اقطع الحبل
صفحة 1 من اصل 1
اقطع الحبل
بسم الله الرحمن الرحيم
اقطع الحبل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيد المرسلين وعلي آل بيته وأصحابه والتابعين بإحسان إلي يوم الدين.
وبعد:
قصة قرأتها فأحببت أن أرويَها وأعلّق عليها لعله يكون فيها الدرس والعبرة.
يحكى أن رجلًا من هواة تسلق الجبال، قرر تحقيق حلمه في تسلق أعلى جبال العالم وأخطرها، وبعد سنين طويلة من التحضير وطمعٍ في أكبر قدر من الشهرة والتميز قرر القيام بهذه المغامرة وحده. وبدأت الرحلة كما خطط لها ومعه كل ما يلزمه لتحقيق حلمه.
مرت الساعات سريعة ودون أن يشعر، وفاجأه الليل بظلامه وكان قد وصل تقريبًا إلى نصف الطريق حيث لا مجال للتراجع، فالرجوع أشد صعوبة علي النفس من إكمال الرحلة وبالفعل لم يعد أمام الرجل سوى مواصلة طريقه الذي ما عاد يراه وسط هذا الظلام الحالك وبرده القارص ولا يعلم ما يخبئه له هذا الطريق المظلم من مفاجآت، وبعد ساعات أخرى أكثر جهدًا وقبل وصوله إلى القمة، إذ بالرجل يفقد اتزانه ويسقط من أعلى قمة الجبل؛ بعد أن كان على بُعد لحظات من تحقيق حلم العمر أو ربما أقل من لحظات!
وكانت أهم أحداث حياته تمر بسرعة أمام عينيه وهو يرتطم بكل صخرة من صخور الجبل. وفى أثناء سقوطه تمسك الرجل بالحبل الذي كان قد ربطه في وسطه منذ بداية الرحلة وكان خطّاف الحبل معلقًا بقوة من الطرف الآخر بإحدى صخور الجبل، فوجد الرجل نفسه يتأرجح في الهواء، لا شيء تحت قدميه سوي فضاء لا حدود له ويديه المملوءة َبالدم، ممسكة بالحبل بكل ما تبقى له من عزم وإصرار.
وسط هذا الظلام الحالك والبرد الشديد، التقط الرجل أنفاسه كمن عادت له الروح، وقلبه يخفق بشدة ويده ماسكة بالحبل والخلد يبحث عن أي أملٍ في النجاة.
وفي يأس به رائحة الأمل، صرخ الرجل: إلهي، إلهي، يا مغيث أغثني... يا مغيث أغثني!!!
لكنه لا يسمع سوى رجع الصدى.
ولما تلاشى رجع الصدى ساد الهدوء... وفجأة... اخترق هذا الهدوء صوت يجيبه: لبيك.. ماذا تريدني أن أفعل؟
أنقذني يا رب!! فأجابه الصوت: أتؤمن حقًا أني قادرٌ علي إنقاذك؟؟
بكل تأكيد، أؤمن يا إلهي ومن غيرُك يقدر أن ينقذني!!!
إذن فاقطع الحبل الذي أنت ممسكٌ به إن كنت تريد النجاة!!
فحدّث نفسه قائلاً.. الحبل..؟؟ الذي هو ملاذي وسر نجاتي...؟؟ إنني أغرق وهذه هي القشة التي أتعلق بها ولا أجد غيرها.
وبعد لحظة من التردد لم تطل، ازداد تشبثا بحبله... ولم يقطع الحبل.
وفي اليوم التالي، عثر فريق الإنقاذ علي جثة رجل ممسك بيده حبل وقد جمده البرد تمامًا... على ارتفاع متر واحد من سطح الأرض!!!
متر واحد فقط من سطح الأرض؟!!
كثيرًا ما نتعلق بما نقول عنه [حبال الهواء ذائبة].
هذا المعني وجدته في القرآن الكريم في أكثر من موضع، فمن الناس من قطع الحبل ومنهم من تشبث به.
إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:
فإبراهيم عليه السلام قطع كل الحبال يوم أن وضعه قومه في المنجنيق ليلقوا به في النار، وتمسك بحبل الله المتين وهو يردد ﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾. روى البخاري وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِىَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالُوا ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ ﴿ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 174].
ها هو ينقطع عن أهله مهاجرًا لله رب العالمين ﴿ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [العنكبوت: 26] لا حبل سوى حبل الله ولا طريق سوى طريق الله ﴿ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [ الصافات: 83-84] بقلب سليم خالص مخلص خاشع خاضع متذلل بين يدي ربه تبارك وتعالى.
وقطع الحبل يوم أن أمر بترك ولده وزوجه في صحراء فقال: ﴿ رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾. [إبراهيم: 37].
وقطع إبراهيم وإسماعيل الحبل يوم أن أُمِرَا بالذبح فقالا: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [الصافات 102-107].
هاجر عليها السلام:
وقطعت هاجر عليها السلام الحبل يوم قالت: [قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّىَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ، وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهْىَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ، فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، ووَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِى لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَىْءٌ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ آللَّهُ الَّذِى أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ. قَالَتْ إِذًا لاَ يُضَيِّعُنَا... فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ لاَ تَخَافُوا الضَّيْعَةَ، فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ، يَبْنِى هَذَا الْغُلاَمُ، وَأَبُوهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَهْلَهُ] رواه البخاري.
إن الله لا يضيع أهله إنها شريعة الله، قضاء قضي به الله وحُكْمٌ حَكَمَ به الله أنه لا يضيع أهله، لا ضياع مع أمر الله بل الضياع كل الضياع في تضييع أمر الله في ترك شرع الله في القوانين الوضعية في الرأسمالية والاشتراكية والماركسية والعلمانية وفي كل شرع سوي ما شرع الله عز وجل.
قصة مولد موسي عليه السلام:
وقطعت أم موسي الحبل يوم أن حارت برضيعها خوفا عليه من سكين جلاد فرعون...
يقول سيد:
ساق الله قصة موسى وفرعون، تبين أين يكون الأمن وأين تكون المخافة؛ وتعلمهم أن الأمن إنما يكون في جوار الله، ولو فُقِدت كل أسباب الأمن الظاهرة التي تعارف عليها الناس؛ وأن الخوف إنما يكون في البعد عن ذلك الجوار ولو تظاهرت أسباب الأمن الظاهرة التي تعارف عليها الناس!
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 4] تكبر فرعون وتجبر، وجعل أهل مصر شيعًا، كل طائفة في شأن من شئونه. ووقع أشد الاضطهاد والبغي على بني إسرائيل.
ثم تبدأ القصة. ويبدأ التحدي وتنكشف يد القدرة تعمل سافرة بلا ستار:
لقد ولد موسى والخطر محدق به، والموت يتلفت عليه، والشفرة مشرعة على عنقه، تهم أن تحتز رأسه.
وها هي ذي أمه حائرة به، خائفة عليه، تخشى أن يصل نبؤه إلى الجلادين، وترجف أن تتناول عنقه السكين. ها هي ذي بطفلها الصغير في قلب المخافة، عاجزة عن حمايته، عاجزة عن إخفائه، عاجزة عن حجز صوته الفطري أن ينم عليه؛ عاجزة عن تلقينه حيلة أو وسيلة.. ها هي ذي وحدها ضعيفة عاجزة مسكينة. هنا تتدخل يد القدرة، فتتصل بالأم الوجلة القلقة المذعورة، وتلقي في روعها كيف تعمل، وتوحي إليها بالتصرف:
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7] يا لله! يا للقدرة! يا أم موسى أرضعيه. فإذا خفت عليه وهو في حضنك. وهو في رعايتك إذا خفت عليه وفي فمه ثديك، وهو تحت عينيك. إذا خفت عليه ﴿ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ﴾!! ﴿ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ﴾ إنه هنا.. في اليم.. في رعاية اليد التي لا أمن إلا في جوارها، اليد التي لا خوف معها. اليد التي لا تقرب المخاوف من حماها. اليد التي تجعل النار بردًا وسلامًا [قصة إبراهيم]، وتجعل البحر ملجأ ومناما [يونس وموسي طفلا ونبيا] اليد التي لا يجرؤ فرعون الطاغية الجبار ولا جبابرة الأرض جميعًا أن يدنوا من حماها الآمن العزيز الجناب ﴿ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ ﴾ فلا خوف على حياته ولا حزن على بعده.. ﴿ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾.. وتلك بشارة الغد، ووعد الله أصدق القائلين.
﴿ فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ ﴾... أهذا هو الأمن؟ أهذا هو الوعد؟ أهذه هي البشارة؟ وهل كانت المسكينة تخشى عليه إلا من آل فرعون؟ وهل كانت ترجف إلا أن ينكشف أمره لآل فرعون؟ وهل كانت تخاف إلا أن يقع في أيدي آل فرعون؟ نعم! ولكنها القدرة تتحدى. تتحدى بطريقة سافرة مكشوفة. تتحدى فرعون وهامان وجنودهما. إنهم ليتتبعون الذكور من مواليد قوم موسى خوفًا على ملكهم وعرشهم وذواتهم. ويبثون العيون والأرصاد على قوم موسى كي لا يفلت منهم طفل ذكر.. فها هي ذي يد القدرة تلقي في أيديهم بلا بحث ولا كد بطفل ذكر. وأي طفل؟ إنه الطفل الذي على يديه هلاكهم أجمعين! ها هي ذي تلقيه في أيديهم مجردًا من كل قوة ومن كل حيلة، عاجزًا عن أن يدفع عن نفسه أو حتى يستنجد! ها هي ذي تقتحم به على فرعون حصنه وهو الطاغية السفَّاح المتجبر، ولا تتعبه في البحث عنه في بيوت بني إسرائيل، وفي أحضان نسائهم الوالدات! ثم ها هي ذي تعلن عن مقصدها سافرة متحدية: ﴿ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ﴾ ليكون لهم عدوًا يتحداهم وحزنًا يدخل الهمَّ على قلوبهم ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ﴾ [القصص: 8] خاطئين يوم أن تمسكوا بحبال الهوى والمال والسلطان وتركوا حبل الله..ولكن كيف؟ كيف وها هو ذا بين أيديهم، مجردًا من كل قوة، مجردًا من كل حيلة؟ لندع السياق يجيب: ﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [القصص: 9]
لقد اقتحمت به يد القدرة على فرعون قلب امرأته، بعد ما اقتحمت به عليه حصنه. لقد حمته بالمحبة.ذلك الستار الرقيق الشفيف. لا بالسلاح ولا بالجاه ولا بالمال. حمته بالحب الحاني في قلب امرأة. وتحدت به قسوة فرعون وغلظته وحرصه وحذره.. وهان فرعون على الله أن يحمي منه الطفل الضعيف بغير هذا الستار الشفيف!
﴿ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ﴾..وهو الذي تدفع به القدرة إليهم ليكون لهم فيما عدا المرأة عدوًا وحزنًا! ﴿ لَا تَقْتُلُوهُ ﴾.. وهو الذي على يده مصرع فرعون وجنده! ﴿ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾.. وهو الذي تخبئ لهم الأقدار من ورائه ما حذروا منه طويلًا! ﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾.. الله يسخر من ضعفهم من جهلهم أين إلوهيتك يا فرعون؟!!
﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [القصص: 10]..
لقد سمعت الإيحاء قطعت الحبل الذي هو ممسك بطفلها الذي هو سبب نجاته، وألقت بطفلها إلى الماء. ولكن أين هو يا ترى وماذا فعلت به الأمواج؟ ولعلها سألت نفسها: كيف؟ كيف أمنت على فلذة كبدي أن أقذف بها في اليم؟ كيف فعلت ما لم تفعله من قبل أُمٌ؟ كيف طلبت له السلامة في هذه المخافة؟ وكيف استسلمت لذلك الهاتف الغريب؟
والتعبير القرآني يصور لنا فؤاد الأم المسكينة صورة حية: ﴿ فَارِغًا ﴾.. لا عقل فيه ولا وعي ولا قدرة على نظر أو تصريف! ﴿ إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ﴾.. وتذيع أمرها في الناس، وتهتف كالمجنونة: أنا أضعته. أنا أضعت طفلي. أنا ألقيت به في اليم اتباعًا لهاتف غريب!
﴿ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا ﴾ وشددنا عليه وثبتناها، وأمسكنا بها من الهيام والشرود. ﴿ لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ المؤمنين بوعد الله، الصابرين على ابتلائه، السائرين على هداه، ولم تسكت أم موسى عن البحث والمحاولة!
﴿ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [القصص: 11] اتبعي أثره، واعرفي خبره، إن كان حيًا، أو أكلته دواب البحر أو وحوش البر.. أو أين مقره ومرساه؟
﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ﴾ [القصص: 12] إن القدرة التي ترعاه تدبر أمره، وتكيد به لفرعون وآله؛ فتجعلهم يلتقطونه، وتجعلهم يحبونه، وتجعلهم يبحثون له عن ظئر ترضعه، وتحرم عليه المراضع، لتدعهم يحتارون به؛ وهو يرفض الثديّ كلما عرضت عليه، وهم يخشون عليه الموت أو الذبول! حتى تبصر به أخته من بعيد، فتعرفه وتتيح لها القدرة فرصة لهفتهم على مرضع، فتقول لهم: ﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ ﴾؟ فيتلقفون كلماتها، وهم يستبشرون، يودون لو تصدق فينجو الطفل العزيز المحبوب!
وقد عاد الطفل الغائب لأمه الملهوفة. معافى في بدنه، مرموقًا في مكانته، يحميه فرعون، وترعاه امرأته، وتضطرب المخاوف من حوله وهو آمن قرير ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص: 13] [في ظلال القرآن بتصرف].
سحرة فرعون:
وإني لأعجب من سحرة فرعون المرتزقة، جاؤوا طالبين الأجرة والقربى ﴿ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ [الشعراء: 41-42] ولكنهم كانوا مرتزقة شرفاء حينما رأوا الحقيقة شاخصة في عصى موسى عليه السلام ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 117-118] حينها قطعوا حبال المال والجاه والقربى من السلطان ﴿ فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ [الأعراف: 119-122] ولم يبالوا بتقطيع الأيدي والأرجل ولا بتقطيع الأرزاق ولم يلتفتوا إلي مستقبلهم ومستقبل أولادهم في الدنيا لأنهم أمَّنوا مستقبلهم عند الله يوم أن تمسكوا بحبله يوم أن هددهم فرعون واتهمهم بأنهم خرفان يسوقهم موسي دون إذن من فرعون وهل أيها الغبي الإيمان بالله يحتاج إلي إذن ﴿ قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 71-74].
يا ليت إعلامنا يحذو حذو سحرة فرعون فيقطعوا حبال المال المغدق عليهم من كل مكان وحبال الشهرة ليبحثوا عن الحقيقة متجردين من كل هوى لأن إجرام الإعلام أثره علي الناس كبير وعلي أنفسهم أكبر وليتذكروا المستخلص من موقف السحرة ﴿ إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى ﴾ ولتكن الأخرى ﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى ﴾ [طه: 75-76].
نبي الله يوسف عليه السلام:
وذاك نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام يتكرر معه موقف الكيد والمكر فتكون عناية الله هي التي ترعاه، يُخرج من البئر ويُحمل إلى مصر ثم تتكرر المقولة: ﴿ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾ يوم قال عزيز مصر لامرأته ﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21] وهكذا يعيش في قصر بدلًا من جُبّ ضيق ويُكاد له مرة أخرى، ويُتّهم في عِرضه، ويقطع كل الحبال ويتشبث بحبل واحد هو حبل النجاة ﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [يوسف: 33-34] ويُسجن، ثم يُظهِر الله براءته ويُمكِّن له في الأرض ويعيش عزيزًا مكرمًا ﴿ قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ ﴾ [يوسف: 91] من المفضّل؟ من تربي في بيت أبيه وبين عشيرته أم من تربي في الغربة وفي اليم وفي السجن؟ بكل تأكيد من قطع كل الحبال أفضل ممكن تمسك بالحبال الهشة التي لا تسمن ولا تغني من جوع لأن الأول تربي بعين الله.
﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 100-101] هذا هو لطف الله وتدبيره.
وهذه مريم:
تبتعد عن أهلها فيأتيها الطّلق ويأخذها الكرب فلا تدري أتحمل همّ الولادة أم همّ الوليد أم همّ ما سيُقال عنها؟ غير أن العناية الربانية لاحظتها فيأتيها النداء مِن تحتها ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾ [مريم: 25] والمعجزة هنا - كما يقول جمع من المفسّرين - أنه جذع يابس لترى من خلاله إحياء المَوات! تمر يتوفّر في غير زمانه بل ويُنشأ من جذع يابس ويُجرى من تحتها نهرا ويُفرّج عنها الهمّ فإذا سُئلتْ فقد كُفيتْ الجواب بمجرّد إشارة! يًنطق الله الطفل الرضيع ﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴾ [مريم: 29-30] فأي عناية تلك؟
قارون لم يقطع الحبل:
وتمسك بحبل المال ظنا منه أنه بعلمه وذكائه ومواهبه وجهده سيكون من الفائزين فبغي عليهم ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [القصص: 78] وازداد زهوا وفخارا بماله وما يملك ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ﴾ مباهاة وتكبّرا حتى انخدع بملكه بسطاء القوم ضعاف النفوس طلاب الدنيا ﴿ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [القصص: 79] ولكن الحقيقة لا يراها إلا ذووا البصائر وأهل والعلم والإيمان ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾ [القصص: 80] وحينما لم يقطع حبال الهوى ظنا أنها النجاة ونبذ حبل الله وراء ظهره ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾ [القصص: 81] هكذا في جملة قصيرة، وفي لمحة خاطفة ابتلعته الأرض وابتلعت داره، وهوى في بطن الأرض التي علا فيها واستطال فوقها جزاء وفاقًا، فما أهون الطغاة علي الله!!
النمرود لم يقطع الحبل:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ ﴾ يقول سيد: إن هذا الملك الذي حاج إبراهيم في ربه لم يكن منكرًا لوجود الله أصلًا إنما كان منكرًا لوحدانيته في الألوهية والربوبية ولتصريفه للكون وتدبيره لما يجري فيه وحده، كما كان بعض المنحرفين في الجاهلية يعترفون بوجود الله ولكنهم يجعلون له أندادًا ينسبون إليها فاعلية وعملًا في حياتهم! وكذلك كان منكرًا أن الحاكمية لله وحده، فلا حكم إلا حكمه في شؤون الأرض وشريعة المجتمع ا.هـ.
فتعلق وتمسك بحبال غير حبل الله وبشرائع غير شريعة الله ومتى كان ذلك؟ ﴿ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ ﴾ مع أن إنعام الله بالملك سبب للشكر والتمسك بحبله لكن الملك يُطغي ويُنسي من لا يقدرون نعمة الله، ولا يدركون مصدر الإنعام لذلك جاء التعبير بالإنكار تشنيعا لهذه الفعلة فكيف عبد يدعي لنفسه ما هو من خصائص الله ويتمسك بحبل نفسه وعقله دون حبل الله ﴿ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ ﴾ [البقرة: 258] يا لجهل هذا الإنسان ويا لضعفه ويا لحمقه يوم أن يركن إلي الجهل والضعف والعورة دون العلم والقدرة والستر فيكون مصيره ﴿ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 258].
قارون لم يقطع الحبل فخسفت به الأرض وفرعون وجنوده لم يقطعوا الحبل فغشيهم من اليم ما غشيهم والنمرود لم يقطع الحبل فبهت كافرا.
فمن اعتمد علي سلطانه ذل ومن اعتمد علي علمه ضل ومن اعتمد علي ماله قل ومن اعتمد علي الناس مل ومن اعتمد علي عقله اختل
ومن اعتمد علي الله فلا ذل ولا ضل ولا قل ولا مل ولا اختل.
الثقة في الله ليست مرتبطة بالنتائج المادية والأسباب الدنيوية:
إن قطع الحبال مع الشعور أن فيها النجاة يحتاج إلي إيمان عميق وثقة تامة في لطف الله وحمته.
النجاة من قلب التهلكة:
ووقتها تأتي النجاة من قلب الهلاك، وتكتب الحياة في زحام الموت، ويكون الموت مع توفر أسباب الحياة ﴿ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴾ [الأنبياء: 68-70] ﴿ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ﴾ [الصافات: 98].
لما وضع إبراهيم في المنجنيق كانت الثقة والطمأنينة واللجوء إلي الله حينما ألقي في النار فكانت النار بردا وسلاما.
كثيرا ما نمر بمثل هذه الظروف ويظن الإنسان أنها نهاية العالم ويتبرم ويصاب بالأزمات النفسية ويلجأ البعض إلي الانتحار إلا من اطمأن قلبه بثقته في ربه الخالق المدبر الحكيم القدير سبحانه وتعالي.
النبوة من قلب الكفر والنصر علي يد الأعداء:
موسى عليه السلام أين تربي؟! في قصر فرعون في بيت من سينتهي ملكه علي يديه، الأسباب تقول إذا خفت علي ابني أحتضنه وأحرص علي أن لا يغيب عن عيني لحظة أم ألقيه في الماء؟ لكن مع اتباع أوامر الله ومنهج الله ألقي بنفسي فيما أظن أنه تهلكه ففيه النجاة ما دام هذا أمر الله ولا أركن إلي الأسباب والنتائج العقلية هذا ما فعلته أم موسي عليه السلام وكانت النتيجة ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾.
ماذا لو لم تستجب أم موسي وتثق في أمر الله وتلقي بابنها في اليم؟ لذبح موسي كما يذبح أي طفل وكانت نهايته وهلاكه وهلاك أمه بل وهلاك بني إسرائيل. موقف طاعة وثقة في الله وأمره كان سببا في نجاة أمة من الهلاك ومن بين يدي فرعون الطاغية. وإن كانوا بعدها حادوا عن الطريق واتخذوا العجل فضرب الله عليهم التيه ﴿ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾ [المائدة: 26] ونحن إن حدنا عن منهج الإسلام سنضل الطريق ويصيبنا التيه في الاقتصاد والسياسة والاجتماع وكل نواحي الحياة وغضب الله وذلة بين الناس وضعف وهوان وهذا جزاء المفترين من ينحُّون شرع الله عن الحياة وتدبر قول ربك ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ﴾ [الأعراف: 152] هذا يكون جزاء ومصير كل مفترٍ لا يقطع حبال الهوى، نسأل الله السلامة لنا ولأوطاننا ولأمتنا.
وفرعون هو من تكلف برعاية نبي الله موسى، وبغبائه جمع السحرة فكانت الغلبة لله ولنبيه ولجنده بمعاونة من؟ سحرة فرعون ليظهروا ضعفه وعجزه ويسخر القدر منه ومن غبائه، سخرهم الله لنصرة دينه. ففي الصباح كانوا حريصين علي الأجر والقربى وأضحوا ساجدين مؤمنين من جنود الحق وأمسوا مضحين بالغالي والرخيص والنفس والنفيس غير مبالين بالتهديد والوعيد وباتوا شهداء عند رب العالمين فالله نصر الحق وسخر أهل الباطل للدفاع عن الحق ونصرته.
الماء من قلب الصخر:
بعد أن من الله علي بني إسرائيل بالمن والسلوى عطشوا وهم في طريقهم إلي بيت المقدس لتحريره فهم في طريق الله وفي سبيله أيتركهم الله؟ أيتخلي عنهم؟ ﴿ وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [البقرة: 60] فما دمتم قد وثقتم في الله فتنعموا واهنئوا. فإذا وثقنا في الله وفي شريعته وتطبيق حكمه ننعم بالخيرات والبركات ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].
يوسف عليه السلام يفقد أهله وأباه وعشيرته يلقي في الجب يباع كالعبيد فيتربي في قصر الملك والله غالب علي أمره ولا يعلم ذلك إلا من تمسكوا بحبل الله، ويتعرض لفتنة امرأة العزيز ويدخل السجن وهو من طلبه حتى يتخلص من هذه الفتن ولم يتغير قلبه فهو في ثقة وثبات داعيا المسجونين أن يتمسكوا بحبل ربهم ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 40] ويخرج من السجن ليكون وزير الملك ولتكون مصر خزائن البلاد وذلك بسبب رؤيا رآها الملك..... وأنقذ الله مصر بسبب رؤيا الملك ولولا فضل الله ما كنا ولا كانت مصر.
موسي والخضر:
يقول صاحب ظلال القرآن: لقد كان موسى ونحن الذين نتابع سياق القرآن أمام مفاجآت متوالية لا نعلم لها سرًا. سفينة تخرق وغلام يقتل بغير ذنب وجهد مبذول بغير مقابل وهم في حاجة ماسة للقمة في قرية أبوا أن يطعموهما وموقفنا من كل هذا كموقف موسى بل نحن لا نعرف من هو هذا الذي يتصرف تلك التصرفات العجيبة، فلم ينبئنا القرآن باسمه، تكملة للجو الغامض الذي يحيط بنا. وما قيمة اسمه؟ إنما يراد به أن يمثل الحكمة الإلهية العليا، التي لا ترتب النتائج القريبة على المقدمات المنظورة، بل تهدف إلى أغراض بعيدة لا تراها العين المحدودة. فعدم ذكر اسمه يتفق مع الشخصية المعنوية التي يمثلها. وإن القوى الإلهية لتتحكم في القصة منذ نشأتها. فها هو ذا موسى يريد أن يلقى هذا الرجل الموعود. فيمضي في طريقه؛ ولكن فتاه ينسى غداءهما عند الصخرة، وكأنما نسيه ليعودا. فيجد هذا الرجل هناك. وكان لقاؤه يفوتهما لو سارا في وجهتهما، ولو لم تردهما الأقدار إلى الصخرة كرة أخرى.. كل الجو غامض مجهول، وكذلك اسم الرجل الغامض المجهول في سياق القرآن. ثم يأخذ السر في التجلي..
﴿ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴾ بهذا العيب نجت السفينة مِن أن يأخذها ذلك الملك الظالم غصبًا؛ وكان الضرر الصغير الذي أصابها اتقاء للضرر الكبير الذي يكنه الغيب لها لو بقيت على سلامتها.
﴿ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾ [الكهف: 80 - 81] فهذا الغلام الذي لا يبدو في حاضره ومظهره أنه يستحق القتل، قد كشف سترُ الغيب عن حقيقته للعبد الصالح، فإذا هو في طبيعته كافر طاغ، تكمن في نفسه بذور الكفر والطغيان، وتزيد على الزمن بروزًا وتحققًا.. فلو عاش لأرهق والديه المؤمنين بكفره وطغيانه، وقادهما بدافع حبهما له أن يتبعاه في طريقه. فأراد الله ووجه إرادة عبده الصالح إلى قتل هذا الغلام الذي يحمل طبيعة كافرة طاغية، وأن يبدلهما الله خلفًا خيرًا منه، وأرحم بوالديه. ولو كان الأمر موكولًا إلى العلم البشري الظاهر، لما كان له إلا الظاهر من أمر الغلام، ولما كان له عليه من سلطان، وهو لم يرتكب بعد ما يستحق عليه القتل شرعًا. وليس لغير الله ولمن يطلعه من عباده على شيء من غيبه أن يحكم على الطبيعة المغيبة لفرد من الناس ولا أن يرتب على هذا العلم حكمًا غير حكم الظاهر الذي تأخذ به الشريعة. ولكنه أمر الله القائم على علمه بالغيب البعيد.
وهنا يحضرني حديث رسول الله - صلي الله عليه وسلم - عن مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَهَلَكَ فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ لِذِكْرِ ابْنِهِ فَحَزِنَ عَلَيْهِ فَفَقَدَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ "مَا لِى لاَ أَرَى فُلاَنًا". قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ بُنَيَّهُ الَّذِى رَأَيْتَهُ هَلَكَ. فَلَقِيَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ "يَا فُلاَنُ أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمْرَكَ أَوْ لاَ تَأْتِى غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلاَّ وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ". قَالَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ بَلْ يَسْبِقُنِى إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِى لَهُوَ أَحَبُّ إِلَىَّ. قَالَ "فَذَاكَ لَكَ". أخرجه النسائي والسياق له، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وأحمد وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وصححه الحافظ أيضًا في "الفتح" وفي رواية أحمد. فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَهُ خَاصَّةً أَمْ لِكُلِّنَا قَالَ "بَلْ لِكُلِّكُمْ".
﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 82]. فهذا الجدار الذي أتعب الرجل نفسه في إقامته، ولم يطلب عليه أجرًا من أهل القرية وهما جائعان وأهل القرية لا يضيفونهما كان يخبئ تحته كنزًا، ويغيب وراءه مالًا لغلامين يتيمين ضعيفين في المدينة. ولو ترك الجدار ينقض لظهر من تحته الكنز فلم يستطع الصغيران أن يدفعا عنه.. ولما كان أبوهما صالحًا فقد نفعهما الله بصلاحه في طفولتهما وضعفهما، فأراد أن يكبرا ويشتد عودهما، ويستخرجا كنزهما وهما قادران على حمايته.
ثم ينفض الرجل يده من الأمر. فهي رحمة الله التي اقتضت هذا التصرف. وهو أمر الله لا أمره. فقد أطلعه على الغيب في هذه المسألة وفيما قبلها، ووجهه إلى التصرف فيها وفق ما أطلعه عليه من غيبه ﴿ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾ [الكهف: 82].
فالآن ينكشف الستر عن حكمة ذلك التصرف، كما انكشف عن غيب الله الذي لا يطلع عليه أحدًا إلا من ارتضى.
فالقصة تمثل الحكمة الكبرى. وهذه الحكمة لا تكشف عن نفسها إلا بمقدار. ثم تبقى مغيبة في علم الله وراء الأستار.
وهكذا ترتبط في سياق السورة نفسها قصة موسى والعبد الصالح، بقصة أصحاب الكهف في ترك الغيب لله، الذي يدبر الأمر بحكمته، وفق علمه الشامل الذي يقصر عنه البشر، الواقفون وراء الأستار، لا يكشف لهم عما وراءها من الأسرار إلا بمقدار [في ظلال القرآن بتصرف].
ومن الحكم العطائية:
لا يُشَكِّكَنَّكَ فِي الْوَعْدِ عَدَمُ وُقُوعِ الْمَوْعُودِ. وَإِنْ تَعَيَّن زمنُه لِئَلَّا يَكونَ ذلك قَدْحًا في بَصِيرتِكَ وَإِخْمَادًا لنور سَرِيرَتِك.
وذلك لجواز أن يكون وقوع ذلك الموعود معلقًا على أسباب وشروط لم تحصل. فالعبد من تأدب مع ربه ولم يتزلزل عند تأخر ما وعده به.
وثمرة هذا الثقة في الله والاطمئنان إلي حكمته وتدبيره.
﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 22-23].
فما من أمر من الأمور في هذا الكون إلا بقدرة وحكمة وتقدير بليغ، فإذا كان فوات المطلوب فلا تأس ولا تحزن ولا تسخط، وإذا كان تحقيق المراد وانفتاح الدنيا وإغداق النعم لا تفرح الفرح المؤدي إلي نسيان الله والبطر والغرور.
ليس كل ما تراه أو تشعر به هو الحقيقة:
فربما تكون مخدوعا ربما تمسك بحبل تظنه حبل النجاة والحقيقة أنه حبل الهلاك وليس بينك وبين الأرض سوى شبر وليس بينك وبين النجاة سوى أن تقطع الحبل، واعلم أخي الكريم أننا في وقت فتنة وزمن الرويبضة الذي يحتاج إلي تمحيص وتدقيق فربما الذي تصدّق هو الكذوب، ومن تكذب هو الصدوق. وربما من تأتمن هو الخائن ومن تخوّن هو الأمين.
وللأسف في بعض الأحيان يصدق الكذوب الخائن وينخدع الناس به وصدق الله ورسوله.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ الرَّجُلُ التَّافِهُ فِى أَمْرِ الْعَامَّةِ" رواه ابن ماجة وأحمد والحاكم وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وتعليق الذهبي في التلخيص: صحيح، وصححه الألباني وفي رواية أحمد "إِنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَةً.." و"الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِى أَمْرِ الْعَامَّةِ".
فلا تشارك في هذه المنظومة العفنة واربأ بنفسك عن الخوض في قيل وقال.
روى البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالًا، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالًا يَهْوِى بِهَا فِى جَهَنَّمَ".
وماذا عنا نحن؟
هل قطعنا الحبل؟
هل مازلت تظن أن حبالك سوف تنقذك؟
إن كنت وسط آلامك ومشاكلك، تتوكل على حكمتك وذكائك وسلطانك ومنصبك وأموالك وأقاربك، فاعلم أنه ينقصك الكثير كي تعلم معنى الإيمان.
كثيرا ما نتعلق بحبال هشة؛ حبال الوهم والسراب. من تمسك بقريب له يعينه ويوظفه في وظيفة مرموقة
فماذا لو أصبح قريبه هذا في عداد الأموات؟! من يأمل في جاه أو منصب أو.. أو.. كل ذلك يفوت..
والله تعالي حي لا يموت. ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 58].
فاجعل كل أملك في الله ولا تقطع الأمل في الله مهما أظلمت الدنيا من حولك ومهما كثرت الهموم واشتد الكرب.
ما علينا سوى أن نقطع الأمل فيما سوى التمسك بحبل الله وتطبيق شرعه.
ولنعلم أن شياطين الإنس والجن كلهم يُوحون بما يبثونه في فضائياتهم إلي أمتنا أن نتمسك بهذه الحبال الخبيثة المستوردة من الغرب والشرق من ليبرالية منحلة وعلمانية طاغية وأن نترك حبل النجاة حبل الله المتين وشريعته القويمة ﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 40].
﴿ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 17].
﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ [فاطر: 12-17].
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30] فالدين هو قوام حياتنا وبه تستقيم ومن غيره الاعوجاج فلابد أن نثق في موعود الله ﴿ أَلا إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [يونس: 55].
﴿ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 6] ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الروم: 60].
سأل سائل:
سأل شابٌ فضيلة الشيخ الشعراوي عن العمل في فندق به من المنكرات والخمور فلما علم بحرمة ذلك
قال أبحث عن عمل آخر وبعدها أترك العمل
فقال له الشيخ موجها إياه إلي قطع الحبل والتمسك بحبله المتين
إن الله عز وجل قال: ﴿ .... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2-3]
فالتقوى أولا ثم يكون المخرج فالتقوى شرط والمخرج جزاء الشرط ولابد من تحقيق الشرط ليكون الجزاء.
ولا تشترط علي الله، ولا تجرب.
﴿ ... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 4-5]
المهم أن نكون نحن علي الطريق الصحيح، ولا ننشغل بالأسباب، وهذا لا ينافي الأخذ بالأسباب فعلينا أن نأخذ بالأسباب غير معتقدين فيها
فإن الله عز وجل قال ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60] فطالبنا بالاستعداد لمواجهة الأخطار والأعداء.
تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسْالِكَهَا
إِنَّ السَّفِينَةَ لاَ تَجْرِي عَلَى اليَبَسِ
ولكن لا نتعلق بسبب من هذه الأسباب لأن الله أكد في أكثر من موضع فقال ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126] ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 10].
أخي الحبيب إذا دعاك حب الاستطلاع وقرأت... فقدم النصيحة لصاحب هذه الكلمات وأسألك الدعاء.
اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلي أنفسنا طرفة عين فإنك إن تكلنا إلي أنفسنا تكلنا إلي ضيعة وعورة وذنب وخطيئة وإنا لا نثق إلا برحمتك يا رب العالمين اللهم أصلح لنا شؤوننا كلها لا إله إلا أنت، اللهم إنا نسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الممات ولذة النظر إلي وجهك الكريم وشوقا إلي لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة ونعوذ بك اللهم من شرور أعداء الحق والخير وندرأ بك في نحورهم إنك علي ما تشاء قدير وبالإجابة جدير وأنت نعم المولي ونعم النصير.
﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ*وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180-181].
اقطع الحبل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيد المرسلين وعلي آل بيته وأصحابه والتابعين بإحسان إلي يوم الدين.
وبعد:
قصة قرأتها فأحببت أن أرويَها وأعلّق عليها لعله يكون فيها الدرس والعبرة.
يحكى أن رجلًا من هواة تسلق الجبال، قرر تحقيق حلمه في تسلق أعلى جبال العالم وأخطرها، وبعد سنين طويلة من التحضير وطمعٍ في أكبر قدر من الشهرة والتميز قرر القيام بهذه المغامرة وحده. وبدأت الرحلة كما خطط لها ومعه كل ما يلزمه لتحقيق حلمه.
مرت الساعات سريعة ودون أن يشعر، وفاجأه الليل بظلامه وكان قد وصل تقريبًا إلى نصف الطريق حيث لا مجال للتراجع، فالرجوع أشد صعوبة علي النفس من إكمال الرحلة وبالفعل لم يعد أمام الرجل سوى مواصلة طريقه الذي ما عاد يراه وسط هذا الظلام الحالك وبرده القارص ولا يعلم ما يخبئه له هذا الطريق المظلم من مفاجآت، وبعد ساعات أخرى أكثر جهدًا وقبل وصوله إلى القمة، إذ بالرجل يفقد اتزانه ويسقط من أعلى قمة الجبل؛ بعد أن كان على بُعد لحظات من تحقيق حلم العمر أو ربما أقل من لحظات!
وكانت أهم أحداث حياته تمر بسرعة أمام عينيه وهو يرتطم بكل صخرة من صخور الجبل. وفى أثناء سقوطه تمسك الرجل بالحبل الذي كان قد ربطه في وسطه منذ بداية الرحلة وكان خطّاف الحبل معلقًا بقوة من الطرف الآخر بإحدى صخور الجبل، فوجد الرجل نفسه يتأرجح في الهواء، لا شيء تحت قدميه سوي فضاء لا حدود له ويديه المملوءة َبالدم، ممسكة بالحبل بكل ما تبقى له من عزم وإصرار.
وسط هذا الظلام الحالك والبرد الشديد، التقط الرجل أنفاسه كمن عادت له الروح، وقلبه يخفق بشدة ويده ماسكة بالحبل والخلد يبحث عن أي أملٍ في النجاة.
وفي يأس به رائحة الأمل، صرخ الرجل: إلهي، إلهي، يا مغيث أغثني... يا مغيث أغثني!!!
لكنه لا يسمع سوى رجع الصدى.
ولما تلاشى رجع الصدى ساد الهدوء... وفجأة... اخترق هذا الهدوء صوت يجيبه: لبيك.. ماذا تريدني أن أفعل؟
أنقذني يا رب!! فأجابه الصوت: أتؤمن حقًا أني قادرٌ علي إنقاذك؟؟
بكل تأكيد، أؤمن يا إلهي ومن غيرُك يقدر أن ينقذني!!!
إذن فاقطع الحبل الذي أنت ممسكٌ به إن كنت تريد النجاة!!
فحدّث نفسه قائلاً.. الحبل..؟؟ الذي هو ملاذي وسر نجاتي...؟؟ إنني أغرق وهذه هي القشة التي أتعلق بها ولا أجد غيرها.
وبعد لحظة من التردد لم تطل، ازداد تشبثا بحبله... ولم يقطع الحبل.
وفي اليوم التالي، عثر فريق الإنقاذ علي جثة رجل ممسك بيده حبل وقد جمده البرد تمامًا... على ارتفاع متر واحد من سطح الأرض!!!
متر واحد فقط من سطح الأرض؟!!
كثيرًا ما نتعلق بما نقول عنه [حبال الهواء ذائبة].
هذا المعني وجدته في القرآن الكريم في أكثر من موضع، فمن الناس من قطع الحبل ومنهم من تشبث به.
إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:
فإبراهيم عليه السلام قطع كل الحبال يوم أن وضعه قومه في المنجنيق ليلقوا به في النار، وتمسك بحبل الله المتين وهو يردد ﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾. روى البخاري وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِىَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالُوا ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ ﴿ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 174].
ها هو ينقطع عن أهله مهاجرًا لله رب العالمين ﴿ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [العنكبوت: 26] لا حبل سوى حبل الله ولا طريق سوى طريق الله ﴿ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [ الصافات: 83-84] بقلب سليم خالص مخلص خاشع خاضع متذلل بين يدي ربه تبارك وتعالى.
وقطع الحبل يوم أن أمر بترك ولده وزوجه في صحراء فقال: ﴿ رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾. [إبراهيم: 37].
وقطع إبراهيم وإسماعيل الحبل يوم أن أُمِرَا بالذبح فقالا: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [الصافات 102-107].
هاجر عليها السلام:
وقطعت هاجر عليها السلام الحبل يوم قالت: [قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّىَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ، وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهْىَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ، فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، ووَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِى لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَىْءٌ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ آللَّهُ الَّذِى أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ. قَالَتْ إِذًا لاَ يُضَيِّعُنَا... فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ لاَ تَخَافُوا الضَّيْعَةَ، فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ، يَبْنِى هَذَا الْغُلاَمُ، وَأَبُوهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَهْلَهُ] رواه البخاري.
إن الله لا يضيع أهله إنها شريعة الله، قضاء قضي به الله وحُكْمٌ حَكَمَ به الله أنه لا يضيع أهله، لا ضياع مع أمر الله بل الضياع كل الضياع في تضييع أمر الله في ترك شرع الله في القوانين الوضعية في الرأسمالية والاشتراكية والماركسية والعلمانية وفي كل شرع سوي ما شرع الله عز وجل.
قصة مولد موسي عليه السلام:
وقطعت أم موسي الحبل يوم أن حارت برضيعها خوفا عليه من سكين جلاد فرعون...
يقول سيد:
ساق الله قصة موسى وفرعون، تبين أين يكون الأمن وأين تكون المخافة؛ وتعلمهم أن الأمن إنما يكون في جوار الله، ولو فُقِدت كل أسباب الأمن الظاهرة التي تعارف عليها الناس؛ وأن الخوف إنما يكون في البعد عن ذلك الجوار ولو تظاهرت أسباب الأمن الظاهرة التي تعارف عليها الناس!
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 4] تكبر فرعون وتجبر، وجعل أهل مصر شيعًا، كل طائفة في شأن من شئونه. ووقع أشد الاضطهاد والبغي على بني إسرائيل.
ثم تبدأ القصة. ويبدأ التحدي وتنكشف يد القدرة تعمل سافرة بلا ستار:
لقد ولد موسى والخطر محدق به، والموت يتلفت عليه، والشفرة مشرعة على عنقه، تهم أن تحتز رأسه.
وها هي ذي أمه حائرة به، خائفة عليه، تخشى أن يصل نبؤه إلى الجلادين، وترجف أن تتناول عنقه السكين. ها هي ذي بطفلها الصغير في قلب المخافة، عاجزة عن حمايته، عاجزة عن إخفائه، عاجزة عن حجز صوته الفطري أن ينم عليه؛ عاجزة عن تلقينه حيلة أو وسيلة.. ها هي ذي وحدها ضعيفة عاجزة مسكينة. هنا تتدخل يد القدرة، فتتصل بالأم الوجلة القلقة المذعورة، وتلقي في روعها كيف تعمل، وتوحي إليها بالتصرف:
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7] يا لله! يا للقدرة! يا أم موسى أرضعيه. فإذا خفت عليه وهو في حضنك. وهو في رعايتك إذا خفت عليه وفي فمه ثديك، وهو تحت عينيك. إذا خفت عليه ﴿ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ﴾!! ﴿ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ﴾ إنه هنا.. في اليم.. في رعاية اليد التي لا أمن إلا في جوارها، اليد التي لا خوف معها. اليد التي لا تقرب المخاوف من حماها. اليد التي تجعل النار بردًا وسلامًا [قصة إبراهيم]، وتجعل البحر ملجأ ومناما [يونس وموسي طفلا ونبيا] اليد التي لا يجرؤ فرعون الطاغية الجبار ولا جبابرة الأرض جميعًا أن يدنوا من حماها الآمن العزيز الجناب ﴿ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ ﴾ فلا خوف على حياته ولا حزن على بعده.. ﴿ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾.. وتلك بشارة الغد، ووعد الله أصدق القائلين.
﴿ فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ ﴾... أهذا هو الأمن؟ أهذا هو الوعد؟ أهذه هي البشارة؟ وهل كانت المسكينة تخشى عليه إلا من آل فرعون؟ وهل كانت ترجف إلا أن ينكشف أمره لآل فرعون؟ وهل كانت تخاف إلا أن يقع في أيدي آل فرعون؟ نعم! ولكنها القدرة تتحدى. تتحدى بطريقة سافرة مكشوفة. تتحدى فرعون وهامان وجنودهما. إنهم ليتتبعون الذكور من مواليد قوم موسى خوفًا على ملكهم وعرشهم وذواتهم. ويبثون العيون والأرصاد على قوم موسى كي لا يفلت منهم طفل ذكر.. فها هي ذي يد القدرة تلقي في أيديهم بلا بحث ولا كد بطفل ذكر. وأي طفل؟ إنه الطفل الذي على يديه هلاكهم أجمعين! ها هي ذي تلقيه في أيديهم مجردًا من كل قوة ومن كل حيلة، عاجزًا عن أن يدفع عن نفسه أو حتى يستنجد! ها هي ذي تقتحم به على فرعون حصنه وهو الطاغية السفَّاح المتجبر، ولا تتعبه في البحث عنه في بيوت بني إسرائيل، وفي أحضان نسائهم الوالدات! ثم ها هي ذي تعلن عن مقصدها سافرة متحدية: ﴿ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ﴾ ليكون لهم عدوًا يتحداهم وحزنًا يدخل الهمَّ على قلوبهم ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ﴾ [القصص: 8] خاطئين يوم أن تمسكوا بحبال الهوى والمال والسلطان وتركوا حبل الله..ولكن كيف؟ كيف وها هو ذا بين أيديهم، مجردًا من كل قوة، مجردًا من كل حيلة؟ لندع السياق يجيب: ﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [القصص: 9]
لقد اقتحمت به يد القدرة على فرعون قلب امرأته، بعد ما اقتحمت به عليه حصنه. لقد حمته بالمحبة.ذلك الستار الرقيق الشفيف. لا بالسلاح ولا بالجاه ولا بالمال. حمته بالحب الحاني في قلب امرأة. وتحدت به قسوة فرعون وغلظته وحرصه وحذره.. وهان فرعون على الله أن يحمي منه الطفل الضعيف بغير هذا الستار الشفيف!
﴿ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ﴾..وهو الذي تدفع به القدرة إليهم ليكون لهم فيما عدا المرأة عدوًا وحزنًا! ﴿ لَا تَقْتُلُوهُ ﴾.. وهو الذي على يده مصرع فرعون وجنده! ﴿ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾.. وهو الذي تخبئ لهم الأقدار من ورائه ما حذروا منه طويلًا! ﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾.. الله يسخر من ضعفهم من جهلهم أين إلوهيتك يا فرعون؟!!
﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [القصص: 10]..
لقد سمعت الإيحاء قطعت الحبل الذي هو ممسك بطفلها الذي هو سبب نجاته، وألقت بطفلها إلى الماء. ولكن أين هو يا ترى وماذا فعلت به الأمواج؟ ولعلها سألت نفسها: كيف؟ كيف أمنت على فلذة كبدي أن أقذف بها في اليم؟ كيف فعلت ما لم تفعله من قبل أُمٌ؟ كيف طلبت له السلامة في هذه المخافة؟ وكيف استسلمت لذلك الهاتف الغريب؟
والتعبير القرآني يصور لنا فؤاد الأم المسكينة صورة حية: ﴿ فَارِغًا ﴾.. لا عقل فيه ولا وعي ولا قدرة على نظر أو تصريف! ﴿ إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ﴾.. وتذيع أمرها في الناس، وتهتف كالمجنونة: أنا أضعته. أنا أضعت طفلي. أنا ألقيت به في اليم اتباعًا لهاتف غريب!
﴿ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا ﴾ وشددنا عليه وثبتناها، وأمسكنا بها من الهيام والشرود. ﴿ لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ المؤمنين بوعد الله، الصابرين على ابتلائه، السائرين على هداه، ولم تسكت أم موسى عن البحث والمحاولة!
﴿ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [القصص: 11] اتبعي أثره، واعرفي خبره، إن كان حيًا، أو أكلته دواب البحر أو وحوش البر.. أو أين مقره ومرساه؟
﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ﴾ [القصص: 12] إن القدرة التي ترعاه تدبر أمره، وتكيد به لفرعون وآله؛ فتجعلهم يلتقطونه، وتجعلهم يحبونه، وتجعلهم يبحثون له عن ظئر ترضعه، وتحرم عليه المراضع، لتدعهم يحتارون به؛ وهو يرفض الثديّ كلما عرضت عليه، وهم يخشون عليه الموت أو الذبول! حتى تبصر به أخته من بعيد، فتعرفه وتتيح لها القدرة فرصة لهفتهم على مرضع، فتقول لهم: ﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ ﴾؟ فيتلقفون كلماتها، وهم يستبشرون، يودون لو تصدق فينجو الطفل العزيز المحبوب!
وقد عاد الطفل الغائب لأمه الملهوفة. معافى في بدنه، مرموقًا في مكانته، يحميه فرعون، وترعاه امرأته، وتضطرب المخاوف من حوله وهو آمن قرير ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص: 13] [في ظلال القرآن بتصرف].
سحرة فرعون:
وإني لأعجب من سحرة فرعون المرتزقة، جاؤوا طالبين الأجرة والقربى ﴿ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ [الشعراء: 41-42] ولكنهم كانوا مرتزقة شرفاء حينما رأوا الحقيقة شاخصة في عصى موسى عليه السلام ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 117-118] حينها قطعوا حبال المال والجاه والقربى من السلطان ﴿ فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ [الأعراف: 119-122] ولم يبالوا بتقطيع الأيدي والأرجل ولا بتقطيع الأرزاق ولم يلتفتوا إلي مستقبلهم ومستقبل أولادهم في الدنيا لأنهم أمَّنوا مستقبلهم عند الله يوم أن تمسكوا بحبله يوم أن هددهم فرعون واتهمهم بأنهم خرفان يسوقهم موسي دون إذن من فرعون وهل أيها الغبي الإيمان بالله يحتاج إلي إذن ﴿ قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 71-74].
يا ليت إعلامنا يحذو حذو سحرة فرعون فيقطعوا حبال المال المغدق عليهم من كل مكان وحبال الشهرة ليبحثوا عن الحقيقة متجردين من كل هوى لأن إجرام الإعلام أثره علي الناس كبير وعلي أنفسهم أكبر وليتذكروا المستخلص من موقف السحرة ﴿ إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى ﴾ ولتكن الأخرى ﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى ﴾ [طه: 75-76].
نبي الله يوسف عليه السلام:
وذاك نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام يتكرر معه موقف الكيد والمكر فتكون عناية الله هي التي ترعاه، يُخرج من البئر ويُحمل إلى مصر ثم تتكرر المقولة: ﴿ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾ يوم قال عزيز مصر لامرأته ﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21] وهكذا يعيش في قصر بدلًا من جُبّ ضيق ويُكاد له مرة أخرى، ويُتّهم في عِرضه، ويقطع كل الحبال ويتشبث بحبل واحد هو حبل النجاة ﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [يوسف: 33-34] ويُسجن، ثم يُظهِر الله براءته ويُمكِّن له في الأرض ويعيش عزيزًا مكرمًا ﴿ قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ ﴾ [يوسف: 91] من المفضّل؟ من تربي في بيت أبيه وبين عشيرته أم من تربي في الغربة وفي اليم وفي السجن؟ بكل تأكيد من قطع كل الحبال أفضل ممكن تمسك بالحبال الهشة التي لا تسمن ولا تغني من جوع لأن الأول تربي بعين الله.
﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 100-101] هذا هو لطف الله وتدبيره.
وهذه مريم:
تبتعد عن أهلها فيأتيها الطّلق ويأخذها الكرب فلا تدري أتحمل همّ الولادة أم همّ الوليد أم همّ ما سيُقال عنها؟ غير أن العناية الربانية لاحظتها فيأتيها النداء مِن تحتها ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾ [مريم: 25] والمعجزة هنا - كما يقول جمع من المفسّرين - أنه جذع يابس لترى من خلاله إحياء المَوات! تمر يتوفّر في غير زمانه بل ويُنشأ من جذع يابس ويُجرى من تحتها نهرا ويُفرّج عنها الهمّ فإذا سُئلتْ فقد كُفيتْ الجواب بمجرّد إشارة! يًنطق الله الطفل الرضيع ﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴾ [مريم: 29-30] فأي عناية تلك؟
قارون لم يقطع الحبل:
وتمسك بحبل المال ظنا منه أنه بعلمه وذكائه ومواهبه وجهده سيكون من الفائزين فبغي عليهم ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [القصص: 78] وازداد زهوا وفخارا بماله وما يملك ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ﴾ مباهاة وتكبّرا حتى انخدع بملكه بسطاء القوم ضعاف النفوس طلاب الدنيا ﴿ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [القصص: 79] ولكن الحقيقة لا يراها إلا ذووا البصائر وأهل والعلم والإيمان ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾ [القصص: 80] وحينما لم يقطع حبال الهوى ظنا أنها النجاة ونبذ حبل الله وراء ظهره ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾ [القصص: 81] هكذا في جملة قصيرة، وفي لمحة خاطفة ابتلعته الأرض وابتلعت داره، وهوى في بطن الأرض التي علا فيها واستطال فوقها جزاء وفاقًا، فما أهون الطغاة علي الله!!
النمرود لم يقطع الحبل:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ ﴾ يقول سيد: إن هذا الملك الذي حاج إبراهيم في ربه لم يكن منكرًا لوجود الله أصلًا إنما كان منكرًا لوحدانيته في الألوهية والربوبية ولتصريفه للكون وتدبيره لما يجري فيه وحده، كما كان بعض المنحرفين في الجاهلية يعترفون بوجود الله ولكنهم يجعلون له أندادًا ينسبون إليها فاعلية وعملًا في حياتهم! وكذلك كان منكرًا أن الحاكمية لله وحده، فلا حكم إلا حكمه في شؤون الأرض وشريعة المجتمع ا.هـ.
فتعلق وتمسك بحبال غير حبل الله وبشرائع غير شريعة الله ومتى كان ذلك؟ ﴿ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ ﴾ مع أن إنعام الله بالملك سبب للشكر والتمسك بحبله لكن الملك يُطغي ويُنسي من لا يقدرون نعمة الله، ولا يدركون مصدر الإنعام لذلك جاء التعبير بالإنكار تشنيعا لهذه الفعلة فكيف عبد يدعي لنفسه ما هو من خصائص الله ويتمسك بحبل نفسه وعقله دون حبل الله ﴿ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ ﴾ [البقرة: 258] يا لجهل هذا الإنسان ويا لضعفه ويا لحمقه يوم أن يركن إلي الجهل والضعف والعورة دون العلم والقدرة والستر فيكون مصيره ﴿ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 258].
قارون لم يقطع الحبل فخسفت به الأرض وفرعون وجنوده لم يقطعوا الحبل فغشيهم من اليم ما غشيهم والنمرود لم يقطع الحبل فبهت كافرا.
فمن اعتمد علي سلطانه ذل ومن اعتمد علي علمه ضل ومن اعتمد علي ماله قل ومن اعتمد علي الناس مل ومن اعتمد علي عقله اختل
ومن اعتمد علي الله فلا ذل ولا ضل ولا قل ولا مل ولا اختل.
الثقة في الله ليست مرتبطة بالنتائج المادية والأسباب الدنيوية:
إن قطع الحبال مع الشعور أن فيها النجاة يحتاج إلي إيمان عميق وثقة تامة في لطف الله وحمته.
النجاة من قلب التهلكة:
ووقتها تأتي النجاة من قلب الهلاك، وتكتب الحياة في زحام الموت، ويكون الموت مع توفر أسباب الحياة ﴿ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴾ [الأنبياء: 68-70] ﴿ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ﴾ [الصافات: 98].
لما وضع إبراهيم في المنجنيق كانت الثقة والطمأنينة واللجوء إلي الله حينما ألقي في النار فكانت النار بردا وسلاما.
كثيرا ما نمر بمثل هذه الظروف ويظن الإنسان أنها نهاية العالم ويتبرم ويصاب بالأزمات النفسية ويلجأ البعض إلي الانتحار إلا من اطمأن قلبه بثقته في ربه الخالق المدبر الحكيم القدير سبحانه وتعالي.
النبوة من قلب الكفر والنصر علي يد الأعداء:
موسى عليه السلام أين تربي؟! في قصر فرعون في بيت من سينتهي ملكه علي يديه، الأسباب تقول إذا خفت علي ابني أحتضنه وأحرص علي أن لا يغيب عن عيني لحظة أم ألقيه في الماء؟ لكن مع اتباع أوامر الله ومنهج الله ألقي بنفسي فيما أظن أنه تهلكه ففيه النجاة ما دام هذا أمر الله ولا أركن إلي الأسباب والنتائج العقلية هذا ما فعلته أم موسي عليه السلام وكانت النتيجة ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾.
ماذا لو لم تستجب أم موسي وتثق في أمر الله وتلقي بابنها في اليم؟ لذبح موسي كما يذبح أي طفل وكانت نهايته وهلاكه وهلاك أمه بل وهلاك بني إسرائيل. موقف طاعة وثقة في الله وأمره كان سببا في نجاة أمة من الهلاك ومن بين يدي فرعون الطاغية. وإن كانوا بعدها حادوا عن الطريق واتخذوا العجل فضرب الله عليهم التيه ﴿ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾ [المائدة: 26] ونحن إن حدنا عن منهج الإسلام سنضل الطريق ويصيبنا التيه في الاقتصاد والسياسة والاجتماع وكل نواحي الحياة وغضب الله وذلة بين الناس وضعف وهوان وهذا جزاء المفترين من ينحُّون شرع الله عن الحياة وتدبر قول ربك ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ﴾ [الأعراف: 152] هذا يكون جزاء ومصير كل مفترٍ لا يقطع حبال الهوى، نسأل الله السلامة لنا ولأوطاننا ولأمتنا.
وفرعون هو من تكلف برعاية نبي الله موسى، وبغبائه جمع السحرة فكانت الغلبة لله ولنبيه ولجنده بمعاونة من؟ سحرة فرعون ليظهروا ضعفه وعجزه ويسخر القدر منه ومن غبائه، سخرهم الله لنصرة دينه. ففي الصباح كانوا حريصين علي الأجر والقربى وأضحوا ساجدين مؤمنين من جنود الحق وأمسوا مضحين بالغالي والرخيص والنفس والنفيس غير مبالين بالتهديد والوعيد وباتوا شهداء عند رب العالمين فالله نصر الحق وسخر أهل الباطل للدفاع عن الحق ونصرته.
الماء من قلب الصخر:
بعد أن من الله علي بني إسرائيل بالمن والسلوى عطشوا وهم في طريقهم إلي بيت المقدس لتحريره فهم في طريق الله وفي سبيله أيتركهم الله؟ أيتخلي عنهم؟ ﴿ وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [البقرة: 60] فما دمتم قد وثقتم في الله فتنعموا واهنئوا. فإذا وثقنا في الله وفي شريعته وتطبيق حكمه ننعم بالخيرات والبركات ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].
يوسف عليه السلام يفقد أهله وأباه وعشيرته يلقي في الجب يباع كالعبيد فيتربي في قصر الملك والله غالب علي أمره ولا يعلم ذلك إلا من تمسكوا بحبل الله، ويتعرض لفتنة امرأة العزيز ويدخل السجن وهو من طلبه حتى يتخلص من هذه الفتن ولم يتغير قلبه فهو في ثقة وثبات داعيا المسجونين أن يتمسكوا بحبل ربهم ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 40] ويخرج من السجن ليكون وزير الملك ولتكون مصر خزائن البلاد وذلك بسبب رؤيا رآها الملك..... وأنقذ الله مصر بسبب رؤيا الملك ولولا فضل الله ما كنا ولا كانت مصر.
موسي والخضر:
يقول صاحب ظلال القرآن: لقد كان موسى ونحن الذين نتابع سياق القرآن أمام مفاجآت متوالية لا نعلم لها سرًا. سفينة تخرق وغلام يقتل بغير ذنب وجهد مبذول بغير مقابل وهم في حاجة ماسة للقمة في قرية أبوا أن يطعموهما وموقفنا من كل هذا كموقف موسى بل نحن لا نعرف من هو هذا الذي يتصرف تلك التصرفات العجيبة، فلم ينبئنا القرآن باسمه، تكملة للجو الغامض الذي يحيط بنا. وما قيمة اسمه؟ إنما يراد به أن يمثل الحكمة الإلهية العليا، التي لا ترتب النتائج القريبة على المقدمات المنظورة، بل تهدف إلى أغراض بعيدة لا تراها العين المحدودة. فعدم ذكر اسمه يتفق مع الشخصية المعنوية التي يمثلها. وإن القوى الإلهية لتتحكم في القصة منذ نشأتها. فها هو ذا موسى يريد أن يلقى هذا الرجل الموعود. فيمضي في طريقه؛ ولكن فتاه ينسى غداءهما عند الصخرة، وكأنما نسيه ليعودا. فيجد هذا الرجل هناك. وكان لقاؤه يفوتهما لو سارا في وجهتهما، ولو لم تردهما الأقدار إلى الصخرة كرة أخرى.. كل الجو غامض مجهول، وكذلك اسم الرجل الغامض المجهول في سياق القرآن. ثم يأخذ السر في التجلي..
﴿ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴾ بهذا العيب نجت السفينة مِن أن يأخذها ذلك الملك الظالم غصبًا؛ وكان الضرر الصغير الذي أصابها اتقاء للضرر الكبير الذي يكنه الغيب لها لو بقيت على سلامتها.
﴿ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾ [الكهف: 80 - 81] فهذا الغلام الذي لا يبدو في حاضره ومظهره أنه يستحق القتل، قد كشف سترُ الغيب عن حقيقته للعبد الصالح، فإذا هو في طبيعته كافر طاغ، تكمن في نفسه بذور الكفر والطغيان، وتزيد على الزمن بروزًا وتحققًا.. فلو عاش لأرهق والديه المؤمنين بكفره وطغيانه، وقادهما بدافع حبهما له أن يتبعاه في طريقه. فأراد الله ووجه إرادة عبده الصالح إلى قتل هذا الغلام الذي يحمل طبيعة كافرة طاغية، وأن يبدلهما الله خلفًا خيرًا منه، وأرحم بوالديه. ولو كان الأمر موكولًا إلى العلم البشري الظاهر، لما كان له إلا الظاهر من أمر الغلام، ولما كان له عليه من سلطان، وهو لم يرتكب بعد ما يستحق عليه القتل شرعًا. وليس لغير الله ولمن يطلعه من عباده على شيء من غيبه أن يحكم على الطبيعة المغيبة لفرد من الناس ولا أن يرتب على هذا العلم حكمًا غير حكم الظاهر الذي تأخذ به الشريعة. ولكنه أمر الله القائم على علمه بالغيب البعيد.
وهنا يحضرني حديث رسول الله - صلي الله عليه وسلم - عن مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَهَلَكَ فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ لِذِكْرِ ابْنِهِ فَحَزِنَ عَلَيْهِ فَفَقَدَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ "مَا لِى لاَ أَرَى فُلاَنًا". قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ بُنَيَّهُ الَّذِى رَأَيْتَهُ هَلَكَ. فَلَقِيَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ "يَا فُلاَنُ أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمْرَكَ أَوْ لاَ تَأْتِى غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلاَّ وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ". قَالَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ بَلْ يَسْبِقُنِى إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِى لَهُوَ أَحَبُّ إِلَىَّ. قَالَ "فَذَاكَ لَكَ". أخرجه النسائي والسياق له، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وأحمد وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وصححه الحافظ أيضًا في "الفتح" وفي رواية أحمد. فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَهُ خَاصَّةً أَمْ لِكُلِّنَا قَالَ "بَلْ لِكُلِّكُمْ".
﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 82]. فهذا الجدار الذي أتعب الرجل نفسه في إقامته، ولم يطلب عليه أجرًا من أهل القرية وهما جائعان وأهل القرية لا يضيفونهما كان يخبئ تحته كنزًا، ويغيب وراءه مالًا لغلامين يتيمين ضعيفين في المدينة. ولو ترك الجدار ينقض لظهر من تحته الكنز فلم يستطع الصغيران أن يدفعا عنه.. ولما كان أبوهما صالحًا فقد نفعهما الله بصلاحه في طفولتهما وضعفهما، فأراد أن يكبرا ويشتد عودهما، ويستخرجا كنزهما وهما قادران على حمايته.
ثم ينفض الرجل يده من الأمر. فهي رحمة الله التي اقتضت هذا التصرف. وهو أمر الله لا أمره. فقد أطلعه على الغيب في هذه المسألة وفيما قبلها، ووجهه إلى التصرف فيها وفق ما أطلعه عليه من غيبه ﴿ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾ [الكهف: 82].
فالآن ينكشف الستر عن حكمة ذلك التصرف، كما انكشف عن غيب الله الذي لا يطلع عليه أحدًا إلا من ارتضى.
فالقصة تمثل الحكمة الكبرى. وهذه الحكمة لا تكشف عن نفسها إلا بمقدار. ثم تبقى مغيبة في علم الله وراء الأستار.
وهكذا ترتبط في سياق السورة نفسها قصة موسى والعبد الصالح، بقصة أصحاب الكهف في ترك الغيب لله، الذي يدبر الأمر بحكمته، وفق علمه الشامل الذي يقصر عنه البشر، الواقفون وراء الأستار، لا يكشف لهم عما وراءها من الأسرار إلا بمقدار [في ظلال القرآن بتصرف].
ومن الحكم العطائية:
لا يُشَكِّكَنَّكَ فِي الْوَعْدِ عَدَمُ وُقُوعِ الْمَوْعُودِ. وَإِنْ تَعَيَّن زمنُه لِئَلَّا يَكونَ ذلك قَدْحًا في بَصِيرتِكَ وَإِخْمَادًا لنور سَرِيرَتِك.
وذلك لجواز أن يكون وقوع ذلك الموعود معلقًا على أسباب وشروط لم تحصل. فالعبد من تأدب مع ربه ولم يتزلزل عند تأخر ما وعده به.
وثمرة هذا الثقة في الله والاطمئنان إلي حكمته وتدبيره.
﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 22-23].
فما من أمر من الأمور في هذا الكون إلا بقدرة وحكمة وتقدير بليغ، فإذا كان فوات المطلوب فلا تأس ولا تحزن ولا تسخط، وإذا كان تحقيق المراد وانفتاح الدنيا وإغداق النعم لا تفرح الفرح المؤدي إلي نسيان الله والبطر والغرور.
ليس كل ما تراه أو تشعر به هو الحقيقة:
فربما تكون مخدوعا ربما تمسك بحبل تظنه حبل النجاة والحقيقة أنه حبل الهلاك وليس بينك وبين الأرض سوى شبر وليس بينك وبين النجاة سوى أن تقطع الحبل، واعلم أخي الكريم أننا في وقت فتنة وزمن الرويبضة الذي يحتاج إلي تمحيص وتدقيق فربما الذي تصدّق هو الكذوب، ومن تكذب هو الصدوق. وربما من تأتمن هو الخائن ومن تخوّن هو الأمين.
وللأسف في بعض الأحيان يصدق الكذوب الخائن وينخدع الناس به وصدق الله ورسوله.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ الرَّجُلُ التَّافِهُ فِى أَمْرِ الْعَامَّةِ" رواه ابن ماجة وأحمد والحاكم وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وتعليق الذهبي في التلخيص: صحيح، وصححه الألباني وفي رواية أحمد "إِنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَةً.." و"الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِى أَمْرِ الْعَامَّةِ".
فلا تشارك في هذه المنظومة العفنة واربأ بنفسك عن الخوض في قيل وقال.
روى البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالًا، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالًا يَهْوِى بِهَا فِى جَهَنَّمَ".
وماذا عنا نحن؟
هل قطعنا الحبل؟
هل مازلت تظن أن حبالك سوف تنقذك؟
إن كنت وسط آلامك ومشاكلك، تتوكل على حكمتك وذكائك وسلطانك ومنصبك وأموالك وأقاربك، فاعلم أنه ينقصك الكثير كي تعلم معنى الإيمان.
كثيرا ما نتعلق بحبال هشة؛ حبال الوهم والسراب. من تمسك بقريب له يعينه ويوظفه في وظيفة مرموقة
فماذا لو أصبح قريبه هذا في عداد الأموات؟! من يأمل في جاه أو منصب أو.. أو.. كل ذلك يفوت..
والله تعالي حي لا يموت. ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 58].
فاجعل كل أملك في الله ولا تقطع الأمل في الله مهما أظلمت الدنيا من حولك ومهما كثرت الهموم واشتد الكرب.
ما علينا سوى أن نقطع الأمل فيما سوى التمسك بحبل الله وتطبيق شرعه.
ولنعلم أن شياطين الإنس والجن كلهم يُوحون بما يبثونه في فضائياتهم إلي أمتنا أن نتمسك بهذه الحبال الخبيثة المستوردة من الغرب والشرق من ليبرالية منحلة وعلمانية طاغية وأن نترك حبل النجاة حبل الله المتين وشريعته القويمة ﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 40].
﴿ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 17].
﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ [فاطر: 12-17].
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30] فالدين هو قوام حياتنا وبه تستقيم ومن غيره الاعوجاج فلابد أن نثق في موعود الله ﴿ أَلا إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [يونس: 55].
﴿ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 6] ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الروم: 60].
سأل سائل:
سأل شابٌ فضيلة الشيخ الشعراوي عن العمل في فندق به من المنكرات والخمور فلما علم بحرمة ذلك
قال أبحث عن عمل آخر وبعدها أترك العمل
فقال له الشيخ موجها إياه إلي قطع الحبل والتمسك بحبله المتين
إن الله عز وجل قال: ﴿ .... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2-3]
فالتقوى أولا ثم يكون المخرج فالتقوى شرط والمخرج جزاء الشرط ولابد من تحقيق الشرط ليكون الجزاء.
ولا تشترط علي الله، ولا تجرب.
﴿ ... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 4-5]
المهم أن نكون نحن علي الطريق الصحيح، ولا ننشغل بالأسباب، وهذا لا ينافي الأخذ بالأسباب فعلينا أن نأخذ بالأسباب غير معتقدين فيها
فإن الله عز وجل قال ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60] فطالبنا بالاستعداد لمواجهة الأخطار والأعداء.
تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسْالِكَهَا
إِنَّ السَّفِينَةَ لاَ تَجْرِي عَلَى اليَبَسِ
ولكن لا نتعلق بسبب من هذه الأسباب لأن الله أكد في أكثر من موضع فقال ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126] ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 10].
أخي الحبيب إذا دعاك حب الاستطلاع وقرأت... فقدم النصيحة لصاحب هذه الكلمات وأسألك الدعاء.
اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلي أنفسنا طرفة عين فإنك إن تكلنا إلي أنفسنا تكلنا إلي ضيعة وعورة وذنب وخطيئة وإنا لا نثق إلا برحمتك يا رب العالمين اللهم أصلح لنا شؤوننا كلها لا إله إلا أنت، اللهم إنا نسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الممات ولذة النظر إلي وجهك الكريم وشوقا إلي لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة ونعوذ بك اللهم من شرور أعداء الحق والخير وندرأ بك في نحورهم إنك علي ما تشاء قدير وبالإجابة جدير وأنت نعم المولي ونعم النصير.
﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ*وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180-181].
miss ran- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 1487
التقييم : 0
العمر : 27
احترام قوانين المنتدى :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى