وجعلنا له نورا يمشي به
+2
Pro Gaming Network
Ayoub BaàLi
6 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
وجعلنا له نورا يمشي به
كثيراً ما يأتي القرآن الكريم بعبارة حسية؛ ليبين معنى مجرداً؛ وذلك أن العقل أقرب إلى فهم واستيعاب ما هو مادي محسوس، على خلاف ما هو نظري مجرد. وهذا ما نلحظه في المثال القرآني الذي بين أيدينا:
يقول سبحانه: {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} (الأنعام:122). فقد ضرب سبحانه هذا المثل ليتبين وجه الفرق بين المؤمنين المهتدين؛ للاقتداء بهم، والكافرين الضالين؛ للتنفير من طاعتهم، والحذر من غوايتهم.
ويقدم المثل الذي بين أيدينا أربع صور حسية، لا تخلو منها حياة الإنسان، ولكل منها تأثيره البالغ عليه؛ ففي الموت يفنى جسد الإنسان، وينعدم نهائياً من هذه الحياة. وفي الحياة يتجسد وجوده بكل ما ينطوي عليه، وذلك منذ تكوينه في بطن أمه وإلى نهاية عمره. أما النور فإن فيه دلالة على عيش الإنسان في حركته الدائمة، من الصحة والنشاط والعمل، ومن التأثر بما يحيط به، أو التأثير الذي يحدثه في هذا المحيط. وأما الظلام فهو على عكس النور؛ لأنه يعني السكون، وعدم وجود المقومات التي تمكنه من الحركة أو التأثير، فهو من أهم معوقات الإنسان عن العطاء الذي يمكن من تفاعل الحياة في مختلف جوانبها.
وأهم ما يريد هذا المثل القرآني أن يوجه إليه المسلم، هو التمييز بين الكفر والإيمان، مع إثبات صورة عجيبة في أذهاننا، وهي إعادة ميت إلى الحياة، وسعيه بين الناس بأفضل مما كان عليه قبل موته. فالمقصود من هذا المثل القرآني الإنسانُ الكافر، الذي يكون بمثابة الميت في كفره، فيهديه ربه إلى الإيمان، وفي هذه الهداية تكون حياته الحقيقية.
وكثيراً ما تستعار (الحياة) للهداية وللعلم، ومنه قول الشاعر:
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله فأجسامهم قبل القبور قبور
وإن امـرأ لـم يحيى بالعلم ميت فليس له حتى النشور نشور
وقد وصف سبحانه الكفار بأنهم أموات في قوله: {أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون} (النحل:21)، وأيضاً في قوله: {لينذر من كان حيا} (يس:70)، وفي قوله: {إنك لا تسمع الموتى} (النمل:80)، وفي قوله: {وما يستوي الأحياء ولا الأموات} (فاطر:22)، فقد جعل سبحانه الكفر موتاً والكافر ميتاً، وبالمقابل جعل الهدى حياة والمهتدي حياً، وإنما جعل الكفر موتاً؛ لأنه جهل، والجهل يوجب الحيرة والتردد، فهو كالموت الذي يوجب السكون، وأيضا الميت لا يهتدي إلى شيء، والجاهل كذلك، والهدى علم وبصر، والعلم والبصر سبب لحصول الرشد في الدنيا، والفوز في الآخرة.
ولكي يظل المهتدي على هداه لا يزيغ عنه ولا يحيد، فإن الله يجعل له نوراً دائماً يستضيء به في درب هذه الحياة، وهذا النور هو القرآن المبين، الذي هو الصراط المستقيم، وهو الشفاء لما في الصدور من أمراض وعلل. فالقرآن هو النور الهادي الشافي. وقد جاءت تسمية القرآن بـ (النور) في أكثر من آية في القرآن الكريم، كقوله تعالى: {وأنزلنا إليكم نورا مبينا} (النساء:174). فالقرآن نور يحمله المؤمن في قلبه، وعلى لسانه، وبين يديه، ويمشي به في الناس آمناً مطمئناً، مقبلاً غير مدبر، منفتحاً على الحياة، غير هياب لم يعترضه من عقبات.
والظلمة عكس النور، وقد وردت في القرآن الكريم تسمية الجهل بالظلمة، مثلما وردت تسمية الإيمان بالنور، قال تعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} (البقرة:257) فيكون الكافر هو الجاهل الضال، القابع في ظلمات الجهل، لا يبصر علماً، ولا يهتدي سبيلاً.
وتمثيل المؤمن بالحي، والكافر بالميت ورد في مواضع عديدة في القرآن الكريم، كقوله تعالى: {وما يستوي الأحياء ولا الأموات} (فاطر:22)، وقال سبحانه: {إنك لا تسمع الموتى} (النمل:80)، وقال عز وجل: {لينذر من كان حيا} (يس:70). ومن هنا كان التعبير عن الكفر، والجهل، والضلال بـ (الظلام) الذي هو العمى والتيه. وسمى القرآن الكريم الكافر بـ (الأعمى) الذي تغطي (الظلمة) بصره وبصيرته، كما قال تعالى: {هل يستوي الأعمى والبصير} (الأنعام:50). ولذلك كان الإيمان ضد الكفر، وكان المؤمنون غير الكافرين في كل شيء.
ومن المفيد هنا أن نستحضر كلاماً لسيد قطب حول هذا المثل لأهميته، يقول رحمه الله: "إن هذه العقيدة تنشئ في القلب حياة بعد الموت، وتطلق فيه نوراً بعد الظلمات. حياة يعيد بها تذوق كل شيء، وتصور كل شيء، وتقدير كل شيء بحس آخر، لم يكن يعرفه قبل هذه الحياة. ونوراً يبدو كل شيء تحت أشعته وفي مجاله جديداً، كما لم يبد من قبل قط لذلك القلب الذي نوره الإيمان.
إن الكفر انقطاع عن الحياة الحقيقية الأبدية، التي لا تفنى ولا تغيض ولا تغيب. فهو موت، وانعزال عن القوة الفاعلة المؤثرة في الوجود كله. وهو موت وانطماس في أجهزة الاستقبال والاستجابة الفطرية...والإيمان اتصال، واستمداد، واستجابة، فهو حياة.
إن الكفر حجاب للروح عن الاستشراف والاطلاع، فهو ظلمة، وختم على الجوارح والمشاعر، وتيه في الجهل والضلال. وإن الإيمان تفتح ورؤية، وإدراك واستقامة. فهو نور بكل مقومات النور.
إن الكفر انكماش وتحجر، فهو ضيق، وشرود عن الطريق الفطري الميسر، فهو عسر، وحرمان من الاطمئنان إلى الكنف الآمن، فهو قلق. وإن الإيمان انشراح ويسر وطمأنينة وظل ممدود.
وما الكافر؟ إن هو إلا نبتة ضالة، لا وشائج لها في تربة هذا الوجود ولا جذور. إن هو إلا فرد منقطع الصلة بخالق الوجود، فهو منقطع الصلة بالوجود. لا تربطه به إلا روابط هزيلة من وجوده الفردي المحدود. في أضيق الحدود. في الحدود التي تعيش فيها البهيمة. حدود الحس وما يدركه الحس من ظاهر هذا الوجود".
وفي المحصلة، فإن العبرة في هذا المثل أن يطالب المسلم نفسه بأن يكون حياً عالماً على بصيرة في دينه وأعماله وحسن سيرته في الناس، وقدوة لهم في الفضائل والخيرات، وحجة على فضل دينه على جميع الأديان، وعلو آدابه على جميع الآداب.
Ayoub BaàLi- عضو لا يفي بالوعد
-
عدد المساهمات : 2258
التقييم : 3
العمر : 27
احترام قوانين المنتدى :
رد: وجعلنا له نورا يمشي به
بارك الله فيك
Pro Gaming Network- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 1080
التقييم : 0
العمر : 20
احترام قوانين المنتدى :
رد: وجعلنا له نورا يمشي به
سلمت يداك على الطرح الطيب
لاعدمنـآ هذا التميز
يعطيكـ ربي العآفيهـ
بـ إنتظارجديدك بكل شوق
ودي ووردي
رد: وجعلنا له نورا يمشي به
شكرا على المرور
Ayoub BaàLi- عضو لا يفي بالوعد
-
عدد المساهمات : 2258
التقييم : 3
العمر : 27
احترام قوانين المنتدى :
رد: وجعلنا له نورا يمشي به
يعطيك الف عافية
على هذا الطرح المميز
واصل ابداعك
yakoub11- عضو نشيط
-
عدد المساهمات : 449
التقييم : 0
العمر : 22
احترام قوانين المنتدى :
رد: وجعلنا له نورا يمشي به
چزآڪ آللهـّ آلف خيّر علىّـآ آلموٍِضوٍِع آلمفيد وٍِ آلرآئع
پآرٍِڪ آللهـّ فيڪ وٍِآنآلڪ ڪل مآآفي پآلڪ وٍِآپعدڪ عن
ڪل شرٍِ وٍِحسد وحقد وآدخلڪ من فسيح چنآتهـّ يآآرپ
.
پآرٍِڪ آللهـّ فيڪ وٍِآنآلڪ ڪل مآآفي پآلڪ وٍِآپعدڪ عن
ڪل شرٍِ وٍِحسد وحقد وآدخلڪ من فسيح چنآتهـّ يآآرپ
.
Mohamed dz- عضو جديد
-
عدد المساهمات : 121
التقييم : 0
العمر : 24
احترام قوانين المنتدى :
رد: وجعلنا له نورا يمشي به
تسسسسسلم ما قصرت جععله في ميزان حسناتك تقبل مروري البسيط
دمت لنا ودامت مواضيعك
دمت لنا ودامت مواضيعك
Mr.Mohammed- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 3073
التقييم : 1
احترام قوانين المنتدى :
مواضيع مماثلة
» وقفة مع قوله [ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ]
» وجعلنا سراجاً وهاجاً
» شهيد يمشي على الأرض
» فلنكن قرآن يمشي على الارض.!!
» وقفة مع قوله [ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ]
» وجعلنا سراجاً وهاجاً
» شهيد يمشي على الأرض
» فلنكن قرآن يمشي على الارض.!!
» وقفة مع قوله [ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ]
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى