الموت نهاية كل حي
5 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الموت نهاية كل حي
التفسير المطول - سورة التوبة 009 - الدرس ( 59-70 ) : تفسير الآيات 100-102، الموت نهاية كل حي، وبداية حياة أبدية، ممكن أن تخدع الناس، ولكن مستحيل أن تخدع الله ثم تخدع نفسك.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2011-07-01
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
العمل الصالح علة وجودنا في الدنيا بعد الإيمان بالله :
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس التاسع والخمسين من دروس سورة التوبة، ومع الآية المئة وما بعدها وهي قوله تعالى:
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
أيها الأخوة الكرام، بادئ ذي بدء: إن علة وجودنا في الدنيا بعد الإيمان بالله هو العمل الصالح، والعمل الصالح يرقى بنا إلى الله، بل هو ثمن الجنة، بل إن العمل الصالح من خلاله يتفاوت الناس في مكانتهم عند الله عز وجل.
فلذلك حينما كلفنا أن نعرفه أولاً، وأن نعبده ثانياً، وأن نتقرب إليه ثالثاً، التقرب إليه بالعمل الصالح، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك.
فهؤلاء الذين سبقوا عند الله لهم أعمال صالحة جداً بسبب إصرارهم ورغبتهم في مرضاة الله سبحانه وتعالى، فأجرى الله على أيديهم الخير:
(( عبدي أنا خلقت الخير والشر، فطوبى لمن قدرت على يده الخير، وويل لمن قدرت على يده الشر ))
[أخرجه الطبراني عن عبد الله بن عباس ]
هؤلاء السابقون من أصحاب رسول الله، أصحاب النبي الكريم بعضهم من مكة المكرمة، وبعضهم من المدينة، فالذين سبقوا إلى الإيمان في مكة، والذين سبقوا إلى نصرة النبي في المدينة، هؤلاء الذي تعنيهم هذه الآية.
التسابق في الدنيا فيه حمق كبير لأن الموت ينهي كل شيء :
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ﴾
الذي يلفت النظر أن التسابق في الدنيا حمق كبير لماذا؟ لأن الموت ينهي كل شيء، ينهي قوة القوي، ينهي ضعف الضعيف، ينهي غنى الغني، ينهي فقر الفقير، ينهي وسامة الوسيم، ينهي دمامة الدميم، الموت ينهي كل شيء، فالتسابق في الدنيا حمق وأي حمق، ولأوضح هذه الحقيقة بمثل: لو أجرينا تسابقاً كبيراً بين السيارات، سيارة كبيرة، صغيرة، حديثة، قديمة، محرك بأعلى مستوى، بأدنى مستوى، في نهاية هذا الطريق وادٍ سحيق، فكل هذه السيارات بعد أن بلغت نهاية الطريق سقطت في الوادي، فما قيمة هذا التسابق؟.
التسابق في الدنيا فيه حمق كبير لأن الموت ينهي كل شيء، ينهي القوي، والضعيف، والوسيم، والدميم، والذكي، والغبي، ينهي كل أنواع البشر، فلأن الموت جعله الله نهاية الحياة الدنيا فالتسابق في الدنيا تسابق إلى مجهول، تسابق إلى لا شيء، أما البطولة أن تتسابق إلى مراتب الآخرة، لذلك قال تعالى:
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾
[ سورة المطففين]
﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾
[ سورة الصافات]
التسابق في عمل الآخرة ينتهي بجنة عرضها السموات والأرض :
الله عز وجل أرادنا أن نتسابق في عمل الآخرة لأن هذا التسابق ينتهي بجنة عرضها السموات والأرض إلى أبد الآبدين، ولا أحد بإمكان عقله أن يتصور الأبد، ماذا أقول لكم؟ أكبر رقم تتصوره في الكون إذا نسب إلى الأبد فهو صفر، واحد في الأرض أصفار للشمس، للمريخ للمشتري، لبلوتو، إلى أبعد نجم في الأرض.
بالمناسبة: بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، والموضوع طويل، لكن باختصار لو كان هناك طريقاً يصل لهذا النجم، وركبت مركبة أرضية تحتاج أن تصل إليه إلى أقرب نجم ملتهب يبعد عنا أربع سنوات ضوئية إلى خمسين مليون عام، فبعض المجرات التي اكتشفت حديثاً والتي تبعد عنا أربعة و عشرين ألف مليون سنة، هذه المجرات متى نصل إليها؟! أما إذا قرأت قوله تعالى:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
[ سورة الواقعة]
لذلك:
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
[ سورة فاطر]
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا أذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لا يعطيك شيئاً.
الموت نهاية كل حيّ وبداية كل حياة أبدية :
الله أرادنا أن نتسابق، أن نتنافس في الآخرة، لأنها دار القرار، لأنها دار النعيم المقيم، لأنها دار الخلد، لأنها دار الأبد، أما التنافس على الدنيا ففيه حمق وأي حمق، لأن الموت ينهي قوة القوي وضعف الضعيف، وغنى الغني وفقر الفقير.
مرة اطلعت على كتاب من أربعة أجزاء حول قصص العرب، بعد أن قرأت هذا الكتاب وصلت إلى هذه النتيجة، الأقوياء ماتوا، الضعفاء ماتوا، الأغنياء ماتوا، الفقراء ماتوا، الأذكياء ماتوا، الحمقى ماتوا، كل هؤلاء البشر الذين قرأت عنهم في هذه المجلدات الأربع ماتوا إذاً الموت نهاية كل حي وبداية كل حياة أبدية.
لذلك أيها الأخوة، كل مصائب الدنيا تنتهي عند الموت، وكل متاعب الآخرة تبدأ بعد الموت، تبدأ ولا تنتهي، أما مصائب الدنيا فتنتهي عند الموت، فالإنسان الذي أصيب بمرض عضال الموت ينهي هذا المرض، والفقير ينتهي فقره، فالتنافس يجب أن يكون على عمل الآخرة، والآية الكريمة:
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾
﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾
هنا:
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ﴾
تسابقوا في العمل الصالح، تسابقوا في معرفة الله، تسابقوا في الإخلاص لله، تسابقوا في خدمة البشر، تسابقوا فيما يقربهم من الله عز وجل.
الإنسان حينما يولد أمامه خيارات لا تعد ولا تحصى :
إذاً:
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ﴾
هذه الآية تلقي ضوءاً على هذه الآيات التي نحن بصددها، قال تعالى:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ﴾
لماذا؟ هذه اللام لام التعليل:
﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
[ سورة الملك الآية: 2]
لكن لماذا بدأ بالموت؟ بدأ بالموت لأنه بالنسبة إلينا أخطر من الحياة، الإنسان حينما يولد أمامه خيارات لا تعد ولا تحصى، أما إذا وافته المنية فأمام خيارين لا ثالث لهما.
(( فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار ))
[الجامع الصغير عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ]
حينما يولد أمام خيارات لا تعد ولا تحصى، أما حينما يأتيه ملك الموت فأمام خيارين لا ثالث لهما.
لذلك مرت جنازة أمام النبي عليه الصلاة والسلام فقال كلمة رائعة، قال:
((مستريح، أو مُسْتَراح منه، فقالوا: يا رسول الله ما المستريحُ وما المستَراح منه؟ فقال: العبد المؤمنُ يستريح من نَصَب الدنيا، والعبد الفاجر يستريح منه العبادُ والبلادُ والشجر والدواب))
[أخرجه البخاري ومسلم والنسائي ومالك عن أبي قتادة]
كل شيء يرتاح منه، لذلك السبق هنا سبق بمعرفة الله، سبق إيمان به، سبق عمل صالح، سبق استقامة.
من يتبع أصحاب النبي في منهجهم واستقامتهم وسلوكهم يتبعهم بإحسان :
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ﴾
المهاجرون تسابقوا، وفيهم السابق واللاحق، والأنصار تسابقوا، وفيهم السابق واللاحق.
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ ﴾
ما معنى اتبعوهم بإحسان؟ حينما تتبعُ أصحاب النبي في منهجهم، في استقامتهم، في سلوكهم، في إخلاصهم، في محبتهم لله، اتبعتهم بإحسان، إذا كان هناك مشكلة مرت أنت لا تجعل همك أن تكبّر هذه المشكلة، وأن تجعلها منهجاً، هذا عمل القناصين، عمل المنحرفين، عمل أصحاب النوايا السيئة، لذلك نأخذ من الماضي الأشياء المشرقة، ونتجاوز الأشياء الأخرى.
﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
[ سورة البقرة]
في الأزمات طرح أي قضية خلافية جريمة في حق الأمة :
أخواننا الكرام، إذا أنت مسافر إلى بلد، وتعلق آمالاً كبيرة على بلوغ هذا البلد، لك مبلغ كبير تأخذه، ونظرت إلى ورائك فرأيت هناك مشكلة، أو خصومة بين اثنين، هل تقتضي مصلحتك أن تعود إلى الوراء لتتطلع على هذه المشكلة أم أن تنظر إلى أمامك لتصل إلى هدفك؟
فنحن حينما نستورد من التاريخ مشكلات تشق صفوفنا، أو تباعد بيننا، هذا العمل غير صحيح، وغير ناجح، وغير واقعي، وغير مفيد، فنحن نأخذ من التاريخ ما يجمعنا، ما يوحدنا، ما يقربنا إلى الله عز وجل، أما إذا نقبنا في التاريخ، وقد تكون الروايات غير صحيحة، وكاذبة فأخذنا السلبيات، وكبرناها فهذا عمل شيطاني، لذلك:
﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
مرة ثانية: أنت مسافر إلى بلد، لك فيه مبلغ فلكي تحل فيه كل مشكلاتك، سمعت خصومة وراءك، هل تلغي هذا الهدف الكبير وهذه المدينة التي فيها مبلغ كبير وترجع إلى الوراء لترى من هو المصيب ومن هو المخطئ؟
﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ﴾
أنا أعني ما أقول ينبغي ألا نستورد من تاريخنا مشكلات تشق صفوفنا، وتباعدنا، وتحزبنا، وتجعلنا شيعاً وطوائف هذا كله من عمل الشيطان.
لذلك في الأزمات طرح أي قضية خلافية أنا أراها جريمة في حق الأمة، طرح القضايا الخلافية، هناك قواسم مشتركة، ذلك أن أعداءنا يتعاونون تعاوناً مذهلاً وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة، بينما المسلمون في تخلفهم الحديث يتقاتلون والدماء تسيل، وبينهم خمسة وتسعون بالمئة قواسم مشتركة، ينبغي أن نبحث عن عوامل وحدتنا، عن عوامل قوتنا، عن عوامل ازدهارنا، عن عوامل انتصارنا.
إذاً: نأخذ من الماضي ما يقوي وحدتنا، ما يقوي مكانتنا، ما يقوي مبادئنا، ما يقوي تحقيق رسالتنا، أما أن ننبش الماضي لنأخذ خلافات فنجعل أنفسنا شيعاً، وطوائف، ونتعادى فهذا من عمل الشيطان، النصوص الصحيحة تجمعنا والنصوص الضعيفة والموضوعة تفرقنا، وقد قيل في الصحاح غُنية.
إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك، خذ عن الذي استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا.
لا تنبش التاريخ وتأخذ الصور الخلافية التي تزيد في تشرذمنا، وقد تزيد في انشقاقنا مع بعضنا، هذا عمل تخريبي وليس عملاً بنائياً.
بطولة الإنسان أن يختار من الماضي ما يوحدنا و يجمعنا :
هؤلاء:
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ﴾
في مكة،
﴿ وَالْأَنْصَار ﴾
في المدينة،
﴿ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ ﴾
أنت بكل شيء هناك جوانب مضيئة متألقة جداً، اتبع هذا الجانب، وهناك جوانب قد يكون فيها أشياء موضوعة.
أنا لا أنسى مقدمة المؤرخ الكبير الطبري، المؤرخ الطبري بمقدمة الكتاب قال: "أنا جمعت في هذا الكتاب كل ما وصل إلي من دون تمحيص".
فنحن نقع في خطأ كبير حينما نقول: هذه القصة وردت في الطبري، الطبري نفسه بالمقدمة قال: أنا جمعت كل شيء، أنت محص، فما كل شيء ينقل إليك تخبر به.
لذلك البطولة أن تختار من الماضي ما يوحدنا، ما يجمعنا، ما يجعلنا نتألق في هذه الحياة الدنيا.
الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين :
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾
أن يرضى الله عنك شيء طبيعي، أن تكون مستقيماً سيرضى الله عنك، أن تكون محسناً يرضى الله عنك، أن تكون باراً بوالديك يرضى الله عنك، أن تكون محسناً إلى من حولك يرضى الله عنك، فكيف ترضى عنه؟.
إنسان يطوف حول الكعبة كان وراءه الإمام الشافعي، قال هذا الطائف: يا ربي هل أنت راضٍ عني؟ فقال له الإمام الشافعي: وهل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك؟ قال له: سبحان الله! من أنت؟ قال له: أنا محمد بن إدريس، قال له: كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه؟ قال له: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله.
هذا يذكرني بقول الإمام علي رضي الله عنه: "الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين".
إذاً التسابق في الدنيا حمق، لأن الموت ينهي كل شيء، أما التسابق في الآخرة فهو النجاح، هو الذكاء، هو الحكمة، هو البطولة، كل الصفات الرائعة أسقطها على هؤلاء الذين يتسابقون في الدار الآخرة، الله قال:
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾
﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾
العطاء الإلهي يفوق حدّ الخيال :
الحقيقة التسابق في الآخرة هو الفوز الحقيقي، أنا أقول دائماً مثل بسيط أرويه كثيراً: أن طفلاً صغيراً عقب العيد قال لأخيه، أو لقريبه: معي مبلغ عظيم، طفل عمره ست أو سبع سنوات قال لك: معي مبلغ عظيم، كم تقدره؟ بألف ليرة، إذا مسؤول كبير بالبنتاغون قال: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً، قال: عظيم، تقدره أنت بمئتي مليار، الكلمة نفسها قالها طفل فقدرت مئتي ليرة، وقالها مسؤول كبير بدولة عظمى: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً، قدرناها مئتي مليار، وإذا كان خالق الأكوان قال عن إنسان فعل شيئاً معيناً قال:
﴿ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
فإذا كان أعظم العظماء خالق الأرض والسماء قال: هذا شيء عظيم، معنى ذلك أن العطاء الإلهي يفوق حد الخيال، لذلك أنا أقول دائماً الآية المشهورة:
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
[ سورة النساء]
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان ﴾
أخذوا الإيجابيات، بعض السلبيات تركناها، دعك منها.
﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾
حينما أطلعهم على ماذا ينتظرهم في الجنة رضوا عنه، فلذلك الآية:
﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾
[ سورة الضحى]
قال: المؤمن حينما يرى مكانه في الجنة، ويرى مقامه في الجنة يقول: لم أرَ شراً قط، وحينما يرى غير المؤمن مقامه في النار يقول: لم أرَ خيراً قط، من هنا قال سيدنا علي رضي الله عنه : "يا بني ما خير بعده النار بخير، وما شر بعده الجنة بشر، وكل نعيم دون الجنة محقور وكل بلاء دون النار عافية".
المراتب الرفيعة التي عاصرت النبي موجودة إلى نهاية الدوران :
هناك نقطة دقيقة: الله عز وجل حينما تحدث عن:
﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴾
[ سورة الواقعة]
قال:
﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ ﴾
[ سورة الواقعة]
معنى ذلك أن هذه المراتب الرفيعة التي عاصرت النبي عليه الصلاة والسلام هذه المراتب موجودة إلى نهاية الدوران،
﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ ﴾
هذا يدعونا إلى التنافس، أنت ما دمت قد جئت متأخراً لكن المراتب العالية التي بلغها أصحاب النبي يمكن أن تصلها، من هنا قوله تعالى:
﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ ﴾
لذلك ورد في بعض أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام:
((اشتقت لأحبابي، قالوا: أو لسنا أحبابك؟ قال: لا أنتم أصحابي أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ، أجره كأجر سبعين، قالوا : منا أم منهم؟ قال : بل منكم، قالوا: و لمَ؟ قال : لأنكم تجدون على الخير معواناً و لا يجدون ))
[ الترمذي عن أنس]
لذلك في آخر الزمان:
(( الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ))
[ الترمذي عن أنس]
لذلك ورد:
(( عبادة في الهرج كهجرة إلي))
[ مسلم عن معقل بن يسار ]
في زمن الفتن، في زمن الباطل، في زمن النساء الكاسيات العاريات.
(( عبادة في الهرج كهجرة إلي))
من صدق الله و أحسن إلى خلقه فاز فوزاً عظيماً :
الآن الله عز وجل حينما تحدث عن هؤلاء:
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ ﴾
هناك مهاجر، و أنصاري، وإنسان تابعي، وإنسان تابعي التابعي، في عصر الصحابة التابعين وتابعي التابعين، قال:
﴿ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
العظيم يقول:
﴿ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
فلذلك إذا صدقت الله عز وجل، وتحركت حركة منهجية، وأحسنت إلى خلقه، وابتغيت رضوانه وجنته هذا الفوز العظيم.
أخواننا الكرام، الإنسان جبل على حب وجوده، وعلى حب سلامة وجوده، وعلى حب كمال وجوده، وعلى حب استمرار وجوده، هكذا جبل، فحينما يحقق وجوده أو علة وجوده في طاعة الله يكون هذا:
﴿ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
النجاح الكبير، التفوق، التألق، البطولة، كل هذه الصفات الرائعة إنما يوصف بها من تحرك إلى الله، لذلك ورد:
(( إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ))
[ورد في الأثر]
الإنسان مهما يكن ذكياً قد لا يكشف المنافق :
الآية التي بعدها:
﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾
[ سورة التوبة]
أتقنوا النفاق، فالإنسان مهما يكن ذكياً، قد لا يكشف هذا المنافق، المنافق أتقن دوره تماماً، المشكلة أيها الأخوة، المؤمن هناك توافق بين لسانه وقلبه، فهو واضح، والكافر مع الأسف واضح أيضاً، هناك توافق بين لسانه وقلبه، كفر بهذا الدين، أعطاك مناعة ضده، فأنت مرتاح معه، كافر، أما هذا المنافق فهناك تناقض بين لسانه وقلبه، لسانه معك، وقلبه يحاربك، ورد بالأثر:
((لابد للمؤمن من كافر يقاتله، ومنافق يبغضه، ومؤمن أحياناً يحسده، ومن نفس ترديه، ومن شيطان يغويه))
خمسة أطراف.
عذاب المنافق :
﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾
كم مرة صاروا؟ ثلاث مرات، قال: المرة الأولى المنافق حينما يعلم من نفسه النفاق يظهر شيئاً، ويخفي شيئاً، يحتقر نفسه، هذا أول عذاب.
أنا أذكر مرة وزعوا استبياناً على عشرة آلاف زوج، ليجيب عن سؤال، لِمَ لا تخون زوجتك؟ هذا السؤال، فهذه الأجوبة صنفت تصنيفاً أخلاقياً، وجدوا أن أقلها قيمة الجواب الآتي: لا أستطيع، معه بالعمل، ترافقه دائماً، تحرسه دائماً، تحاسبه دائماً، هذا مستوى، قال: لا أستطيع، المستوى الأرقى لا قوة لي على احتمال هذا الذنب، أي الذنب ضاغط، يحس بالخيانةأ هذا الإحساس بالخيانة ضاغط عليه، أما في المستوى الأرقى فأكره الخيانة، لا أحتمل متاعبها بالوسط، أكره الخيانة أعلى مستوى.
فالشرع بالنهاية يرقى بالإنسان ليكون في مستوى الشرع، الشاهد على ذلك أن أصحاب النبي الكريم وصفوا: يفرحون بما أنزل إليهم، الآن بالبدايات الإنسان يكون راغباً بالمعاصي والآثام، لكنه تاب إلى الله، هو يشتهيها ولا يفعلها، أوضح مثل: أن إنساناً اصطلح مع الله، والغناء له حكم شرعي واضح، فيه تحريم، فلو استمع في سيارة عامة إلى أغنية كان يحبها، يتعاطف معها كثيراً، لكن هو لا يستمع إليها، لكن بعد حين يمقت هذه الأغنية، ارتقت نفسه.
الشرع ينبغي أن ينهض بك إلى مستوى تتوافق مع أحكامه، حتى تنطبق الآية الكريمة:
﴿ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ﴾
أما إذا كان هناك مسافة مستمرة بين ما تتمنى وبين الواقع فهذه مشكلة كبيرة.
إذاً:
﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ﴾
المدينة محاطة بالمنافقين، قال:
﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ﴾
منافقون، في الداخل، ومن الخارج،
﴿ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ﴾
أتقنوا النفاق.
﴿ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ﴾
أول مرة: احتقارهم لأنفسهم نوع من العذاب، المرة الثانية: أن الله يعاقبهم، هذه الثانية، والثالثة في الآخرة:
﴿ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾
بالآخرة.
من يسلك طريق الإيمان يشعر بسعادة لا توصف :
ما المؤمن؟
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
[ سورة الرحمن]
جنة في الدنيا وجنة في الآخرة، هؤلاء الذين عرفوا الله، سعداء في الدنيا، لي رأي سأقوله لكم: إن استمتاع المؤمن في دنياه التي أرادها الله له من دنياه التي أخذها أشد متعة، من الجانب الإيماني اشتهى المال فعمل عملاً شريفاً، وكسب كسباً شرعياً، اشتهى المرأة تزوج، الأشياء التي أبيحت للمؤمن في الحلال أشد متعة بآلاف المرات من الطريق الآخر.
فلذلك الإنسان حينما يسلك طريق الإيمان يشعر بسعادة لا توصف، لأنه اصطلح مع نفسه أولاً، ولأنه حينما طبق الشرع توافق هذا التطبيق مع فطرته.
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾
[ سورة الروم الآية: 30]
إذاً: الأعراب منافقون حول المدينة، وفي المدينة منافقون يتقنون النفاق، لماذا عرف الله نبيه الكريم والمؤمنين بهذه الحالة؟ قال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ﴾
[ سورة النساء الآية: 71]
باب التوبة مفتوح دائماً :
الآن:
﴿ وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآَخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
[ سورة التوبة]
من هؤلاء المنافقون؟ يا الله! باب التوبة مفتوح دائماً،
﴿ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ ﴾
قال:
﴿ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآَخَرَ سَيِّئاً ﴾
من أدق ما في هذه الآية أن اعترافهم بذنبهم عمل صالح وذنبهم الذي عملوه عمل سيئ، فجمعوا بين عملهم السيئ وهو الاعتراف بالذنب والعمل السيئ.
لكن بعضهم يقولون: أن الإنسان حينما يعترف بذنبه، ويندم على فعلته فكأن هذا في طريق التوبة، دائماً عندنا بالقرآن آيات تلفت النظر، هناك آية تقول:
﴿ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ﴾
[ سورة التوبة الآية: 118]
توبة الله تسبق توبتهم، هناك آية تقول تابوا:
﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ﴾
[ سورة التوبة الآية: 117]
ما الفرق بينهما؟ من أدق ما قرأت عن هذه الآية:
﴿ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾
[ سورة المائدة الآية: 17]
إذا سبقت توبة الله قبول التوبة أي ساق لهم من الشدائد ما حملهم بها على التوبة:
((إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب الحسنة عند بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم لولدها))
[ رواه البيهقي والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء ]
إذاً البطولة أن الله عز وجل إذا ساق لك بعض الشدائد يجب أن تعلم علم اليقين أن هذه الشدائد سيقت لك كي تتوب إلى الله، وحينما تفهم حكمة الله عز وجل، وتصطلح معه، تذوب حباً له:
(( إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادٍ في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ))
[ورد في الأثر]
الله عز و جل أنبأ نبيه عن المنافقين ليحذر أصحابه :
هؤلاء الأعراب المنافقون، وهؤلاء الذين يسكنون في المدينة، ممن
﴿ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ﴾
أتقنوا النفاق،
﴿ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ﴾
الله عز وجل أنبأ نبيه لينبئ أصحابه بهؤلاء المنافقين كي يحذروهم.
﴿ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ﴾
مرة عذاب نفسي، اختل توازنهم، ومرة عقاب على نفاقهم، والثالثة في الآخرة في جهنم وبئس المصير،
﴿ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾
﴿ وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآَخَرَ سَيِّئاً ﴾
هنا:
﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾
عندنا رجاء، وعندنا تمنّ، الفرق الكبير بين الرجاء والتمني، أن التمني لشيء مستحيل، ألا ليت الشباب يعود يوماً، هذا شيء مستحيل، هذا تمنّ، أما الرجاء فمن صيغه عسى،
﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾
يغلب على الأمر أنه سيحقق،
﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
الله عز وجل ونفسك لا يمكن أن تخدعهما لثانية واحدة :
فيا أيها الأخوة الكرام، القضية قضية دقيقة جداً هو أن مصيرك الأبدي إما إلى جنة يدوم نعيمها، أو إلى نار لا ينفد عذابها، المصير الأبدي مخيف، الدنيا بكل ما فيها.
مرّ النبي الكريم على قبر، فقال:
(( صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم خير له من كل دنياكم ))
[ رواه ابن المبارك عن أبي هريرة ]
فهؤلاء الذين مردوا على النفاق من أهل المدينة، والأعراب حول المدينة، لا تعلمهم يا محمد قد يكون نفاقهم بأعلى درجة من الذكاء والإتقان،
﴿ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ﴾
لكن أنا أعيد هذه الكلمة التي أرددها كثيراً: قد تخدع الناس لبعض الوقت، وقد تخدع بعض الناس لكل الوقت، أما أن تخدع كل الناس لكل الوقت، فهذا مستحيل وألف ألف مستحيل، لذلك أما الشيء المستحيل فأن تخدع الله.
﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾
[ سورة النساء الآية: 142]
أن تخدع نفسك، والدليل:
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
[ سورة القيامة]
الله عز وجل ونفسك لا يمكن أن تخدعهما لثانية واحدة.
﴿ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾
وأرجو الله سبحانه وتعالى أن ننتفع بهذه الآيات، وأن نجعلها نبراساً لنا في حياتنا، وأن يتغمدنا الله بعفوه، إنه سميع مجيب.
والحمد لله رب العالمين
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2011-07-01
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
العمل الصالح علة وجودنا في الدنيا بعد الإيمان بالله :
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس التاسع والخمسين من دروس سورة التوبة، ومع الآية المئة وما بعدها وهي قوله تعالى:
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
أيها الأخوة الكرام، بادئ ذي بدء: إن علة وجودنا في الدنيا بعد الإيمان بالله هو العمل الصالح، والعمل الصالح يرقى بنا إلى الله، بل هو ثمن الجنة، بل إن العمل الصالح من خلاله يتفاوت الناس في مكانتهم عند الله عز وجل.
فلذلك حينما كلفنا أن نعرفه أولاً، وأن نعبده ثانياً، وأن نتقرب إليه ثالثاً، التقرب إليه بالعمل الصالح، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك.
فهؤلاء الذين سبقوا عند الله لهم أعمال صالحة جداً بسبب إصرارهم ورغبتهم في مرضاة الله سبحانه وتعالى، فأجرى الله على أيديهم الخير:
(( عبدي أنا خلقت الخير والشر، فطوبى لمن قدرت على يده الخير، وويل لمن قدرت على يده الشر ))
[أخرجه الطبراني عن عبد الله بن عباس ]
هؤلاء السابقون من أصحاب رسول الله، أصحاب النبي الكريم بعضهم من مكة المكرمة، وبعضهم من المدينة، فالذين سبقوا إلى الإيمان في مكة، والذين سبقوا إلى نصرة النبي في المدينة، هؤلاء الذي تعنيهم هذه الآية.
التسابق في الدنيا فيه حمق كبير لأن الموت ينهي كل شيء :
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ﴾
الذي يلفت النظر أن التسابق في الدنيا حمق كبير لماذا؟ لأن الموت ينهي كل شيء، ينهي قوة القوي، ينهي ضعف الضعيف، ينهي غنى الغني، ينهي فقر الفقير، ينهي وسامة الوسيم، ينهي دمامة الدميم، الموت ينهي كل شيء، فالتسابق في الدنيا حمق وأي حمق، ولأوضح هذه الحقيقة بمثل: لو أجرينا تسابقاً كبيراً بين السيارات، سيارة كبيرة، صغيرة، حديثة، قديمة، محرك بأعلى مستوى، بأدنى مستوى، في نهاية هذا الطريق وادٍ سحيق، فكل هذه السيارات بعد أن بلغت نهاية الطريق سقطت في الوادي، فما قيمة هذا التسابق؟.
التسابق في الدنيا فيه حمق كبير لأن الموت ينهي كل شيء، ينهي القوي، والضعيف، والوسيم، والدميم، والذكي، والغبي، ينهي كل أنواع البشر، فلأن الموت جعله الله نهاية الحياة الدنيا فالتسابق في الدنيا تسابق إلى مجهول، تسابق إلى لا شيء، أما البطولة أن تتسابق إلى مراتب الآخرة، لذلك قال تعالى:
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾
[ سورة المطففين]
﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾
[ سورة الصافات]
التسابق في عمل الآخرة ينتهي بجنة عرضها السموات والأرض :
الله عز وجل أرادنا أن نتسابق في عمل الآخرة لأن هذا التسابق ينتهي بجنة عرضها السموات والأرض إلى أبد الآبدين، ولا أحد بإمكان عقله أن يتصور الأبد، ماذا أقول لكم؟ أكبر رقم تتصوره في الكون إذا نسب إلى الأبد فهو صفر، واحد في الأرض أصفار للشمس، للمريخ للمشتري، لبلوتو، إلى أبعد نجم في الأرض.
بالمناسبة: بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، والموضوع طويل، لكن باختصار لو كان هناك طريقاً يصل لهذا النجم، وركبت مركبة أرضية تحتاج أن تصل إليه إلى أقرب نجم ملتهب يبعد عنا أربع سنوات ضوئية إلى خمسين مليون عام، فبعض المجرات التي اكتشفت حديثاً والتي تبعد عنا أربعة و عشرين ألف مليون سنة، هذه المجرات متى نصل إليها؟! أما إذا قرأت قوله تعالى:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
[ سورة الواقعة]
لذلك:
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
[ سورة فاطر]
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا أذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لا يعطيك شيئاً.
الموت نهاية كل حيّ وبداية كل حياة أبدية :
الله أرادنا أن نتسابق، أن نتنافس في الآخرة، لأنها دار القرار، لأنها دار النعيم المقيم، لأنها دار الخلد، لأنها دار الأبد، أما التنافس على الدنيا ففيه حمق وأي حمق، لأن الموت ينهي قوة القوي وضعف الضعيف، وغنى الغني وفقر الفقير.
مرة اطلعت على كتاب من أربعة أجزاء حول قصص العرب، بعد أن قرأت هذا الكتاب وصلت إلى هذه النتيجة، الأقوياء ماتوا، الضعفاء ماتوا، الأغنياء ماتوا، الفقراء ماتوا، الأذكياء ماتوا، الحمقى ماتوا، كل هؤلاء البشر الذين قرأت عنهم في هذه المجلدات الأربع ماتوا إذاً الموت نهاية كل حي وبداية كل حياة أبدية.
لذلك أيها الأخوة، كل مصائب الدنيا تنتهي عند الموت، وكل متاعب الآخرة تبدأ بعد الموت، تبدأ ولا تنتهي، أما مصائب الدنيا فتنتهي عند الموت، فالإنسان الذي أصيب بمرض عضال الموت ينهي هذا المرض، والفقير ينتهي فقره، فالتنافس يجب أن يكون على عمل الآخرة، والآية الكريمة:
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾
﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾
هنا:
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ﴾
تسابقوا في العمل الصالح، تسابقوا في معرفة الله، تسابقوا في الإخلاص لله، تسابقوا في خدمة البشر، تسابقوا فيما يقربهم من الله عز وجل.
الإنسان حينما يولد أمامه خيارات لا تعد ولا تحصى :
إذاً:
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ﴾
هذه الآية تلقي ضوءاً على هذه الآيات التي نحن بصددها، قال تعالى:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ﴾
لماذا؟ هذه اللام لام التعليل:
﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
[ سورة الملك الآية: 2]
لكن لماذا بدأ بالموت؟ بدأ بالموت لأنه بالنسبة إلينا أخطر من الحياة، الإنسان حينما يولد أمامه خيارات لا تعد ولا تحصى، أما إذا وافته المنية فأمام خيارين لا ثالث لهما.
(( فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار ))
[الجامع الصغير عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ]
حينما يولد أمام خيارات لا تعد ولا تحصى، أما حينما يأتيه ملك الموت فأمام خيارين لا ثالث لهما.
لذلك مرت جنازة أمام النبي عليه الصلاة والسلام فقال كلمة رائعة، قال:
((مستريح، أو مُسْتَراح منه، فقالوا: يا رسول الله ما المستريحُ وما المستَراح منه؟ فقال: العبد المؤمنُ يستريح من نَصَب الدنيا، والعبد الفاجر يستريح منه العبادُ والبلادُ والشجر والدواب))
[أخرجه البخاري ومسلم والنسائي ومالك عن أبي قتادة]
كل شيء يرتاح منه، لذلك السبق هنا سبق بمعرفة الله، سبق إيمان به، سبق عمل صالح، سبق استقامة.
من يتبع أصحاب النبي في منهجهم واستقامتهم وسلوكهم يتبعهم بإحسان :
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ﴾
المهاجرون تسابقوا، وفيهم السابق واللاحق، والأنصار تسابقوا، وفيهم السابق واللاحق.
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ ﴾
ما معنى اتبعوهم بإحسان؟ حينما تتبعُ أصحاب النبي في منهجهم، في استقامتهم، في سلوكهم، في إخلاصهم، في محبتهم لله، اتبعتهم بإحسان، إذا كان هناك مشكلة مرت أنت لا تجعل همك أن تكبّر هذه المشكلة، وأن تجعلها منهجاً، هذا عمل القناصين، عمل المنحرفين، عمل أصحاب النوايا السيئة، لذلك نأخذ من الماضي الأشياء المشرقة، ونتجاوز الأشياء الأخرى.
﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
[ سورة البقرة]
في الأزمات طرح أي قضية خلافية جريمة في حق الأمة :
أخواننا الكرام، إذا أنت مسافر إلى بلد، وتعلق آمالاً كبيرة على بلوغ هذا البلد، لك مبلغ كبير تأخذه، ونظرت إلى ورائك فرأيت هناك مشكلة، أو خصومة بين اثنين، هل تقتضي مصلحتك أن تعود إلى الوراء لتتطلع على هذه المشكلة أم أن تنظر إلى أمامك لتصل إلى هدفك؟
فنحن حينما نستورد من التاريخ مشكلات تشق صفوفنا، أو تباعد بيننا، هذا العمل غير صحيح، وغير ناجح، وغير واقعي، وغير مفيد، فنحن نأخذ من التاريخ ما يجمعنا، ما يوحدنا، ما يقربنا إلى الله عز وجل، أما إذا نقبنا في التاريخ، وقد تكون الروايات غير صحيحة، وكاذبة فأخذنا السلبيات، وكبرناها فهذا عمل شيطاني، لذلك:
﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
مرة ثانية: أنت مسافر إلى بلد، لك فيه مبلغ فلكي تحل فيه كل مشكلاتك، سمعت خصومة وراءك، هل تلغي هذا الهدف الكبير وهذه المدينة التي فيها مبلغ كبير وترجع إلى الوراء لترى من هو المصيب ومن هو المخطئ؟
﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ﴾
أنا أعني ما أقول ينبغي ألا نستورد من تاريخنا مشكلات تشق صفوفنا، وتباعدنا، وتحزبنا، وتجعلنا شيعاً وطوائف هذا كله من عمل الشيطان.
لذلك في الأزمات طرح أي قضية خلافية أنا أراها جريمة في حق الأمة، طرح القضايا الخلافية، هناك قواسم مشتركة، ذلك أن أعداءنا يتعاونون تعاوناً مذهلاً وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة، بينما المسلمون في تخلفهم الحديث يتقاتلون والدماء تسيل، وبينهم خمسة وتسعون بالمئة قواسم مشتركة، ينبغي أن نبحث عن عوامل وحدتنا، عن عوامل قوتنا، عن عوامل ازدهارنا، عن عوامل انتصارنا.
إذاً: نأخذ من الماضي ما يقوي وحدتنا، ما يقوي مكانتنا، ما يقوي مبادئنا، ما يقوي تحقيق رسالتنا، أما أن ننبش الماضي لنأخذ خلافات فنجعل أنفسنا شيعاً، وطوائف، ونتعادى فهذا من عمل الشيطان، النصوص الصحيحة تجمعنا والنصوص الضعيفة والموضوعة تفرقنا، وقد قيل في الصحاح غُنية.
إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك، خذ عن الذي استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا.
لا تنبش التاريخ وتأخذ الصور الخلافية التي تزيد في تشرذمنا، وقد تزيد في انشقاقنا مع بعضنا، هذا عمل تخريبي وليس عملاً بنائياً.
بطولة الإنسان أن يختار من الماضي ما يوحدنا و يجمعنا :
هؤلاء:
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ﴾
في مكة،
﴿ وَالْأَنْصَار ﴾
في المدينة،
﴿ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ ﴾
أنت بكل شيء هناك جوانب مضيئة متألقة جداً، اتبع هذا الجانب، وهناك جوانب قد يكون فيها أشياء موضوعة.
أنا لا أنسى مقدمة المؤرخ الكبير الطبري، المؤرخ الطبري بمقدمة الكتاب قال: "أنا جمعت في هذا الكتاب كل ما وصل إلي من دون تمحيص".
فنحن نقع في خطأ كبير حينما نقول: هذه القصة وردت في الطبري، الطبري نفسه بالمقدمة قال: أنا جمعت كل شيء، أنت محص، فما كل شيء ينقل إليك تخبر به.
لذلك البطولة أن تختار من الماضي ما يوحدنا، ما يجمعنا، ما يجعلنا نتألق في هذه الحياة الدنيا.
الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين :
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾
أن يرضى الله عنك شيء طبيعي، أن تكون مستقيماً سيرضى الله عنك، أن تكون محسناً يرضى الله عنك، أن تكون باراً بوالديك يرضى الله عنك، أن تكون محسناً إلى من حولك يرضى الله عنك، فكيف ترضى عنه؟.
إنسان يطوف حول الكعبة كان وراءه الإمام الشافعي، قال هذا الطائف: يا ربي هل أنت راضٍ عني؟ فقال له الإمام الشافعي: وهل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك؟ قال له: سبحان الله! من أنت؟ قال له: أنا محمد بن إدريس، قال له: كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه؟ قال له: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله.
هذا يذكرني بقول الإمام علي رضي الله عنه: "الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين".
إذاً التسابق في الدنيا حمق، لأن الموت ينهي كل شيء، أما التسابق في الآخرة فهو النجاح، هو الذكاء، هو الحكمة، هو البطولة، كل الصفات الرائعة أسقطها على هؤلاء الذين يتسابقون في الدار الآخرة، الله قال:
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾
﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾
العطاء الإلهي يفوق حدّ الخيال :
الحقيقة التسابق في الآخرة هو الفوز الحقيقي، أنا أقول دائماً مثل بسيط أرويه كثيراً: أن طفلاً صغيراً عقب العيد قال لأخيه، أو لقريبه: معي مبلغ عظيم، طفل عمره ست أو سبع سنوات قال لك: معي مبلغ عظيم، كم تقدره؟ بألف ليرة، إذا مسؤول كبير بالبنتاغون قال: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً، قال: عظيم، تقدره أنت بمئتي مليار، الكلمة نفسها قالها طفل فقدرت مئتي ليرة، وقالها مسؤول كبير بدولة عظمى: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً، قدرناها مئتي مليار، وإذا كان خالق الأكوان قال عن إنسان فعل شيئاً معيناً قال:
﴿ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
فإذا كان أعظم العظماء خالق الأرض والسماء قال: هذا شيء عظيم، معنى ذلك أن العطاء الإلهي يفوق حد الخيال، لذلك أنا أقول دائماً الآية المشهورة:
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
[ سورة النساء]
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان ﴾
أخذوا الإيجابيات، بعض السلبيات تركناها، دعك منها.
﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾
حينما أطلعهم على ماذا ينتظرهم في الجنة رضوا عنه، فلذلك الآية:
﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾
[ سورة الضحى]
قال: المؤمن حينما يرى مكانه في الجنة، ويرى مقامه في الجنة يقول: لم أرَ شراً قط، وحينما يرى غير المؤمن مقامه في النار يقول: لم أرَ خيراً قط، من هنا قال سيدنا علي رضي الله عنه : "يا بني ما خير بعده النار بخير، وما شر بعده الجنة بشر، وكل نعيم دون الجنة محقور وكل بلاء دون النار عافية".
المراتب الرفيعة التي عاصرت النبي موجودة إلى نهاية الدوران :
هناك نقطة دقيقة: الله عز وجل حينما تحدث عن:
﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴾
[ سورة الواقعة]
قال:
﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ ﴾
[ سورة الواقعة]
معنى ذلك أن هذه المراتب الرفيعة التي عاصرت النبي عليه الصلاة والسلام هذه المراتب موجودة إلى نهاية الدوران،
﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ ﴾
هذا يدعونا إلى التنافس، أنت ما دمت قد جئت متأخراً لكن المراتب العالية التي بلغها أصحاب النبي يمكن أن تصلها، من هنا قوله تعالى:
﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ ﴾
لذلك ورد في بعض أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام:
((اشتقت لأحبابي، قالوا: أو لسنا أحبابك؟ قال: لا أنتم أصحابي أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ، أجره كأجر سبعين، قالوا : منا أم منهم؟ قال : بل منكم، قالوا: و لمَ؟ قال : لأنكم تجدون على الخير معواناً و لا يجدون ))
[ الترمذي عن أنس]
لذلك في آخر الزمان:
(( الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ))
[ الترمذي عن أنس]
لذلك ورد:
(( عبادة في الهرج كهجرة إلي))
[ مسلم عن معقل بن يسار ]
في زمن الفتن، في زمن الباطل، في زمن النساء الكاسيات العاريات.
(( عبادة في الهرج كهجرة إلي))
من صدق الله و أحسن إلى خلقه فاز فوزاً عظيماً :
الآن الله عز وجل حينما تحدث عن هؤلاء:
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ ﴾
هناك مهاجر، و أنصاري، وإنسان تابعي، وإنسان تابعي التابعي، في عصر الصحابة التابعين وتابعي التابعين، قال:
﴿ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
العظيم يقول:
﴿ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
فلذلك إذا صدقت الله عز وجل، وتحركت حركة منهجية، وأحسنت إلى خلقه، وابتغيت رضوانه وجنته هذا الفوز العظيم.
أخواننا الكرام، الإنسان جبل على حب وجوده، وعلى حب سلامة وجوده، وعلى حب كمال وجوده، وعلى حب استمرار وجوده، هكذا جبل، فحينما يحقق وجوده أو علة وجوده في طاعة الله يكون هذا:
﴿ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
النجاح الكبير، التفوق، التألق، البطولة، كل هذه الصفات الرائعة إنما يوصف بها من تحرك إلى الله، لذلك ورد:
(( إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ))
[ورد في الأثر]
الإنسان مهما يكن ذكياً قد لا يكشف المنافق :
الآية التي بعدها:
﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾
[ سورة التوبة]
أتقنوا النفاق، فالإنسان مهما يكن ذكياً، قد لا يكشف هذا المنافق، المنافق أتقن دوره تماماً، المشكلة أيها الأخوة، المؤمن هناك توافق بين لسانه وقلبه، فهو واضح، والكافر مع الأسف واضح أيضاً، هناك توافق بين لسانه وقلبه، كفر بهذا الدين، أعطاك مناعة ضده، فأنت مرتاح معه، كافر، أما هذا المنافق فهناك تناقض بين لسانه وقلبه، لسانه معك، وقلبه يحاربك، ورد بالأثر:
((لابد للمؤمن من كافر يقاتله، ومنافق يبغضه، ومؤمن أحياناً يحسده، ومن نفس ترديه، ومن شيطان يغويه))
خمسة أطراف.
عذاب المنافق :
﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾
كم مرة صاروا؟ ثلاث مرات، قال: المرة الأولى المنافق حينما يعلم من نفسه النفاق يظهر شيئاً، ويخفي شيئاً، يحتقر نفسه، هذا أول عذاب.
أنا أذكر مرة وزعوا استبياناً على عشرة آلاف زوج، ليجيب عن سؤال، لِمَ لا تخون زوجتك؟ هذا السؤال، فهذه الأجوبة صنفت تصنيفاً أخلاقياً، وجدوا أن أقلها قيمة الجواب الآتي: لا أستطيع، معه بالعمل، ترافقه دائماً، تحرسه دائماً، تحاسبه دائماً، هذا مستوى، قال: لا أستطيع، المستوى الأرقى لا قوة لي على احتمال هذا الذنب، أي الذنب ضاغط، يحس بالخيانةأ هذا الإحساس بالخيانة ضاغط عليه، أما في المستوى الأرقى فأكره الخيانة، لا أحتمل متاعبها بالوسط، أكره الخيانة أعلى مستوى.
فالشرع بالنهاية يرقى بالإنسان ليكون في مستوى الشرع، الشاهد على ذلك أن أصحاب النبي الكريم وصفوا: يفرحون بما أنزل إليهم، الآن بالبدايات الإنسان يكون راغباً بالمعاصي والآثام، لكنه تاب إلى الله، هو يشتهيها ولا يفعلها، أوضح مثل: أن إنساناً اصطلح مع الله، والغناء له حكم شرعي واضح، فيه تحريم، فلو استمع في سيارة عامة إلى أغنية كان يحبها، يتعاطف معها كثيراً، لكن هو لا يستمع إليها، لكن بعد حين يمقت هذه الأغنية، ارتقت نفسه.
الشرع ينبغي أن ينهض بك إلى مستوى تتوافق مع أحكامه، حتى تنطبق الآية الكريمة:
﴿ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ﴾
أما إذا كان هناك مسافة مستمرة بين ما تتمنى وبين الواقع فهذه مشكلة كبيرة.
إذاً:
﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ﴾
المدينة محاطة بالمنافقين، قال:
﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ﴾
منافقون، في الداخل، ومن الخارج،
﴿ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ﴾
أتقنوا النفاق.
﴿ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ﴾
أول مرة: احتقارهم لأنفسهم نوع من العذاب، المرة الثانية: أن الله يعاقبهم، هذه الثانية، والثالثة في الآخرة:
﴿ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾
بالآخرة.
من يسلك طريق الإيمان يشعر بسعادة لا توصف :
ما المؤمن؟
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
[ سورة الرحمن]
جنة في الدنيا وجنة في الآخرة، هؤلاء الذين عرفوا الله، سعداء في الدنيا، لي رأي سأقوله لكم: إن استمتاع المؤمن في دنياه التي أرادها الله له من دنياه التي أخذها أشد متعة، من الجانب الإيماني اشتهى المال فعمل عملاً شريفاً، وكسب كسباً شرعياً، اشتهى المرأة تزوج، الأشياء التي أبيحت للمؤمن في الحلال أشد متعة بآلاف المرات من الطريق الآخر.
فلذلك الإنسان حينما يسلك طريق الإيمان يشعر بسعادة لا توصف، لأنه اصطلح مع نفسه أولاً، ولأنه حينما طبق الشرع توافق هذا التطبيق مع فطرته.
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾
[ سورة الروم الآية: 30]
إذاً: الأعراب منافقون حول المدينة، وفي المدينة منافقون يتقنون النفاق، لماذا عرف الله نبيه الكريم والمؤمنين بهذه الحالة؟ قال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ﴾
[ سورة النساء الآية: 71]
باب التوبة مفتوح دائماً :
الآن:
﴿ وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآَخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
[ سورة التوبة]
من هؤلاء المنافقون؟ يا الله! باب التوبة مفتوح دائماً،
﴿ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ ﴾
قال:
﴿ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآَخَرَ سَيِّئاً ﴾
من أدق ما في هذه الآية أن اعترافهم بذنبهم عمل صالح وذنبهم الذي عملوه عمل سيئ، فجمعوا بين عملهم السيئ وهو الاعتراف بالذنب والعمل السيئ.
لكن بعضهم يقولون: أن الإنسان حينما يعترف بذنبه، ويندم على فعلته فكأن هذا في طريق التوبة، دائماً عندنا بالقرآن آيات تلفت النظر، هناك آية تقول:
﴿ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ﴾
[ سورة التوبة الآية: 118]
توبة الله تسبق توبتهم، هناك آية تقول تابوا:
﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ﴾
[ سورة التوبة الآية: 117]
ما الفرق بينهما؟ من أدق ما قرأت عن هذه الآية:
﴿ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾
[ سورة المائدة الآية: 17]
إذا سبقت توبة الله قبول التوبة أي ساق لهم من الشدائد ما حملهم بها على التوبة:
((إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب الحسنة عند بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم لولدها))
[ رواه البيهقي والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء ]
إذاً البطولة أن الله عز وجل إذا ساق لك بعض الشدائد يجب أن تعلم علم اليقين أن هذه الشدائد سيقت لك كي تتوب إلى الله، وحينما تفهم حكمة الله عز وجل، وتصطلح معه، تذوب حباً له:
(( إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادٍ في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ))
[ورد في الأثر]
الله عز و جل أنبأ نبيه عن المنافقين ليحذر أصحابه :
هؤلاء الأعراب المنافقون، وهؤلاء الذين يسكنون في المدينة، ممن
﴿ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ﴾
أتقنوا النفاق،
﴿ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ﴾
الله عز وجل أنبأ نبيه لينبئ أصحابه بهؤلاء المنافقين كي يحذروهم.
﴿ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ﴾
مرة عذاب نفسي، اختل توازنهم، ومرة عقاب على نفاقهم، والثالثة في الآخرة في جهنم وبئس المصير،
﴿ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾
﴿ وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآَخَرَ سَيِّئاً ﴾
هنا:
﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾
عندنا رجاء، وعندنا تمنّ، الفرق الكبير بين الرجاء والتمني، أن التمني لشيء مستحيل، ألا ليت الشباب يعود يوماً، هذا شيء مستحيل، هذا تمنّ، أما الرجاء فمن صيغه عسى،
﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾
يغلب على الأمر أنه سيحقق،
﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
الله عز وجل ونفسك لا يمكن أن تخدعهما لثانية واحدة :
فيا أيها الأخوة الكرام، القضية قضية دقيقة جداً هو أن مصيرك الأبدي إما إلى جنة يدوم نعيمها، أو إلى نار لا ينفد عذابها، المصير الأبدي مخيف، الدنيا بكل ما فيها.
مرّ النبي الكريم على قبر، فقال:
(( صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم خير له من كل دنياكم ))
[ رواه ابن المبارك عن أبي هريرة ]
فهؤلاء الذين مردوا على النفاق من أهل المدينة، والأعراب حول المدينة، لا تعلمهم يا محمد قد يكون نفاقهم بأعلى درجة من الذكاء والإتقان،
﴿ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ﴾
لكن أنا أعيد هذه الكلمة التي أرددها كثيراً: قد تخدع الناس لبعض الوقت، وقد تخدع بعض الناس لكل الوقت، أما أن تخدع كل الناس لكل الوقت، فهذا مستحيل وألف ألف مستحيل، لذلك أما الشيء المستحيل فأن تخدع الله.
﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾
[ سورة النساء الآية: 142]
أن تخدع نفسك، والدليل:
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
[ سورة القيامة]
الله عز وجل ونفسك لا يمكن أن تخدعهما لثانية واحدة.
﴿ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾
وأرجو الله سبحانه وتعالى أن ننتفع بهذه الآيات، وأن نجعلها نبراساً لنا في حياتنا، وأن يتغمدنا الله بعفوه، إنه سميع مجيب.
والحمد لله رب العالمين
رد: الموت نهاية كل حي
طرحت فأبدعت
دمت ودام عطائك
ودائما بأنتظار جديدك الشيق
لك خالص تقديري واحترامي
دمت ودام عطائك
ودائما بأنتظار جديدك الشيق
لك خالص تقديري واحترامي
JoryAbdallah- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 13598
التقييم : 39
احترام قوانين المنتدى :
رد: الموت نهاية كل حي
مشكور اخي الكريم
موضوع رائع
:) ...
موضوع رائع
:) ...
edd1rasa- عضو سوبر
-
عدد المساهمات : 4462
التقييم : 3
العمر : 27
احترام قوانين المنتدى :
رد: الموت نهاية كل حي
جزااااك الله خيرا.. على هذا المجهود الرائــع..
بــارك الله فيــك على الموضـــوع ..
الى الأمـــام..
لاتبـخل عليــنا بجـــديــدك..
و تقـبل مروريـ..
تحياتي..
بــارك الله فيــك على الموضـــوع ..
الى الأمـــام..
لاتبـخل عليــنا بجـــديــدك..
و تقـبل مروريـ..
تحياتي..
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى