدنيا وما فيها، ثم قال: "الحمد لله" لكان إلهامُ الله له بالحمد أعظمَ نعمةً من إعطائه له الدنيا؛ ﻷن نعيم الدنيا يزول، وثواب الحمد يبقى)) ومع ذلك نغفُلُ عنه، وقد نقصر فيه.
وما أن يتعلم طفلك الكلام حتى يقبل على الحمد ويؤديه؛ إذ تلقنه إياه بيُسر؛ لأنه فطرة كما أشرتُ، وعندما يكبَر سترى أثر الحمد في سلوكه: حُسن خُلق، ورضا، وثقة بالنفس، وطاقة عالية؛ إذ يشعر أنه أقوى بتلك الصلة بالله من الذين لا يذكرونه ولا يحمدونه! (حتى لو غفل عن بعض المحامد زمنًا، فهو يعود بالتذكر والتذكير).
والملاحظ اليوم أننا قلما نرى الأثر الإيجابي للحمد في حياتنا، وعلى سلوكنا، والسبب - كما قلت - الغفلة والتقصير، وانفصال الحمد باللسان عن الكِيان، ومن تلك الغفلة أننا نكرر لفظ الحمد في صلاتنا مثلاً دون أن نستحضر حقيقته، وأن نمرَّ عليه في آيات القرآن دون أن نتفكر فيه، ومن التقصير أن تمر الساعات والأيام ولا نحمده تعالى.
وينجم عنهما: قسوة القلب، والتذمُّر والتوتر، والحزن والضعف، والفاقة للدنيا وأهلها!
العلاج:
• ثواب الحمد العظيم في الآخرة:
لا يطرُد الغفلةَ مثلُ تذكر ذلك الثواب؛ من تكفير السيئات، ورفع الدرجات، والأمثلة كثيرة، منها هذا الحديث: ((من سبَّح الله في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر الله ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير - غُفِرت خطاياه وإن كانت مثل زبَد البحر)) ، وليس لنا كبير ولا صغير فضل؛ لأن نعمه تعالى أعظم من كل ذِكر وحمد نؤديه، بل إننا مستفيدون؛ فالإنسان الطبيعي يشعر بالسرور والراحة النفسية عندما يعبِّر عن تقديره وامتنانه لمن يستحق، فما بالك بمَن يخاطب ربَّ الكون بالحمد دون وسيط ولا حائل؟! ومع ذلك يتكرم علينا سبحانه - جل جلاله - بثواب الحمد العظيم؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إسباغ الوضوء شَطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأان أو تملأ ما بين السماء والأرض)).
ولنشفع سعينا للثواب العظيم للحمد بهذه التجرِبة:
• تجرِبة يوم الحمد: وهو الشَّطر العملي لعلاج الغفلة والتقصير في الحمد:
من حيث الأثر الملموس، فإن لحظات الحمد وأدعيتَه - سرًّا وجهرًا كل يوم في حياتنا - لها أثر طيب علينا وعلى مَن يحيط بنا، وهذه تجرِبة عملية بوُسع كل منا أن يجريها بطريقته الخاصة، مقتديًا بالنصوص النبوية والقرآنية ما استطاع، مع الإشارة لأمر هام، هو أن باب الاجتهاد في التعبير عن الحمد لله تعالى مفتوح لكل إنسان؛ لأنه خُلق فطري، ينطق به لسانه بعفوية، كما ذكرت، ومِن الدلائل في الحديث الشريف:
• ذلك الحمد الذي عجِب رسولنا الكريم له؛ روى مسلم من حديث ابن عمر قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من القائل كلمة كذا وكذا؟))، قال رجل من القوم: أنا يا رسول الله، قال: ((عجبتُ لها! فتحت لها أبواب السماء))، قال ابن عمر: فما تركتهن منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك!
ولاحظ أن الذي قاله مجرد "رجل من القوم"، هو إنسان عادي، حتى إن اسمه لم يعرف، ومع ذلك فُتح لتكبيره وتحميده أبواب السماء، (وكذلك في الحمد الآخر الذي ابتدرته الملائكة، وهو دعاء الرفع من الركوع، في نص الحديث: "قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد"، هو رجل من الرجال عند الناس، ولكنه تميَّز عند رب الناس سبحانه).
وفي هذه التجرِبة نركز على أن نحمد الله تعالى في يوم عادي، مستفيدين مما ورد سابقًا من معاني الحمد، وما سيرد، ويعلِّمها الأم والأب لأولادهم بما يتناسب مع مداركهم بالقدوة العملية والتلقين - فما سيلي هو لمجرد الاستئناس -:
• مذ تصبح تقول: "الحمد لله الذي أحيانَا من بعد ما أماتنا وإليه النشور"، ثم تتوضأ وتحمَدُه تعالى على نعمة الماء والطهارة وتقول: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 43]، وهو قول أهل الجنة في سورة الأعراف، وهو حمدٌ يبعث فيك الطاقة والنشاط، ويبث السرور، فيمكنك ترديده خلال يومك هذا.
• وأنت قائم تصلي الفجر، تحمد الله منذ أن تبدأها بدعاء الاستفتاح، وأوله: "سبحانك اللهم وبحمدك"، وهو التسبيح بالحمد الذي أشرت له، وحتى ختامها بالصلوات الإبراهيمية حين تقول - وأنت تخاطبه سبحانه باسمه: الحميد - "في العالَمين إنك حميد مجيد"، وبينهما محامد الفاتحة والرفع من الركوع.
• فإذا شربتَ أو أكلت، تذكَّر قول: الحمد لله، وذكِّر أهلك، والله تعالى يرضى ويحب فينا ذلك الخُلق، نحمده على العافية التي طيَّبَتْه، وأنه رزَقنا الطيبات وجنَّبنا الخبائث، ثم الحمد لله بعد الطعام والشراب سائر اليوم، حتى لو كانت شربة أو أكلة خفيفة، فهناك من يحمَد الله ليعلم الجالسين أنه شبِع وينسى أن يحمَدَ ربه لأكلة خفيفة خاليًا!
• ذكِّر ولدك بنعمة الإسلام، وأنه دِين الطهارة، وإذا دخل الخلاءَ علِّمه أن يقول: "الحمد لله الذي أذهب عني ما يضرني، وأبقى عليَّ ما ينفعني"، وطبيًّا هذه من أكبر النِّعم التي تستحق الحمد، سبحان الله!
• وشجِّعه على صلاة الضحى، مذكرًا إياه بأنها صدقة عن مفاصله، وليقل: "الحمد لله أنني أقوم وأقعد وأركع وأسجد"، ويتذوقها حقًّا - تلك الكلمات - مع حركات الصلاة.
• كرِّر الحمد وأنت تنطلق لعملك أو دراستك، راكبًا أو ماشيًا؛ فهو يزيل القلق والتوتر، تحمد الله بما شئت؛ كأن تقول: سبحان الله وبحمده، عدد خَلقه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، ورضَا نفسه، وهي تجرِبة كانت تسعدني دائمًا!
• وإذا جلست مع أصدقائك، تذكروا كفارةَ المجلس قبل تفرُّقكم، وأولها تسبيح وحمد، وهي: "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك".
• احمَدِ اللهَ وأنت تكسب رزقك؛ كأن تقول: اللهم لك الحمد على الحلال، إنك أنت الرزاق ذو القوَّة المتين.
• وتأمَّل معانيَ الحمد مع صلاة الظهر وبقية اليوم؛ فهي خمسُ فروض نكرر فيها الحمد في الفاتحة 17 مرة، كما أشرت في الحمد العام، واقرأ لابنك ذلك (الحديث القدسي) ، وقِفْ لثوانٍ بعد ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، (وعلى رأس الآيات)، واستشعرِ الحبور والرضا لقوله تعالى لنا: "حمدني عبدي"، سبحان الله!
وإلى ذلك، فإن الحمد في الفاتحة وأنت بين يدي الله تعبيرٌ مريح لامتنانا لبارئنا:
• على طاعته.
• وعلى أعظمِ نِعمه: وهي الرحمة؛ فهو حمدٌ جاء بين رحمتين: البسملة قبله، و"الرحمن الرحيم" بعده، ناهيك عن المحامد في الدعاء، والتسبيح بعد الصلاة.
• الحمد على نعمة العبادة لله: أصف لأخي القارئ شعور الامتنان الذي يغمر المرء في بعض الصلوات النافلة، لا سيما قيام الليل، مما يجعله يقول: "الحمد لله الذي أقامني بين يديه"، فاجعله مع صلواتك يوم الحمد.
• ذكِّرْ ولدك إذا عطس بحمد الله تعالى، وأنه يكسِب إلى ثواب الحمد دعاءَ مَن يسمعه حين يقول: يرحمكم الله، (وأن يكظم التثاؤب)؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يحب العُطاسَ، ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد الله فحقٌّ على كل مسلم سمعه أن يُشمِّتَه))؛ رواه البخاري.
• واجعل ولدك في يوم الحمد هذا يتصدق ويحمد الله، وإذا مرض أو سمع بمريض أن يدعوَ بالشفاء، ويحمد الله الذي عافاه من ابتلاءٍ أكبر؛ فالشافي هو الله، والكافي هو الله، وإن كان له أخ في الله أن يرسل له رسالة فيها: "أحبك في الله"؛ امتثالاً لأمر رسولنا صلى الله عليه وسلم، ويقول: الحمد لله رب العالَمين على نعمة الأخوة في الله.
• خالِقْ زوجتك وابنتك وأختك بخُلق حسَن، وأكرِمْهن، واحمَدْه تعالى على أن يسر لك ذلك بقولك: "الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات"، وهو دعاء جميل بالحمد على كل عمل صالح.
• احمد الله على كل ما قد تناله طوال يومك، صغيرًا أو كبيرًا، ولو كان ثناءً أو شكرًا من أحد فهو رزقٌ ساقه الله إليك.
• فإن لبِستَ جديدًا قل: "اللهم لك الحمد؛ أنت كسَوْتَنيه، اللهم إني أسألك خيره وخير ما صُنع له".
• وإن زرتم بعض أهلكم، احمدوا الله على أن يسَّر لكم "صلة الرحم"، واصحب أولادك، وشجِّعْهم على التهادي؛ لحديث: ((تهادَوْا تحابُّوا))، واحمدوه تعالى على ذلك الفضل، الحمد لله.
• حمد الله تعالى خلال تلاوة القرآن: ستجد أن الكثير من الآيات تدعو لحمد الله تعالى، ولأنه يوم الحمد اجعل فيه تلاوة للقرآن، لتتذوق ذلك، وسيدهشك أنه مع بعض التدبر لمعانيها ينطلق لسانك بالحمد؛ فمثلاً إذا قرأت: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ [الزمر: 22]، قلت: الحمد لله أنني مسلم، اللهم اجعَلْني على نور، وإن قرأت: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾ [المائدة: 101]، قلت: الحمد لله الذي أدَّبنا بهذا الأدب، وبيَّن لنا الحكمة منه، وعلِّمها لأولادك، كل حسَب عمره، فإن قرأ أحدهم في التين: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4] قال وهو يتحسس عينيه وأنفه: الحمد لله الذي وهبني البصر والسمع والتنفس، وإن قرأ شقيقُه الأكبر سورة الزلزلة قال: الحمد لله الذي جعل هذا اليوم لترد الحقوق، ويقوم ميزان العدل.
وأخيرًا، حين تختم يومك عشيًّا تذكَّر الحمد والتسبيح والتكبير بعد العشاء 33 مرة لكل منها، استعدادًا لمحامدِ فجر جديد؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴾ [الروم: 18].
المحامد المتميزة: كانت تلك التجرِبة ليوم حمد عادي، ومن العلاج: هنالك التجمُّل والتقوِّي بالحمد لله تعالى على أمور استثنائية، لعل أهمها:
• الحمد على الابتلاء.
• والحمد على الظَّفَر المبين.
• ويقع بينهما الحمد للخروج من الابتلاء للظَّفر.
وهي محامدُ تترافق غالبًا مع الصبر والاستغفار، ونبدأ بآخرها.
1- الحمد لتحقيق المهمات الصعبة؛ قال تعالى يصبِّر نبينا على حمل الرسالة في آية توسطت بين طرَفٍ من قصة موسى مع قومه وبين الرد على المجادلين بآيات الله: ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ﴾ [غافر: 55]، وفيها يلاحظ أهمية تكرار التسبيح بالحمد (بالعشي والإبكار)، وهي فكرة يوم الحمد، ومباشرة بعد هذا الرد على المجادلين (56) الجاحدين (63) ووصف بعض آلائه ونعمائه (64) - أكَّد لنا سبحانه التذكير بالحمد بقوله: ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾[غافر: 64، 65]، وكأني بلساني انطلق بها قبل أن أقرأ تتمة الآية، بلى: الحمد لله رب العالمين! وأنت أخي حتى لو حزبك أمر شديد الصعوبة، (وهل أشد صعوبة من حمل الوحي وتبليغه؟ كل همومنا الدنيوية أمامه تهون!) وحتى لو ضاق صدرك بما يقولون ويفعلون، وإنه لضائق، تذكَّر هذه الآيات، وتذكر الحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وقل: اللهم لك الحمد أنك على كل شيء وكيل، ولك الحمد أنك لن تؤاخذنا على ضيق صدورنا، ولم تحملنا وزر السفهاء الذين أعماهم حبُّ الدنيا عن نور الحق، ولك الحمد أنك لن تؤاخذنا بآثام المتكبِّرين المجادلين، ولا الجاحدين المعاجزين وفسادهم.
2 - الحمد على الابتلاء: وهذه مرتبة عالية، وكل عبد مؤمن يتحلى بدرجة منها بحمد الله، والله تعالى يثيب الحامدين على الابتلاء أعظم ثواب؛ فهو برحمته جعل لكل مبتلًى يحمده بشارة، وهذا مثال:
عن أبي موسى الأشعري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات ولد العبد، قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمِدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسمُّوه بيت الحمد))؛ رواه الترمذي وقال: حديث حسن؛ (رياض الصالحين/ 1395 ).
سبحان الله! فوسط كل مشاهد الجنة البهيجة يتربع "بيت الحمد" لهذين الأبوين المحتسبين! وما أحوجنا لهذه البشارة مع قوافل الشهداء، وكثرة ما نشهد من فقد الأبناء اليوم، فالحمد لله على البشارة للمحتسبين، وهل أعظم من أن بيوت الحمد تبتنى في الجنان؟!
3 - الحمد لله رب العالَمين على الفوز والنصر:
ولعل أصدق وأوجز مثال له: التسبيح بحمد الله للتعبير عن الرضا والامتنان لأعظم نصر، وهو فتح مكة، وهو: ﴿ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ في قوله تعالى: ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 3]: سبحان الله والحمد لله، وكأنه - التسبيح بحمد الله - أسرع ما يقربنا لله تعالى في تلك الساعات المباركة، أليس "سبحان الله والحمد لله تملأان أو تملأ ما بين السماء والأرض"؟!.
ومرة أخرى - كما في البند الأول ومثاله من سورة غافر - ورسولنا ونحن من بعده في ذروة جذلنا بالنصر والفتح، انظر كيف يقترن الأمر الرباني بـ: "التسبيح بالحمد" مع الأمر بالاستغفار حتى لا نغفُلَ مع نشوة الظَّفر عن أن الموت قريب، اللهم لك الحمد، غفرانك!
ومن ذلك: الحمدُ على نعمة عظيمة تفُوق التوقع، وتخرق المألوف، مثل حمد سيدنا إبراهيم على الذرية الصالحة بعد عقم، في قوله تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 39].
ومنه: الحمد له سبحانه على اندفاع بلاءٍ وذَهاب حزن إلى غير رجعة، وهو حمد أهل الجنة، في سورة فاطر: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 34].
وكما بدأنا حديثنا بـ: الحمد لله، نختم بهذا الحمد العلوي، نسأله سبحانه أن يذهب عنا الحَزنَ، ويجعلنا من أهل الجنة، إنه غفور شكور.
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رب العالَمين.
ابو ياسر- عضو نشيط
-
عدد المساهمات : 231
التقييم : 0
العمر : 71
احترام قوانين المنتدى :
رد: يوم الحمد ( يوم من أيامنا )
بارك لله فيك
:karlhff:
:karlhff:
Mr.TnT- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 1126
التقييم : 1
العمر : 26
احترام قوانين المنتدى :
رد: يوم الحمد ( يوم من أيامنا )
شكرا لك
على هذا الموضوع مميز
واصل ابداعك
yakoub11- عضو نشيط
-
عدد المساهمات : 449
التقييم : 0
العمر : 22
احترام قوانين المنتدى :
رد: يوم الحمد ( يوم من أيامنا )
موضوع جميل
Ayoub BaàLi- عضو لا يفي بالوعد
-
عدد المساهمات : 2258
التقييم : 3
العمر : 27
احترام قوانين المنتدى :
رد: يوم الحمد ( يوم من أيامنا )
بارك الله فيك
Pro Gaming Network- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 1080
التقييم : 0
العمر : 20
احترام قوانين المنتدى :
رد: يوم الحمد ( يوم من أيامنا )
تسسسسسلم ما قصرت جععله في ميزان حسناتك تقبل مروري البسيط
دمت لنا ودامت مواضيعك
دمت لنا ودامت مواضيعك
Mr.Mohammed- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 3073
التقييم : 1
احترام قوانين المنتدى :
مواضيع مماثلة
» يوم الحمد ( يوم من أيامنا )
» اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد اذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا
» قل الحمد لله على كل شيء
» الحمد لله على نعمه
» دعاء الحمد لله ^^
» اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد اذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا
» قل الحمد لله على كل شيء
» الحمد لله على نعمه
» دعاء الحمد لله ^^
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى