فَضْلُ العِلْمِ و فَوَائِدُهُ:
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
فَضْلُ العِلْمِ و فَوَائِدُهُ:
||◄ فَضْلُ العِلْمِ و فَوَائِدُهُ: ►||
فَإِنَّ اللهَ تَعالى ما فَضَّلَ شَيئًا عَلى غَيرِهِ إِلاّ وكَان ذَلكَ الفَاضِلُ الْمُفَضَّلُ يَتَضَمَّنُ مِنَ الفَضَائِلِ الفَاخِرَةِ والمسَائِلِ الفَاضِلَةِ الّتِي يَتَعَدَّى نَفْعُها ويَتَوَسَّعُ خَيْرُها أَكثَرَ مِن غَيرِها.
وإِنَّ العِلمَ يَنفَعُ النَّاسَ أَكثَرَ من غَيرِهِ وحَاجَتُهُم إِلَيهِ أَعظَمُ مِن حاجَتِهِم إِلى الطَّعامِ والشَّرابِ؛قال الإمامُ أَحمَدُ رَحِمَهُ اللهُ : "النَّاسُ إِلى العِلمِ أَحْوَجُ مِنْهُم إِلى الطَّعامِ والشَّرابِ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَحتاجُ إِلى الطَّعامِ مَرَّةً أَو مَرَّتَينِ وحاجَتُهُ إِلى العِلمِ بِعَدَدِ أَنْفاسِهِ".
واشتِغالُهُم بِهِ -العِلم- مِن أَفضَلِ الطَّاعاتِ وأَعظَمِ القُرُباتِ إِذْ هُوَ عِبادَةٌ مِنَ العِباداتِ؛ قال بَعضُ أَهلِ العِلمِ :"العِلمُ صَلاةُ السِّرِّ وعِبادَةُ القَلبِ"، وهُوَ أَفضَلُ ما تُشْغَلُ بِهِ الأَوقاتُ وتُبْذَلُ في سَبيلِ تَحصيلِهِ الجُهودُ والطَّاقاتُ؛ فَبِهِ يَنالُ العَبدُ أَسْنَى الدَّرَجاتِ وأَسْمَى الْمَقاماتِ قال اللهُ تَعالى :﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: ١١] ، وقال تعالى :﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ﴾[يوسف: ٧٦] ؛ ولَهُ مِنَ اللهِ بِذَلِكَ أَفضَلُ التَّشريفاتِ وكانَ أَهلاً لِأَجمَلِ الشَّهادَاتِ، قال تَعالى : ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: ١٨]، وناهيكَ بِها شَرَفًا وفَضلًا، وكَفَى بِهِ عِزَّةً وفَخْرًا، كَيفَ لا وقَدْ ذَكَرَهُ اللهُ ثالِثًا بَعْدَما بَدَأَ بِنَفْسِه وَثَنَّى بِمَلائِكَتِه.
والعِلْمُ سِمَةُ الخَشْيَةِ عِند العُلَمَاءِ؛ قال تَعالى :﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨]، وهُوَ نُورٌ يُهْتَدَى بِهِ في ظُلُماتِ الشُّكُوكِ والجَهالاتِ وسَكِيَنةٌ لِلقُلوبِ والنُّفوسِ وحافِظٌ مِن كُلِّ ما يَشُوبُها ويُشَوِّهُها مِنَ الشُّبُهات والشَّهَوات.
وكَذلِكَ العِلمُ هُوَ الأَساسُ الأَعْظم لِجَميعِ المعَامَلاتِ، والشَّرْطُ الأَلْزَمُ لِصِحَّةِ الأَعْمالِ والأَقْوالِ وعَامَّةِ التَّصَرُّفاتِ، وهُوَ مِفْتاحُ بابِ كُلِّ ذَلِكَ مِنَ العِباداتِ والطَّاعاتِ قال اللهُ تَعالى:﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمّد : ١٩]؛ فَبَدَأَ بِالعِلمِ وما ذَلِكَ إِلَّا لِعَظَمَتِهِ وشَرْطِيَّتِهِ وعَلى هَذا بَنَى العُلَمَاءُ أَحْكامًا ومِنهُ استَخْرَجُوا حِكَمًا مِنْها ما بَوَّبَ بِهِ الإِمامُ البُخارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ في صَحيحِهِ"بَابٌ العِلمُ قَبْلَ القَوْلِ والعَمَلِ".
فالعِلمُ هُوَ الدَّافِعُ الْمُوَجِّهُ إِلى فِعْلِ الطَّاعاتِ وكَسْبِ الحَسَناتِ، والمانِعُ الصَّارِفُ مِنَ المعاصِي وفِعْلِ السَّيِّئاتِ؛ وقَوَامُ العَبدِ في هَذِهِ الحَياةِ وسَبيلُهُ الْمُوصِلُ إِلى الجَنَّاتِ قال صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم :"مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ" رواهُ مُسْلِمٌ؛ وإِنَّ ثَوَابَهُ يَنفَعُ صاحِبَهُ في حالِ الحَياةِ وبَعْدَ الْمَمَاتِ، قال صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم :"إِذَا مَاتَ اِبْنُ آدَمَ اِنْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ؛ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ" رواهُ مُسْلِمٌ؛ فَمَن أُوتِيَ العِلمَ فَقَد أُوتِيَ خَيرًا كَثِيرًا، ونَال بِهِ فَضْلًا كَبِيرًا وكانَ أَهْلًا لِخَيرِ اللهِ وجَدِيرًا، قال صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم :" مَنْ يُرِدِ اللهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ"رَواهُ البُخَارِي ومُسْلِم.
فبالعِلمِ يُعْرَفُ اللهُ -أَسماؤُهُ وصِفاتُهُ وأَفعالُهُ وآلاؤُهُ- ويُهتَدَى إِلى صِراطِهِ، وبالعِلمِ يُهتَدَى إِلى التَّفْريقِ بَيْنَ حَلَالِهِ وحَرامِهِ، وبالعِلمِ يَهتَدِي العَبْدُ إِلى الفَرْقِ بَيْنَ الأَحْكامِ الخَمْسَةِ -التَّكْليفِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ- التَّابِعَةِ لِجَمِيعِ حَرَكَاتِهِ وسَكَنَاتِهِ؛ فالعِلْمُ مِفْتاحُ صَلاحِهِ وبَابُ سَعادَتِهِ فبالعِلمِ يَتَوَصَّلُ العَبدُ إِلى إِحْقاقِ ما يَنْفَعُهُ واتِّقاءِ ما يَضُرُّهُ.
ولَمَّا كانَتْ فَوائِدُ العِلمِ أَكْثَر مِن أَن تُحْصَر وأَشْهَر مِن أَنْ تُذْكَر، فَتُعْرَفُ ولا تُنْكَر، وعَلَيْها العَبْدُ رَبَّهُ يَشْكُر، ولِكُلِّ مَن عَلَّمَهُ النَّاسَ أَهْلُ السَّماءِ والأَرْضِ والحُوتُ والنَّمْلُ يَستَغْفِر، ومِنْ أَجْلِ نَيْلِهِ وبُلوغِ قِمَّتِهِ وتَحصيلِ فَضْلِهِ وتَحْقيقِ خَيْرِهِ أَمَرَ اللهُ العِبادَ بالتَعلُّمِ وبِدونِهِ عَدَمُ التَّعَلُّمِ، وكَذا أَمَرَ أَشْرَفَ الخَلْقِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم بالاستِزَادَةِ مِنْهُ فَقال تَعالى : ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه : ١١٤].
ولَوْ كانَ هُناكَ شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنَ العِلمِ لَسَأَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم رَبَّهُ وطَلَبَ الزِّيادَةَ مِنْهُ فَلَمَّا كانَ العِلمُ فَرْضًا ونًفْلًا فَإِنَّ الأَنْبِياءَ كانُوا لَهُ أَهْلًا، واستَحَقُّوا بِهِ فَضْلًا، فَالرَّسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم مَضَى في تَحقيقِهِ استِزَادَةً وطَلَبًا وسيِّدُنا مُوسَى اتَّخَذَ في سَبِيلِ نَيلِهِ وتَحْصيلِهِ طَرِيقَهُ في البَحْرِ عَجَبًا فَقال لِمُعَلِّمِهِ: ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ [الكهف : ٦٦].
وكَذَلكَ تَحمَّلَ السَّلَفُ الصَّالِحُ في سَبيلِهِ ما اعتَرَضَهُم مِنَ الشَّدَائِدِ والعَقَباتِ وتَجاوَزُوها بِحَزمٍ وحِلمٍ وتَجَلُّدٍ، و في تَحَمُّلِ ما فيها مِن آلامٍ لِما يَجِدونَ بَعدَها مِن آمالٍ وحُسنِ مآلٍ وذَلكَ هُوَ دَربُ الأَعلامِ، وسِيرَتُهُم حافِلَةٌ بهذا ومَناقِبُهُم فاضِلَةٌ فِيهِ وإِجازاتُهُم فاخِرَةٌ بِهِ، فَلَهُم شَرَفُ استِحقاقٍ لِميراثِ الأَنبِياءِ وكانُوا بِهِ عُلَماءَ ولهُ أُمَناءَ ولِتَحَمُّلِهِ وبَذلِهِ حُلَماءَ نُزَهاءَ، فَكانَ حَقُّهُم فيهِ ظاهِرًا وحَظُّهُم وافِرًا قال صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم :"العُلَماءُ وَرَثَةُ الأَنبِياءِ، وإِنَّ الأَنبِياءَ لَم يُوَرِّثُوا دِينارًا ولا دِرْهَمًا ولَكِن وَرَّثُوا العِلمَ، فَمَن أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍ وَافِرٍ". رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد وغيرهم.
فَكانُوا حَقًا عُدُولاً في تَحمُّلِهِ وبَذلِهِ وعَلَّموهُ غَيرَهُم كَما تَعَلَّموهُ مِن غَيرِهِم، فَبَذَلوا قُوَّاتهم وقَضَوا أَوقاتَهُم وصَرَفُوا هِمَمَهُم إلى تَصفِيَتِهِ مِن كُلِّ شائِبَةٍ ونَفَوا عَنه كُلَّ ما لَيس لَه صِلَةٌ ثَابِتةٌ، قال صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم " يَحمِلُ هَذا العِلمَ مِن كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنه تَحريفَ الغَالينَ وتَأْوِيلَ الجاهِلينَ وانتِحالَ المُبْطِلينَ " أخرجه الخطيب وغيره.
وبَعدَ كُلِّ هَذا الَّذي ذَكَرنَاهُ مِن فَضلِ العِلمِ وشَرَفِ ذَويهِ حالاً ومآلًا، دُنيَا وأُخرى، هَل يَستَوِي العُلَماءُ وغَيرُهُم مِمَّن لَيسُوا بِعُلَماءَ؟ فَلا شَكَّ في كَونِهِم لَا يَستَوُونَ في نَظَرِ الحُكَماءِ والأَلِبَّاءِ لأَنَّ العَالمَ يَسيرُ عَلى نُورٍ مَن رَبِّهِ بَينَما غَيُر العالِمِ كَمَن يَمشِي في الظُّلُماتِ بَعضُها فَوقَ بَعضٍ لَيس بِخارِجٍ مِنها إِلَّا إِذا استَنارَ بِنورِ العِلمِ؛ فالعُلُماءُ في أَعلَى الدَّرَجَاتِ والجُهَلاءُ في أَسفَلِ الدَّرَكاتِ فَلا يَستوُونَ إِذًا أَبدًا ! قال الله تعالى :﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر: ٩].
فالعِلمَ العِلمَ عِبادَ الله، إذْ العِلم جِماع المنَافِع وتُرْجُمان الخَير والصَّلاح مراجع، فاصدُقوا فِي الطَّلَبِ وأخْلصوا لله في القَصد فذانِكَ شَرطانِ مُهمَّان نافعان وله من كلّ زَلَل أو خَلَل مانِعان، ومِن قَواصِم الطَّريقِ عَاصِمان والله حَسْبُك وعليه التّكلان.
وسُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِك أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْت أَسْتَغْفِرُكَ وأَتُوبُ إِلَيْك.
والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
وآخرُ دَعْوانا أنِ الحَمْدُ لله رَبِّ العالمينَ،
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
فَإِنَّ اللهَ تَعالى ما فَضَّلَ شَيئًا عَلى غَيرِهِ إِلاّ وكَان ذَلكَ الفَاضِلُ الْمُفَضَّلُ يَتَضَمَّنُ مِنَ الفَضَائِلِ الفَاخِرَةِ والمسَائِلِ الفَاضِلَةِ الّتِي يَتَعَدَّى نَفْعُها ويَتَوَسَّعُ خَيْرُها أَكثَرَ مِن غَيرِها.
وإِنَّ العِلمَ يَنفَعُ النَّاسَ أَكثَرَ من غَيرِهِ وحَاجَتُهُم إِلَيهِ أَعظَمُ مِن حاجَتِهِم إِلى الطَّعامِ والشَّرابِ؛قال الإمامُ أَحمَدُ رَحِمَهُ اللهُ : "النَّاسُ إِلى العِلمِ أَحْوَجُ مِنْهُم إِلى الطَّعامِ والشَّرابِ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَحتاجُ إِلى الطَّعامِ مَرَّةً أَو مَرَّتَينِ وحاجَتُهُ إِلى العِلمِ بِعَدَدِ أَنْفاسِهِ".
واشتِغالُهُم بِهِ -العِلم- مِن أَفضَلِ الطَّاعاتِ وأَعظَمِ القُرُباتِ إِذْ هُوَ عِبادَةٌ مِنَ العِباداتِ؛ قال بَعضُ أَهلِ العِلمِ :"العِلمُ صَلاةُ السِّرِّ وعِبادَةُ القَلبِ"، وهُوَ أَفضَلُ ما تُشْغَلُ بِهِ الأَوقاتُ وتُبْذَلُ في سَبيلِ تَحصيلِهِ الجُهودُ والطَّاقاتُ؛ فَبِهِ يَنالُ العَبدُ أَسْنَى الدَّرَجاتِ وأَسْمَى الْمَقاماتِ قال اللهُ تَعالى :﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: ١١] ، وقال تعالى :﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ﴾[يوسف: ٧٦] ؛ ولَهُ مِنَ اللهِ بِذَلِكَ أَفضَلُ التَّشريفاتِ وكانَ أَهلاً لِأَجمَلِ الشَّهادَاتِ، قال تَعالى : ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: ١٨]، وناهيكَ بِها شَرَفًا وفَضلًا، وكَفَى بِهِ عِزَّةً وفَخْرًا، كَيفَ لا وقَدْ ذَكَرَهُ اللهُ ثالِثًا بَعْدَما بَدَأَ بِنَفْسِه وَثَنَّى بِمَلائِكَتِه.
والعِلْمُ سِمَةُ الخَشْيَةِ عِند العُلَمَاءِ؛ قال تَعالى :﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨]، وهُوَ نُورٌ يُهْتَدَى بِهِ في ظُلُماتِ الشُّكُوكِ والجَهالاتِ وسَكِيَنةٌ لِلقُلوبِ والنُّفوسِ وحافِظٌ مِن كُلِّ ما يَشُوبُها ويُشَوِّهُها مِنَ الشُّبُهات والشَّهَوات.
وكَذلِكَ العِلمُ هُوَ الأَساسُ الأَعْظم لِجَميعِ المعَامَلاتِ، والشَّرْطُ الأَلْزَمُ لِصِحَّةِ الأَعْمالِ والأَقْوالِ وعَامَّةِ التَّصَرُّفاتِ، وهُوَ مِفْتاحُ بابِ كُلِّ ذَلِكَ مِنَ العِباداتِ والطَّاعاتِ قال اللهُ تَعالى:﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمّد : ١٩]؛ فَبَدَأَ بِالعِلمِ وما ذَلِكَ إِلَّا لِعَظَمَتِهِ وشَرْطِيَّتِهِ وعَلى هَذا بَنَى العُلَمَاءُ أَحْكامًا ومِنهُ استَخْرَجُوا حِكَمًا مِنْها ما بَوَّبَ بِهِ الإِمامُ البُخارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ في صَحيحِهِ"بَابٌ العِلمُ قَبْلَ القَوْلِ والعَمَلِ".
فالعِلمُ هُوَ الدَّافِعُ الْمُوَجِّهُ إِلى فِعْلِ الطَّاعاتِ وكَسْبِ الحَسَناتِ، والمانِعُ الصَّارِفُ مِنَ المعاصِي وفِعْلِ السَّيِّئاتِ؛ وقَوَامُ العَبدِ في هَذِهِ الحَياةِ وسَبيلُهُ الْمُوصِلُ إِلى الجَنَّاتِ قال صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم :"مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ" رواهُ مُسْلِمٌ؛ وإِنَّ ثَوَابَهُ يَنفَعُ صاحِبَهُ في حالِ الحَياةِ وبَعْدَ الْمَمَاتِ، قال صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم :"إِذَا مَاتَ اِبْنُ آدَمَ اِنْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ؛ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ" رواهُ مُسْلِمٌ؛ فَمَن أُوتِيَ العِلمَ فَقَد أُوتِيَ خَيرًا كَثِيرًا، ونَال بِهِ فَضْلًا كَبِيرًا وكانَ أَهْلًا لِخَيرِ اللهِ وجَدِيرًا، قال صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم :" مَنْ يُرِدِ اللهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ"رَواهُ البُخَارِي ومُسْلِم.
فبالعِلمِ يُعْرَفُ اللهُ -أَسماؤُهُ وصِفاتُهُ وأَفعالُهُ وآلاؤُهُ- ويُهتَدَى إِلى صِراطِهِ، وبالعِلمِ يُهتَدَى إِلى التَّفْريقِ بَيْنَ حَلَالِهِ وحَرامِهِ، وبالعِلمِ يَهتَدِي العَبْدُ إِلى الفَرْقِ بَيْنَ الأَحْكامِ الخَمْسَةِ -التَّكْليفِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ- التَّابِعَةِ لِجَمِيعِ حَرَكَاتِهِ وسَكَنَاتِهِ؛ فالعِلْمُ مِفْتاحُ صَلاحِهِ وبَابُ سَعادَتِهِ فبالعِلمِ يَتَوَصَّلُ العَبدُ إِلى إِحْقاقِ ما يَنْفَعُهُ واتِّقاءِ ما يَضُرُّهُ.
ولَمَّا كانَتْ فَوائِدُ العِلمِ أَكْثَر مِن أَن تُحْصَر وأَشْهَر مِن أَنْ تُذْكَر، فَتُعْرَفُ ولا تُنْكَر، وعَلَيْها العَبْدُ رَبَّهُ يَشْكُر، ولِكُلِّ مَن عَلَّمَهُ النَّاسَ أَهْلُ السَّماءِ والأَرْضِ والحُوتُ والنَّمْلُ يَستَغْفِر، ومِنْ أَجْلِ نَيْلِهِ وبُلوغِ قِمَّتِهِ وتَحصيلِ فَضْلِهِ وتَحْقيقِ خَيْرِهِ أَمَرَ اللهُ العِبادَ بالتَعلُّمِ وبِدونِهِ عَدَمُ التَّعَلُّمِ، وكَذا أَمَرَ أَشْرَفَ الخَلْقِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم بالاستِزَادَةِ مِنْهُ فَقال تَعالى : ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه : ١١٤].
ولَوْ كانَ هُناكَ شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنَ العِلمِ لَسَأَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم رَبَّهُ وطَلَبَ الزِّيادَةَ مِنْهُ فَلَمَّا كانَ العِلمُ فَرْضًا ونًفْلًا فَإِنَّ الأَنْبِياءَ كانُوا لَهُ أَهْلًا، واستَحَقُّوا بِهِ فَضْلًا، فَالرَّسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم مَضَى في تَحقيقِهِ استِزَادَةً وطَلَبًا وسيِّدُنا مُوسَى اتَّخَذَ في سَبِيلِ نَيلِهِ وتَحْصيلِهِ طَرِيقَهُ في البَحْرِ عَجَبًا فَقال لِمُعَلِّمِهِ: ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ [الكهف : ٦٦].
وكَذَلكَ تَحمَّلَ السَّلَفُ الصَّالِحُ في سَبيلِهِ ما اعتَرَضَهُم مِنَ الشَّدَائِدِ والعَقَباتِ وتَجاوَزُوها بِحَزمٍ وحِلمٍ وتَجَلُّدٍ، و في تَحَمُّلِ ما فيها مِن آلامٍ لِما يَجِدونَ بَعدَها مِن آمالٍ وحُسنِ مآلٍ وذَلكَ هُوَ دَربُ الأَعلامِ، وسِيرَتُهُم حافِلَةٌ بهذا ومَناقِبُهُم فاضِلَةٌ فِيهِ وإِجازاتُهُم فاخِرَةٌ بِهِ، فَلَهُم شَرَفُ استِحقاقٍ لِميراثِ الأَنبِياءِ وكانُوا بِهِ عُلَماءَ ولهُ أُمَناءَ ولِتَحَمُّلِهِ وبَذلِهِ حُلَماءَ نُزَهاءَ، فَكانَ حَقُّهُم فيهِ ظاهِرًا وحَظُّهُم وافِرًا قال صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم :"العُلَماءُ وَرَثَةُ الأَنبِياءِ، وإِنَّ الأَنبِياءَ لَم يُوَرِّثُوا دِينارًا ولا دِرْهَمًا ولَكِن وَرَّثُوا العِلمَ، فَمَن أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍ وَافِرٍ". رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد وغيرهم.
فَكانُوا حَقًا عُدُولاً في تَحمُّلِهِ وبَذلِهِ وعَلَّموهُ غَيرَهُم كَما تَعَلَّموهُ مِن غَيرِهِم، فَبَذَلوا قُوَّاتهم وقَضَوا أَوقاتَهُم وصَرَفُوا هِمَمَهُم إلى تَصفِيَتِهِ مِن كُلِّ شائِبَةٍ ونَفَوا عَنه كُلَّ ما لَيس لَه صِلَةٌ ثَابِتةٌ، قال صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم " يَحمِلُ هَذا العِلمَ مِن كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنه تَحريفَ الغَالينَ وتَأْوِيلَ الجاهِلينَ وانتِحالَ المُبْطِلينَ " أخرجه الخطيب وغيره.
وبَعدَ كُلِّ هَذا الَّذي ذَكَرنَاهُ مِن فَضلِ العِلمِ وشَرَفِ ذَويهِ حالاً ومآلًا، دُنيَا وأُخرى، هَل يَستَوِي العُلَماءُ وغَيرُهُم مِمَّن لَيسُوا بِعُلَماءَ؟ فَلا شَكَّ في كَونِهِم لَا يَستَوُونَ في نَظَرِ الحُكَماءِ والأَلِبَّاءِ لأَنَّ العَالمَ يَسيرُ عَلى نُورٍ مَن رَبِّهِ بَينَما غَيُر العالِمِ كَمَن يَمشِي في الظُّلُماتِ بَعضُها فَوقَ بَعضٍ لَيس بِخارِجٍ مِنها إِلَّا إِذا استَنارَ بِنورِ العِلمِ؛ فالعُلُماءُ في أَعلَى الدَّرَجَاتِ والجُهَلاءُ في أَسفَلِ الدَّرَكاتِ فَلا يَستوُونَ إِذًا أَبدًا ! قال الله تعالى :﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر: ٩].
فالعِلمَ العِلمَ عِبادَ الله، إذْ العِلم جِماع المنَافِع وتُرْجُمان الخَير والصَّلاح مراجع، فاصدُقوا فِي الطَّلَبِ وأخْلصوا لله في القَصد فذانِكَ شَرطانِ مُهمَّان نافعان وله من كلّ زَلَل أو خَلَل مانِعان، ومِن قَواصِم الطَّريقِ عَاصِمان والله حَسْبُك وعليه التّكلان.
وسُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِك أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْت أَسْتَغْفِرُكَ وأَتُوبُ إِلَيْك.
والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
وآخرُ دَعْوانا أنِ الحَمْدُ لله رَبِّ العالمينَ،
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
المسوق العربي- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 1225
التقييم : 9
العمر : 35
احترام قوانين المنتدى :
رد: فَضْلُ العِلْمِ و فَوَائِدُهُ:
سلمت يداك على الطرح الطيب
لاعدمنـآ هذا التميز
يعطيكـ ربي العآفيهـ
بـ إنتظارجديدك بكل شوق
ودي ووردي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى