الإمام الجنيد شيخ العارفين وقدوة السائرين
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الإمام الجنيد شيخ العارفين وقدوة السائرين
الإمام الجُنيد .. نسبه ونشأته:
هو الجنيد بن محمد بن الجنيد النهاوندي، ثم البغدادي، ولد ببغداد بعد سنة 220هـ. قال أبو نعيم: "كان في أول أمره يتفقه على مذهب أصحاب الحديث مثل أبي عبيد وأبي ثور"، قال الخطيب: "وأسند الحديث عن الحسن بن عرفة. ثم أقبل على شأنه وتأله وتعبد وصحب الحارث المحاسبي، وأبا حمزة البغدادي فسلك مسلكهما في التحقيق بالعلم واستعماله"، قاله أبو نعيم. قال الخطيب مؤكداً ذلك: "ثم اشتغل بالعبادة ولازمها حتى علت سِنه، وصار شيخ وقته، وفريد عصره في علم الأحوال والكلام على لسان الصوفية".قال ابن المناوي: سمع الحديث الكثير من الشيوخ، وشاهد الصالحين، وأهل المعرفة، ورُزق من الذكاء وصواب الجواب، لم يُر في زمانه مثله في عِفةٍ وعُزوفٍ عن الدنيا. يقول عن نفسه رحمه الله: كنت أُفتي في حلقة أبي ثور الكلبي (ت سنة 240هـ) ولي عشرون سنة".
وقد أفرد الهجويري للجنيد فرقة سماها (الجنيدية)، وفرّق بينه وبين فرقة (الطيفوريين) ص419.
محنة الإمام الجنيد:
لا يمكن لدارس الجنيد أن يمر مرور الكرام على هذه الفتنة، والتي طالت الصوفية، والجنيد خاصة، واتهم فيها بالكفر والزندقة! وكان المحرّض لها رجل يُدعى: غلام خليل، أنكر على بعض الصوفية قولهم في المحبة، وكان يقول: الخوف أولى بنا، فطلبهم بأمر الخليفة فاختفى عامتهم، وبعضهم خلّصته العامة. ووصفه -أي غلام خليل- الهجويري بأنه رجل مرائي، ويدعي التصوف .. وذكر سعيه إلى الخليفة. ويرى صاحب كتاب "الإمام الجنيد" زهير ظاظا أن القصة مختلقة، ولم يُورد الدليل على هذا الاختلاق، إلا تردد بعض المترجمين في تفاصيل القصة ,وهذا لا يكفي في رد القصة والفتنة.
الثناء على الإمام الجنيد:
وأطبق علماء التراجم على الثناء عليه، وعلى فضله وزهده, فمن ذلك:
قال أبو نعيم: "كان الجُنيد رحمه الله ممن أحكم علم ا لشريعة".
وقال السلمي: "وهو من أئمة القوم وسادتهم، مقبولٌ على جميع الألسنة".
وقال ابن تيمية: " أحد الأئمة العارفين".
وقال السبكي: "سيد الطائفة ومقدَّم الجماعة".
وقال الذهبي: "كان شيخ العارفين وقُدوة السائرين وعَلَم الأولياء في زمانه".كتب الإمام الجنيد:
لم ينص أحدٌ من المتقدمين على الكتب التي تنسب إليه إلا ما نجده عند ابن النديم في "الفهرست"، فهو يقول: "له من الكتب: كتاب المحبة، الخوف، الورع، الرهبان، ولذا يحيط الشك بنسبتها إليه، ما عدا رسائله التي لم تخل من إضافات المتأخرين سيّما العجم منهم". سمى له السراج في اللمع كتاب "تفسيركلام أبي يزيد".
له جملة من الرسائل منها:
-القصد إلى الله.
-السر في أنفاس الصوفية.
-الفرق بين الإخلاص والصدق.
وغيرها من الرسائل، وله أسئلة موجهة إلى علماء مثل كتاب الجنيد إلى عمرو بن عثمان المكي,كتاب الجنيد إلى يوسف بن يحيى وغيرها، وهذه قد أوردها من المتقدمين أبو نعيم في "الحلية" مما يطمن النفس في نسبة الرسائل إليه.
أما ما يتعلق بالكتب: كتاب تصحيح الإرادة: نص عليه الهجويري في كشف المحجوب.
أقوال الجنيد في لوازم الطريق وصفات السالكين:
- قال الجنيد: "الطرق كلها مسدودةٌ على الخلق، إلا على من اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم، واتبع سنته، ولزم طريقته، فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه".
- وقال الجنيد: "من لم يحفظ القرآن, ولم يكتب الحديث لا يُقتدى به في هذا الأمر؛ لأن علمنا هذا مقيّد بالكتاب والسنة"
وساق في الحلية بسنده: قال غير مرة: "علمنا مضبوطٌ: الكتاب والسنة، من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث، ولم يتفقه لا يقتدى به".
وسئل عن أول مقام التوحيد فقال: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كأنك تراه".التعليق:
- وهذه النصوص "تنبه على أنهم كانوا مجمعين على تعظيم الشريعة، متصفين بسلوك طريقة الرياضة، متفقين على متابعة السنة، غير مخلِّين بشيء من آداب الديانة. وبوب السراج في اللمع على ذلك بقوله: "باب ما ذكره عن المشايخ في اتباعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخصيصهم في ذلك".
- لا يقبل أن يُفسَّر كلام الإمام الجنيد وغيره في التقيد بالكتاب والسنة، أنهم أرادوا دفع المشقة عن النفس، لأن مفسِّر كلامه هذا التفسير مطالبٌ بالدليل والبرهان.
قال الهروي في ذم الكلام: وساق بسنده إلى الجنيد "أقل ما في الكلام سقوط هيبة الرب من القلب، والقلب إذا عري عن الهيبة من الله، فقد عري من الإيمان".والكلام الذي حذر منه الإمام الجنيد المراد به ما دخل على المسلمين من إثبات العقائد بالأدلة العقلية والمقاييس المنطقية البعيدة عن الوحي.
وقد روي عن أئمة المذاهب الأربعة نحو هذا الكلام، من ذلك:
قول الإمام مالك: "إياكم والبدع. فقيل: يا أبا عبدالله وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته، لا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان". وقال الإمام الشافعي: "إن سألك رجل عن شيء من الكلام فلا تجبه"، بل وصل ببعضهم تكفير عوام المسلمين. وهذا لا يمنع من المجادلة للمخالف، فلا ريب أن هذا قد يكون واجباً أو مستحباً، وما كان كذلك لم يكن مذموماً في الشرع.
كلام الجنيد في التوحيد:
قال الجنيد: "التوحيدُ إفرادُ القدمِ من الحدث". وقال: "التوحيد: علمك وإقرارك بأن الله فرد في أزليته، لا ثاني معه، ولا شيء يفعل فعله"، وسُئل الجنيد عن التوحيد فقال: "إفراد الموحَّد بتحقيق وحدانيته بكمال أحديته: أنه الواحد، الذي لم يلد، ولم يولد، بنفي الأضداد، والأنداد، والأشباه، بلا تشبيه، ولا تكييف، ولا تصوير، ولا تمثيل (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)".
التعليق:
- مقصود الجنيد التوحيد الذي يُشير إليه المشايخ وهو التوحيد في القصد والإرادة، وما يَدْخل في ذلك من الإخلاص والتوكل والمحبة، وهو أن يُفْرَدَ الحقّ سبحانه – وهو القديم – بهذا كله، فلا يشركه في ذلك محدث، وتمييز الرب من المربوب في اعتقادك وعبادتك.
- فهم الجنيد الفرق بين ما يأمر الله به، وما ينهى عنه، وهو الفرق بين ما يحبه ويبغضه، ومن لم يسلك في القدر مسلكه، بل سوى بين الجميع، لزمه أن لا يُفرق بين الحسنات والسيئات، فلا يقول: إن الله يحب هؤلاء وهذه الأعمال، ولا يبغض هؤلاء، وهذه الأعمال. بل جميع الحوادث: هو يحبها كما يريدها.
- من القواعد المهمة في فهم نصوص الأئمة: "أن الكلام المجمل من كلامهم يُحمل على ما يناسب سائر كلامهم، وهؤلاء أكثر ما يُبتلون بالاتحادية والحلولية، الذين يجعلون الرب حالاً في المخلوقات محدوداً بحدودها".
- قال السراج: "والذي غلط في الحلول، غلط لأنه لم يحسن أن يميز بين أوصاف الحق، وبين أوصاف الخلق؛ لأن الله تعالى لا يحُلُّ في القلوب، وإنما يُحِلُّ في القلوب الإيمان به، والتصديق له ..".
- وقال الجنيد: "سئل بعض العلماء عن التوحيد فقال: هو اليقين. فقال السائل: بيّن لي ما هو؟ فقال: هو معرفتك أن حركات الخلق وسكونهم فعلُ الله وحده لا شريك له، فإذا فعلت ذلك فقد وحَّدته".
- وقال الجنيد: "متى يتصلُ من لا شبيهَ له ولا نظير له بمن له شبيهٌ ونظير؟ هيهاتْ، هذا ظنٌ عجيب إلا بما لَطَفَ اللطيف من حيث لا دَرْك ولا وهْم، ولا إحاطة إلا إشارةُ اليقين وتحقيق الإيمان".
- وحُكي عن الجنيد أنه قال: "أشرف كلمة في التوحيد قول أبي بكر: سبحانه لم يجعل للخلق طريقاً إلى معرفته إلا العجز عن معرفته".
- وقال الجنيد في جوابات الشاميين: "التوكل عمل القلب، والتوحيد قول القلب".
-و قال أبو محمد الجريري: "سمعت الجنيد يقول لرجل ذكر المعرفة فقال الرجل: أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقرب إلى الله. فقال الجنيد: إن هذا قولُ قومٍ تكلموا بإسقاط الأعمال، وهذه عندي عظيمة، والذي يسرق ويزني أحسن حالاً من الذي يقول هذا...".
- ونص آخر يؤكد أهمية العمل عن الجنيد ما ذكره عند قوله تعالى: {وَدَرَسُوا مَا فِيه} [الأعراف: 169].
قال: "تركوا العمل به".
-ويفهم من كلام الجنيد أيضاً أن المزية لا ترفع التكليف، وهذا ما عبر عنه أبو العباس أحمد بن زرّوق إذ قال: "ثبوت المزية لا يقضي برفع الأحكام، ولزومه الأحكام لا يرفع خصوص المزيّة، فمن ثبت عليه أو لزمه حد وقع عليه.
مع حفظ حرمته الإيمانية أصلاً، فلا يُمتهن عرضه إلا بحقه على قدر الحق المسوغ له، وإن ثبتت مزيّة دينية لم تُرفع إلا بموجب رفعها".
وعقد السرَّاج فصلاً في اللمع "باب في ذكر الفرقة التي غلطت في الإباحة والحظر والرد عليهم". ثم علّق "وإنما غلطوا في ذلك بدقيقة خفيت عليهم، من جهلهم بالأصول وقلة حظهم من علم الشريعة..".وهو في ذلك يمثل خير تمثيل قمة الشرع وقمة العقل، وغاية ما ينتهي إليه التصوف الإيجابي.
ويوافق الإمام الجنيد أبو علي الروذباري الصوفي حين سئل عمَّن يسمع الملاهي ويقول هي لي حلال، لأني وصلت إلى درجة لا تؤثر في اختلاف الأحوال فقال: نعم، وصل ولكن إلى سقر".
وفاة الإمام الجنيد:
توفي الإمام الجنيد سنة 298هـ يوم الجمعة في بغداد.
أهم مصادر ترجمته:
طبقات الصوفية للسلمي ص155. حلية الأولياء لابي نعيم 10/255. تاريخ بغداد للخطيب 7/241. طبقات الشافعية للسبكي 2/260. السير 14/66 وتاريخ الإسلام للذهبي ص118، وفيات سنة 298. الطبقات الكبرى للشعراني 1/72. طبقات الأولياء لابن الملقن 126. الرسالة للقشيري 1/186. كشف المحجوب للهجويري ص584. المصادر العامة للتلقي عند الصوفية ص183. في ذم الكلام للهروي 4/374 ح1241، والمنتخب من كتابه للمقريء ص95. الاستقامة لابن تيمية 1/145. كتاب الإمام الجنيد لزهير ظاظا.
هو الجنيد بن محمد بن الجنيد النهاوندي، ثم البغدادي، ولد ببغداد بعد سنة 220هـ. قال أبو نعيم: "كان في أول أمره يتفقه على مذهب أصحاب الحديث مثل أبي عبيد وأبي ثور"، قال الخطيب: "وأسند الحديث عن الحسن بن عرفة. ثم أقبل على شأنه وتأله وتعبد وصحب الحارث المحاسبي، وأبا حمزة البغدادي فسلك مسلكهما في التحقيق بالعلم واستعماله"، قاله أبو نعيم. قال الخطيب مؤكداً ذلك: "ثم اشتغل بالعبادة ولازمها حتى علت سِنه، وصار شيخ وقته، وفريد عصره في علم الأحوال والكلام على لسان الصوفية".قال ابن المناوي: سمع الحديث الكثير من الشيوخ، وشاهد الصالحين، وأهل المعرفة، ورُزق من الذكاء وصواب الجواب، لم يُر في زمانه مثله في عِفةٍ وعُزوفٍ عن الدنيا. يقول عن نفسه رحمه الله: كنت أُفتي في حلقة أبي ثور الكلبي (ت سنة 240هـ) ولي عشرون سنة".
وقد أفرد الهجويري للجنيد فرقة سماها (الجنيدية)، وفرّق بينه وبين فرقة (الطيفوريين) ص419.
محنة الإمام الجنيد:
لا يمكن لدارس الجنيد أن يمر مرور الكرام على هذه الفتنة، والتي طالت الصوفية، والجنيد خاصة، واتهم فيها بالكفر والزندقة! وكان المحرّض لها رجل يُدعى: غلام خليل، أنكر على بعض الصوفية قولهم في المحبة، وكان يقول: الخوف أولى بنا، فطلبهم بأمر الخليفة فاختفى عامتهم، وبعضهم خلّصته العامة. ووصفه -أي غلام خليل- الهجويري بأنه رجل مرائي، ويدعي التصوف .. وذكر سعيه إلى الخليفة. ويرى صاحب كتاب "الإمام الجنيد" زهير ظاظا أن القصة مختلقة، ولم يُورد الدليل على هذا الاختلاق، إلا تردد بعض المترجمين في تفاصيل القصة ,وهذا لا يكفي في رد القصة والفتنة.
الثناء على الإمام الجنيد:
وأطبق علماء التراجم على الثناء عليه، وعلى فضله وزهده, فمن ذلك:
قال أبو نعيم: "كان الجُنيد رحمه الله ممن أحكم علم ا لشريعة".
وقال السلمي: "وهو من أئمة القوم وسادتهم، مقبولٌ على جميع الألسنة".
وقال ابن تيمية: " أحد الأئمة العارفين".
وقال السبكي: "سيد الطائفة ومقدَّم الجماعة".
وقال الذهبي: "كان شيخ العارفين وقُدوة السائرين وعَلَم الأولياء في زمانه".كتب الإمام الجنيد:
لم ينص أحدٌ من المتقدمين على الكتب التي تنسب إليه إلا ما نجده عند ابن النديم في "الفهرست"، فهو يقول: "له من الكتب: كتاب المحبة، الخوف، الورع، الرهبان، ولذا يحيط الشك بنسبتها إليه، ما عدا رسائله التي لم تخل من إضافات المتأخرين سيّما العجم منهم". سمى له السراج في اللمع كتاب "تفسيركلام أبي يزيد".
له جملة من الرسائل منها:
-القصد إلى الله.
-السر في أنفاس الصوفية.
-الفرق بين الإخلاص والصدق.
وغيرها من الرسائل، وله أسئلة موجهة إلى علماء مثل كتاب الجنيد إلى عمرو بن عثمان المكي,كتاب الجنيد إلى يوسف بن يحيى وغيرها، وهذه قد أوردها من المتقدمين أبو نعيم في "الحلية" مما يطمن النفس في نسبة الرسائل إليه.
أما ما يتعلق بالكتب: كتاب تصحيح الإرادة: نص عليه الهجويري في كشف المحجوب.
أقوال الجنيد في لوازم الطريق وصفات السالكين:
- قال الجنيد: "الطرق كلها مسدودةٌ على الخلق، إلا على من اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم، واتبع سنته، ولزم طريقته، فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه".
- وقال الجنيد: "من لم يحفظ القرآن, ولم يكتب الحديث لا يُقتدى به في هذا الأمر؛ لأن علمنا هذا مقيّد بالكتاب والسنة"
وساق في الحلية بسنده: قال غير مرة: "علمنا مضبوطٌ: الكتاب والسنة، من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث، ولم يتفقه لا يقتدى به".
وسئل عن أول مقام التوحيد فقال: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كأنك تراه".التعليق:
- وهذه النصوص "تنبه على أنهم كانوا مجمعين على تعظيم الشريعة، متصفين بسلوك طريقة الرياضة، متفقين على متابعة السنة، غير مخلِّين بشيء من آداب الديانة. وبوب السراج في اللمع على ذلك بقوله: "باب ما ذكره عن المشايخ في اتباعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخصيصهم في ذلك".
- لا يقبل أن يُفسَّر كلام الإمام الجنيد وغيره في التقيد بالكتاب والسنة، أنهم أرادوا دفع المشقة عن النفس، لأن مفسِّر كلامه هذا التفسير مطالبٌ بالدليل والبرهان.
قال الهروي في ذم الكلام: وساق بسنده إلى الجنيد "أقل ما في الكلام سقوط هيبة الرب من القلب، والقلب إذا عري عن الهيبة من الله، فقد عري من الإيمان".والكلام الذي حذر منه الإمام الجنيد المراد به ما دخل على المسلمين من إثبات العقائد بالأدلة العقلية والمقاييس المنطقية البعيدة عن الوحي.
وقد روي عن أئمة المذاهب الأربعة نحو هذا الكلام، من ذلك:
قول الإمام مالك: "إياكم والبدع. فقيل: يا أبا عبدالله وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته، لا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان". وقال الإمام الشافعي: "إن سألك رجل عن شيء من الكلام فلا تجبه"، بل وصل ببعضهم تكفير عوام المسلمين. وهذا لا يمنع من المجادلة للمخالف، فلا ريب أن هذا قد يكون واجباً أو مستحباً، وما كان كذلك لم يكن مذموماً في الشرع.
كلام الجنيد في التوحيد:
قال الجنيد: "التوحيدُ إفرادُ القدمِ من الحدث". وقال: "التوحيد: علمك وإقرارك بأن الله فرد في أزليته، لا ثاني معه، ولا شيء يفعل فعله"، وسُئل الجنيد عن التوحيد فقال: "إفراد الموحَّد بتحقيق وحدانيته بكمال أحديته: أنه الواحد، الذي لم يلد، ولم يولد، بنفي الأضداد، والأنداد، والأشباه، بلا تشبيه، ولا تكييف، ولا تصوير، ولا تمثيل (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)".
التعليق:
- مقصود الجنيد التوحيد الذي يُشير إليه المشايخ وهو التوحيد في القصد والإرادة، وما يَدْخل في ذلك من الإخلاص والتوكل والمحبة، وهو أن يُفْرَدَ الحقّ سبحانه – وهو القديم – بهذا كله، فلا يشركه في ذلك محدث، وتمييز الرب من المربوب في اعتقادك وعبادتك.
- فهم الجنيد الفرق بين ما يأمر الله به، وما ينهى عنه، وهو الفرق بين ما يحبه ويبغضه، ومن لم يسلك في القدر مسلكه، بل سوى بين الجميع، لزمه أن لا يُفرق بين الحسنات والسيئات، فلا يقول: إن الله يحب هؤلاء وهذه الأعمال، ولا يبغض هؤلاء، وهذه الأعمال. بل جميع الحوادث: هو يحبها كما يريدها.
- من القواعد المهمة في فهم نصوص الأئمة: "أن الكلام المجمل من كلامهم يُحمل على ما يناسب سائر كلامهم، وهؤلاء أكثر ما يُبتلون بالاتحادية والحلولية، الذين يجعلون الرب حالاً في المخلوقات محدوداً بحدودها".
- قال السراج: "والذي غلط في الحلول، غلط لأنه لم يحسن أن يميز بين أوصاف الحق، وبين أوصاف الخلق؛ لأن الله تعالى لا يحُلُّ في القلوب، وإنما يُحِلُّ في القلوب الإيمان به، والتصديق له ..".
- وقال الجنيد: "سئل بعض العلماء عن التوحيد فقال: هو اليقين. فقال السائل: بيّن لي ما هو؟ فقال: هو معرفتك أن حركات الخلق وسكونهم فعلُ الله وحده لا شريك له، فإذا فعلت ذلك فقد وحَّدته".
- وقال الجنيد: "متى يتصلُ من لا شبيهَ له ولا نظير له بمن له شبيهٌ ونظير؟ هيهاتْ، هذا ظنٌ عجيب إلا بما لَطَفَ اللطيف من حيث لا دَرْك ولا وهْم، ولا إحاطة إلا إشارةُ اليقين وتحقيق الإيمان".
- وحُكي عن الجنيد أنه قال: "أشرف كلمة في التوحيد قول أبي بكر: سبحانه لم يجعل للخلق طريقاً إلى معرفته إلا العجز عن معرفته".
- وقال الجنيد في جوابات الشاميين: "التوكل عمل القلب، والتوحيد قول القلب".
-و قال أبو محمد الجريري: "سمعت الجنيد يقول لرجل ذكر المعرفة فقال الرجل: أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقرب إلى الله. فقال الجنيد: إن هذا قولُ قومٍ تكلموا بإسقاط الأعمال، وهذه عندي عظيمة، والذي يسرق ويزني أحسن حالاً من الذي يقول هذا...".
- ونص آخر يؤكد أهمية العمل عن الجنيد ما ذكره عند قوله تعالى: {وَدَرَسُوا مَا فِيه} [الأعراف: 169].
قال: "تركوا العمل به".
-ويفهم من كلام الجنيد أيضاً أن المزية لا ترفع التكليف، وهذا ما عبر عنه أبو العباس أحمد بن زرّوق إذ قال: "ثبوت المزية لا يقضي برفع الأحكام، ولزومه الأحكام لا يرفع خصوص المزيّة، فمن ثبت عليه أو لزمه حد وقع عليه.
مع حفظ حرمته الإيمانية أصلاً، فلا يُمتهن عرضه إلا بحقه على قدر الحق المسوغ له، وإن ثبتت مزيّة دينية لم تُرفع إلا بموجب رفعها".
وعقد السرَّاج فصلاً في اللمع "باب في ذكر الفرقة التي غلطت في الإباحة والحظر والرد عليهم". ثم علّق "وإنما غلطوا في ذلك بدقيقة خفيت عليهم، من جهلهم بالأصول وقلة حظهم من علم الشريعة..".وهو في ذلك يمثل خير تمثيل قمة الشرع وقمة العقل، وغاية ما ينتهي إليه التصوف الإيجابي.
ويوافق الإمام الجنيد أبو علي الروذباري الصوفي حين سئل عمَّن يسمع الملاهي ويقول هي لي حلال، لأني وصلت إلى درجة لا تؤثر في اختلاف الأحوال فقال: نعم، وصل ولكن إلى سقر".
وفاة الإمام الجنيد:
توفي الإمام الجنيد سنة 298هـ يوم الجمعة في بغداد.
أهم مصادر ترجمته:
طبقات الصوفية للسلمي ص155. حلية الأولياء لابي نعيم 10/255. تاريخ بغداد للخطيب 7/241. طبقات الشافعية للسبكي 2/260. السير 14/66 وتاريخ الإسلام للذهبي ص118، وفيات سنة 298. الطبقات الكبرى للشعراني 1/72. طبقات الأولياء لابن الملقن 126. الرسالة للقشيري 1/186. كشف المحجوب للهجويري ص584. المصادر العامة للتلقي عند الصوفية ص183. في ذم الكلام للهروي 4/374 ح1241، والمنتخب من كتابه للمقريء ص95. الاستقامة لابن تيمية 1/145. كتاب الإمام الجنيد لزهير ظاظا.
miss ran- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 1487
التقييم : 0
العمر : 27
احترام قوانين المنتدى :
رد: الإمام الجنيد شيخ العارفين وقدوة السائرين
جزاك الله كل خير
وجعله فِي ميزان حسناتك
وجعله فِي ميزان حسناتك
nadija- عضو سوبر
- عدد المساهمات : 2579
التقييم : 6
احترام قوانين المنتدى :
مواضيع مماثلة
» نموذج وقدوة للإسر المسلمة .. !! ورفع هممٌ لشباب الأمة الإسلامية !! ..
» الإمام الشعبي
» الإمام البخاري
» الإمام مسلم
» الإمام علي يصف القرآن
» الإمام الشعبي
» الإمام البخاري
» الإمام مسلم
» الإمام علي يصف القرآن
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى